| مقتطفات من مجلة أكتوبر : No1827-30/10/2011 | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: مقتطفات من مجلة أكتوبر : No1827-30/10/2011 الخميس 03 نوفمبر 2011, 3:33 am | |
|
الاستاذ | | | | |
لأن الأستاذ أنيس منصور رمز يشار له بالبنان، آثرت مجلة «أكتوبر»، وهى البنت البكر لأستاذ الأجيال، أن تفرد له عدداً خاصاً يليق بتلك الموسوعة الأدبية والقيمة الفكرية، لكونه فيلسوف البسطاء وأديب الأمراء، وفاكهة الصحافة المصرية التى لا تظهر فى الشتاء ولا وجود لها فى الصيف. وبين صفحات العدد أسرار خاصة عن حياة الأديب الراحل وحكايته مع أهل قريته فى المنصورة، وقصة فصله من الصحافة على يد عبد الناصر، وأسرار زيارته للقدس مع الرئيس السادات، وكواليس صدور العدد الأول من مجلة أكتوبر ومقال الفقيد الراحل الذى تنبأ فيه بموته.. تفاصيل مثيرة فى هذا العدد التذكارى. مقدمة : لم يكن الفتى منصور جنينا عاديا فى بطن أمه، لم يكن قليل الحركة، أو مستقر الأوضاع، أو حتى مثل خلق الله هادئا تارة وثائرا تارة أخرى، بل كان كما قال عن نفسه «كنت فى أحشاء أمى جزءا من حياتى كنت متمردا على هذا الرحم الصغير، كنت أحس أن قيوده تقتلنى، فالكبد عن يمينى والطحال عن شمالى كنت انتظر تلك اللحظة التى أنزل فيها من هذا الرحم الضيق انتظرها على أحرّ من الجمر. لم أنزل باكيا أو مستغربا، بل نزلت متأملا متسائلا: أين أمى التى تحملت كل هذه الشقاوة وهذا التعب؟.. إننى خلقت من أجل أمى.. لنعيش معا، ونموت معا.. لنستريح فى محطة الدنيا.. ونعبر معا «كوبرى» الآخرة. قصة النداهة التى أنقذت الفتى منصور من الغرق فى قرية نوب طريف التابعة لمركز السنبلاوين - وليس المنصورة كما تردد - ولد صلاح محمد منصور أو أنيس محمد منصور وهو الاسم الذى اشتهر به ليصبح «أنيس منصور». عاش أنيس مع أبناء قريته، أحمد ومحمد وصلاح ومحمود يذهب معهم إلى كتاب الشيخ عبد المعبود صباحا، ويجرى فى الحقول وقت الظهيرة، وإذا جاءت فترة المساء يذهب إلى كتاب الشيخ ثانية لتسميع «الماضى» ومراجعة القرآن الذى حفظه عن ظهر قلب فى بداية اليوم. فى أحد الأيام رأى الطفل أنيس أن قرية «نوب طريف» اتشحت بالسواد.. خرجت عن بكرة أبيها.. الكل يبكى وكأن القيامة قد قامت تساءل الطفل ماذا جرى؟ لماذا تبكى القرية؟ لماذا ترتدى السواد؟ قال له صديقه الصدوق سليمان على ندا الذى التقت به أكتوبر فى حوار خاص لا تحزن يا أنيس فإن مولانا الشيخ عبدالمعبود شيخ الكتاب توفاه الله.. مات.. ظل أنيس يبكى على شيخه كان يتمنى أن يختم القرآن على يديه، ولكن «ما دايم إلا وجه الله». بعدها ذهب أنيس لكتاب الشيخ السيد أبو محمد ليختم القرآن على يديه. الطفل أنيس منصور كان ولدا شقيا كما قال عن نفسه يجبر أمه على ضربه بسبب وبغير سبب. فمثلا ينزل ليستحم فى النيل، وهو لا يعرف العوم، فيحمله زملاؤه الصغار ملفوفا بملابسه بعدها يصاب بالحمى أو البرد، ولا ينقذه من يدها إلا المرض أو أحد الجيران. الثعلب المكار ذات مرة شاهد الثعلب وهو يصعد بظهره النخلة حتى يكون فى مأمن من أهل الأرض أو صاحب النخلة، على الفور يقوم الطفل أنيس بتقليد الثعلب.. يخلع جلبابه، ويحاول صعود النخلة بظهره.. يحاول مرات ومرات.. ولكنه يفشل أيضا مرات ومرات.. وفى المرة الأخيرة يقع أنيس على الأرض، بعد أن تتلطخ ثيابه بدماء رأسه.. إنها شقاوة الأطفال التى لا تدانيها شقاوة. لم يكتف أنيس بتقليد الثعلب، بل كان يقلد والده أيضا.. كان يأخذ تعاويذه التى كان يوزعها على المرضى وأصحاب الحاجات يأخذها من جيب الجاكيت.. يفتحها يقرأ ما فيها.. ويذهب بها إلى المرضى ليقرأ عليهم الأوراد والآيات.. أراد الطفل أنيس أن يكون كبيرا.. أراد أن يكون له دور فى سن مبكرة كان يرفض أن يجلس فى مقاعد المتفرجين أو أن يكون عالة على أهله. ظل على هذه الحالة حتى فارق الدنيا وما عليها. زيارة إلى القبر كان أنيس منصور نابغة فى طفولته.. كان يريد معرفة كل شىء رأى الأحياء يزورون الموتى فانتظر حتى جن الليل وذهب إلى قبر جده ذهب ليشتكى أمه التى تضربه صباح مساء على حد وصفه ولكن لأن الأم هى الأم.. أخذت تبحث عنه فى كل مكان.. تجرى ناحية المقابر تنادى عليه بأعلى صوته الذئاب تعوى والثعابين تتلوى.. وشياطين الأنس تترقب وعفاريت الليل لا حصر لها.. فى النهاية تعثر عليه أمه بعد طول غياب تحضنه بين ذراعيها.. دفء ما بعده دفء إنها الأم التى أرادت أن يكون أنيسها محاميا أو طبيبا أو وزيرا وهو يريد شيئا آخر أرادت أن يكون له «شان وشنشان» أراد أن يكون أنيس منصور الفيلسوف والمفكر والمبدع والفنان. ارتبط أنيس منصور بوالده ارتبط به لكونه أبا حنونا محبوبا يتفانى فى عمله، ويبحث عن الرزق الحلال يحفظ القرآن عن ظهر قلب ولا يعنيه من الدنيا إلا تربية أولاده الأحد عشر. تزوج أكثر من سيدة فأنجب هذا العدد الكبير كان همه أيضا أن يحفظ أنيس القرآن ويتفوق فى دراسته.. أن يكون هذا «الولد» النابغة سيد شباب أهل مصر. ولذلك كما يقول الأستاذ: عندما علم والدى أننى حفظت كتاب «دلائل الخيرات»، ذهب إلى إمام المسجد وقال أنيس ابنى حفظ «دلائل الخيرات»؟! فقال له الشيخ: وهذا من «دلائل الخيرات» أيضا، وعندما حفظت بردة البوصيرى قال لمأمور المركز فى أول لقاء بينهما إن ابنى قد حفظ «البردة» ويستطيع تسميعها الآن.. كان يفتخر بولده فى أى مكان يذهب إليه. شاى بالنعناع يقول الأستاذ أنيس عن والده كنت أعشقه وأنام أمام غرفته، كان يستيقظ الفجر، ونصلى معا.. يصلى إماما وأصلى خلفه يقرأ القرآن ويضع يده على رأس وقلبى ويدعو ربى أن ينصرنى على نفسى وعلى أعدائى وأن أكون رحيما بوالدى وأن أكون فى أعلى المناصب، وأن يجعل فى قلبى نورا وفى بصرى نورا.. كان يصنع لى الشاى بالنعناع، ويحكى له ما يعرفه من القصص.. يحكى لى عن شمر بن ذى الجوشن قاتل الحسين، وقتلة عمر وعثمان وعلى، كان يقول لى إن مصر محفوظة.. من أرادها بسوء قصم الله ظهره. يقول الأستاذ أنيس: والدى كان كثير السفر والترحال لا يستريح فى البيت كثيرا.. كان قليل الكلام كثير العمل.. فى حاله خصام دائم مع جدتى وكانت له هيبة ومكانة بين أبناء القرية كان معروفا بالصدق والأمانة والثقافة والأدب كان يدخل القرية على جواد أبيض وشمسية بيضاء تقيه حر الشمس يحيط به الناس من كل جانب وكأنه ملك متوج ويمشى وراءه عدد من الفلاحين سيرا على الأقدام أو على ظهر الحمير، كان قويا سمعت أنه يحتضن الحصان بذراع واحدة ويمشى به لخطوات.. كان خيّرا يصنع الخير فى أهله، وفى غير أهله، كان قدوة للخفراء والأمراء على حد سواء. حجاب أبى رأيته ذات مرة يصوب فوهة البندقية التى كان يحملها على ظهره، ويمشى بها بين الحقول على هدف بعيد.. رأيت الدخان يخرج من الماسورة السوداء. لأول مرة كما يقول الطفل أنيس أسمع طلقا ناريا نظرت إلى والدى بخوف أخذنى من يدى وقال: لا تخف تعال معى لنستطلع الفريسة رأينا ذئبا يتلوى كان يأكل الخراف من حقول الفلاحين والفراخ من شوارع القرية. ومرة أخرى وجدته يمسك شيئا طويلا، اعتقدته حبلا فى البداية ولكنه كان يتلوى أخذ يلف به فى الهواء ثم ألقاه على آخر ذراعه، فتبين أنه ثعبان قذفه أبى فى الهواء ليرتطم بجذع شجرة ليكون آخر يوم له فى الحياة. كان والدى «رجل بركة» قابله أحد أبناء القرية ذات مرة قائلا له: يا عم محمد الصداع سيفلق رأسى تمتم والدى بلسانه فى أذن الرجل وملس على رأسه بإصبعيه ثم أخرج ورقة من جيبه وأعطاها للرجل، وأخذ يقول له: باسم الله الشافى المعافى أن تشفى هذا الرجل، وببركة قوله تعالى «ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين» ويطمع الرجل أكثر وأكثر ويقول لوالدى يا عم محمد أنا عايز كمان شوية بركة.. «الواد» ابنى كاره البيت.. الظاهر عليه راكبه عفريت.. ساعدنا يا عم محمد الله يساعدك.. وما كان من والدى، -كما يقول الأستاذ أنيس منصور- إلا أن أعطاه حرزا ليقيه الشيطان الرجيم، وكتب عليه قول الحق سبحانه «فرجعناك إلى أمك كى تقر عينها ولا تحزن». وعاد الولد إلى حاله ببركة القرآن وبركات والدى. وعن علاقته بأمه يقول «الأستاذ»: كنت ألازمها كظلى، أراها فى اليقظة والمنام، أراها أمامى فى الكتاب والمدرسة، كانت سريعة الحركة، تنتقل فى طول البلاد وعرضها تزور أهلها وعشيرتها، وتمد حبل الوداد الذى قطعه والدى لظروف عمله، كانت معشوقتى الأولى، وكنت معشوقها الأوّل. أرز بالسمن عندما كان يسمع الطفل أنيس أن أمه مريضة.. كان يمرض لمرضها، ويسعد لسعادتها، كانت تحاول إخفاء مرضها وكان يحاول معرفة الحقيقة، تسلل إلى حجرتها، ونام تحت قدميها.. سمع أنين الألم يخرج من طيات ملابسها.. جاءته رعدة وأصابه برد فى عظامه أراد أن يخفف عنها.. أتى بملابسه.. وضعها فى إناء كبير، وصب عليها الماء، أراد غسلها.. صعد إلى سطح المنزل لتجفيفها، رأته الأم المريضة احتضنته، قالت له حفظك الله يا بنى. نام على صدرها، أحس بدفء بين ذراعيها، دعت له بالبركة وطول العمر، فعل ما هو أكثر، دخل إلى غرفة الطعام ليصنع لها حفنة من الأرز المسلوق.. أحس أنها جائعة، أراد أن تكون فى أحسن حال، خلط الأرز بالماء وفوقهما السمن، تحول الأرز إلى عجين، فلا هى أكلت، ولا هو استراح.. موقف آخر أراد تخفيف العبء عن أمه.. ظل يبحث عن رضاها، جمع فناجين القهوة التى تحتاج إلى غسيل، صب عليها الماء، حاول تجفيفها.. ووضعها فى مكانها على الرف، فى لحظة سقط الرف وتكسرت الفناجين، وكانت مشكلة نال بسببها علقة ساخنة، فلا هى طلبت منه الغسيل، ولا نجح فى المهمة، ولا تركها مكانها.. وسبب العلقة أن الفناجين كانت ملك إحدى الجيران، ومطلوب ردها فى أسرع وقت. سيدة قوية يقول الأستاذ أنيس منصور: أردت أن أعرف مصيرى من أمى التى كانت تقرأ الفنجان.. كانت تستطلع الغيب، كانت سيدة قوية لاتعترف بالضعفاء يأتى إليها أخوالى ليقبلن يديها ورأسها كل صباح.. قالت لى أكثر من 20 مرة لن تكون مثل أبيك ولن تكون مثل عمك فى الأزهر، ولن تكون طبيبا أو عمدة أو مهندسا، ولكن ستكون وزيرا.. أتيت لها بفنجان قهوة.. حتى أعرف منها ماينتظرنى، انتظرت على الفنجان حتى يجف، وظهرت فى وسطه خطوط متداخلة، أمسكته بين أصابعها، نظرت فيه بعمق، انفرجت أساريرها، أشرق وجهها، وقالت: فنجانك حلو قوى ياابنى، كله سكك مفتوحة، وفى وسط الفنجان كلمة «الله» وبجواره كلمة «محمد».. الله نور، ومحمد جميل الوجه، وحوله إناس كثيرون، وتابعت قائلة: ياابنى أعداؤك من دمك، والله ناصرك وحاميك.. العلاقة بينى وبين أمى كانت عجيبة.. كان لابد لى أن أمرض حتى أكون قريبا منها، أو تمرض هى، حتى أنام تحت قدميها، وبعد ذلك فى حضنها. كان الطفل أنيس منصور انطوائيًا، زرعت فيه أمه مبادئ العزلة، أراد أن يكون مستقلا فى تفكيره وعلاقاته، فمع كثرة أشقائه، لم يعرف منهم أحدًا، كانوا بالنسبة له مجرد ذكرى، وكان بالنسبة لهم مجرد طيف، لم يسأل عليه أحد، وهو لم يسأل عليهم أيضًا، وقف ذات يوم مع أحدهم، نادته أمه بصوت جهورى.. لاتقف فى الشارع، فالجلوس فى البيت أفضل لك وله.. يقول الطفل أنيس: لم أفكر فى أحد من أشقائى.. كل تفكيرى كان فى شقيقتى التى تمنيت أن أراها، كنت أحلم أن ننام معًا ونلعب معًا، ونعيش معًا.. ولكنها أمى التى كانت تخاف علىّ حتى من إخوتى. الناس عندها صنفان: الأقارب أسوأ الناس. أما الجيران فهم أقل سوءًا، والمدهش أنها كانت لاتفضل الجلوس إلا مع الست أم عزيز كانت مسيحية تقرأ الفنجان وتفتح الكوتشينة.. وكان أولادها عزيز وألفت ومادلين أعز ما أملك. لم ينعم الطفل أنيس منصور بحياته كبقية الأطفال، فوالده كان دائمًا خارج البيت، وأمه كانت دائمًا مريضة، كان يترك دروسه ويجلس بجوارها ليطعمها، ويعطيها العلاج، ويرتب لها حجرات الاستقبال والنوم والمعيشة.. الموت غرقًا تفوق على أقرانه فكان الأول على الجمهورية فى الابتدائية والأول فى التوجيهية.. كان فى حزن دائم لم يقل له أحد مبروك.. حاول الانتحار مرتين.. مرة فى التوجيهية والثانية فى البكالوريا.. كل الناجحين يوزعون الشربات، ويقيمون الموائد، أما هو فإما أنه يبكى على أمه، وإما يبكى على نفسه دخل غرفتة لينام فلاحقته الكوابيس من كل جانب، أشباح، وعفاريت، وعقارب، وشياطين.. الكل يحاول الخلاص والقصاص منه هرب إلى فراشه غطى نفسه جيدا لينقذ نفسه من هذا العذاب، اعاد المحاولة مرات ومرات ولكنه فشل، ماذا يفعل؟. عذاب بالليل، وجحيم بالنهار.. أب غائب وأم مريضة فالحياة لا قيمة لها بعد فراق الاهل والأحباب هداه تفكيره أن يخرج من المنزل، أخذ يمشى فى شوارع القرية قادته خطاه إلى شاطئ النيل فى المنصورة يذهب إلى هناك يقف على الشاطئ ويفكر فى الانتحار، قرر أن يموت غرقا، همّ بإلقاء نفسه فى النيل، وما بين لحظة وأخرى نادت عليه امرأة لا يعرفها،قد تكون نداهة وقد تكون جنيّة وقد تكون امرأة حقيقية باتت لغزا يؤرق حياته حتى مماته.. قالت له: تفكر فى الانتحار ولكن إذا غرقت أو مت فمن يرعى أمك؟ عندها كما روى نبيل عتمان كاتم أسرار الأستاذ أنيس منصور لأكتوبر- تراجع الفتى أنيس ليعود إلى أمه، ويحتضنها، ويقول لها أنت شقائى وسعادتى لترد عليه قائلة: وأنت حلم حياتى، وجنتى ونارى... أنت بالنسبة لى كل شىء فى الوجود. عيشة الحرية ولأن الطفل أنيس منصور كان يعشق الحرية فإنه كان مبهورا بعائلات الغجر التى كانت تنتقل من شرق البلاد لغربها كانت تجيد قراءة الكف والفنجان والكوتشينة، ويتذكر الأستاذ أنيس منصور أن نساء الغجر كن جميلات، كن يأسرن اللب، كانت الواحدة منهن طاقة متفجرة من الجمال والفتنة، كن يأسرن الألباب. قراءة الكف يقول الأستاذ أنيس كنت أعشق واحدة منهن، دفعنى حبها أن أمشى معها، أتعلم منها قراءة الكف والفنجان، وكانت أمى تخاف علىّ من هذه الصحبة، وكانت تشتكى لأبى من هذه التصرفات، كانت تدفعه لأن يفعل شيئا.. وكان طيبا ودودا، يسألنى لماذا تمشى مع الغجر، وكانت الإجابة إنها المعرفة ياوالدى. اعترف الاستاذ أنيس أن صوته كان جميلا، كان يهوى الغناء والتلحين يهوى الجمال والطرب، وعندما سألت نبيل عتمان عن سر هذا الجمال فى صوته قال.. لقد سألت الأستاذ نفس السؤال فقال: الصوت موهبة.. ونعمة من الله، وصوتى هو صورة طبق الاصل من صوت والدى.. الذى كان يقرأ القرآن بصوت رخيم، وكنت اردد وراءه بنفس الاداء، كان يبكى، وكنت أبكى مثله، كنت أسمعه وهو يغنى لصالح جودت وسيد درويش وعبده الحامولى، كان يحضر حفلات منيرة المهدية، ويرتجل أغنيات وتواشيح دينية ويغنيها، يقول الأستاذ أنيس، وكان خالى يغنى أيضاً وكان صوته جميلاً وكذلك خالتى. أما أمى فقد سمعتها تغنى ذات مرة فى الحمام ، وكان صوتها جميلاً ولكنه كان حزيناً، ومهموماً، وإن كانت كلمات أغنيتها تحمل معانى الصبر والهموم والبخل والكرم، وقساوة الأيام والذل والحسد، وما شابه ذلك من معان. الحب الأول وتمر الأيام فبعد حصول التلميذ أنيس منصور على الترتيب الأول فى الابتدائية، انتقل إلى التوجيهية وفى طريقه إلى المدرسة مع زملائه رأى فتاة نحيفة سمراء طويلة، سوداء الشعر، تهز رأسها بصورة عصبية -على حد وصفه- لم يضعها فى ذهنه ولكن بعد يوم واثنين وثلاثة.. لا حظ أنها ترقبه سار فى طريقه إلى حال سبيله مالت عليه وقطعت عليه تفكيره، سألته عن الساعة، فقال: لا أعلم، فقالت له السابعة.. من هذه الفتاة إنها أخت فريد.. أحد أصدقاء الدراسة، جاءت إلى منزلنا مع والدتها ،لزيارة أمى المريضة.. لم ألق بالاً، ولكنى مازلت متذكراً تلك الفتاة الناعمة والشعر الأسود إنه الحب الذى يأتى فجأة ويذهب فجأة أيضا.. وبعد سنوات يحصل الطالب أنيس منصور على المركز الأول فى الثانوية أو البكالوريا ثم يأتى مع أسرته الكريمة إلى مدينة امبابة ليلتحق بكلية الآداب قسم فلسفة جامعة فؤاد الأول ويحصل على المركز الأول أيضًا، يقوم بالتدريس فى الكلية.. يلتف حوله الشباب ليكون نجم الشباب فى الخمسينات ونجمهم أيضا بعد الثورة فى 2011 وتبدأ رحلة الدراسة والاطلاع والمعرفة مع الصحافة والشهرة، مع محمد التابعى، ومصطفى أمين، مع أخبار اليوم، ومجلة الجيل، مع آخر ساعة والأهرام مع نجوم الفن والسياسية والأدب مع إحسان عبد القدوس، ويوسف السباعى، ونجيب محفوظ، مع الرئيس عبد الناصر، والرئيس السادات والذى نجح باقتدار فى اكتشاف هذا الراحل العظيم ليجعله من المقربين إليه، ويمنحه لقب رجل المهمات الصعبة فى العراق والسودان وإسرائيل وليبيا، كانت له أيام فى صالون العقاد مع توفيق الحكيم والمازنى وطه حسين، عاش فى حياته عبدالوهاب، والسنباطى، وبليغ وأم كلثوم، ونجاة الصغيرة، وعبد الحليم حافظ وكان ابن نكتة مثل يوسف السباعى، وزينات علوى، وإسماعيل ياسين وكمال الملاخ. زجاجات الخمر وفى معرض حديثه عن الحكام العرب قال عن القذافى: كان رجلاً جـــاهــلاً لا يعرف قيمة الناس أو الأدب أو الفكر وكانت الحاشية التى تحيط به أكثر منه جهلاً.. ويدلل على ذلك بأن ضابط الجمارك فى مطار طرابلس أفرغ زجاجات الأدوية الخاصة بالأستاذ أنيس، وقال له: سأحرر لك محضرًا.. لأنك تحمل زجاجات من الخمر، تعجب الأديب الكبير وقال إنها زجاجات لعلاج المعدة وتقلصات الأمعاء.. وهى دواء أتناوله عند الحاجة إلّا أن الضابط أصر على تحرير محضر، وقال: الخمر أيضًا دواء، وأبو نواس قال عنها «فداونى بالتى كانت هى الداء».. وعندما علم القذافى بالحكاية.. دعا «الأستاذ» إلى مقابلته، طلب منه أصل الحكاية اعتبر «الأستاذ» أن القذافى سيحقق فى القضية، ولكنه اكتشف أنه يريد أن يسمع ليضحك ومن هنا أدرك الأستاذ أنيس منصور حجم الحكام العرب مقارنة بالعملاق الكبير أنور السادات. أما صدام حسين فله حكاية أيضًا مع الفقيد الراحل، وهو أنه عندما انتهى حكم الشاه بقيام ثورة الخومينى.. أوفد الرئيس السادات «الأستاذ» لصدام حسين بغرض تحصين الجبهة الشرقية ضد أطماع الخومينى وأتباعه وعدم الانسياق إلى حرب قد يكون غير مستعد لها، وفجأة وبلا سابق إنذار انساق صدام وراء استفزازات الخومينى، ودخل حربًا معه فقد فيها أكثر من 100 ألف شهيد دون أن يطلع الرئيس السادات عما يدور فى ذهنه، ولم ينقذه من براثن إيران إلّا الرئيس السادات ومن بعده الرئيس السابق حسنى مبارك. رجل المهام الصعبة ولأن الأستاذ أنيس هو رجل المهمات الصعبة فقد أوفده الرئيس السادات أيضاً إلى جعفر نميرى فى مهمة سرية طالبًا منه تحسين علاقاته مع دول الجوار والمنبع خاصة تشادو أثيوبيا وكينيا وتنزانيا لأنها بمثابة العمق الاستراتيجى للأمن القومى المصرى الذى يمتد من هضبة الحبشة جنوبًا حتى البحر المتوسط شمالًا، ومع هذا فقد كان جعفر نميرى يستقوى على هذه الدول مستغلًا تلك العلاقة الخاصة التى تربطه بالرئيس السادات، وكان يمد حركات المعارضه فى تلك البلاد بالأسلحة والذخيرة حتى ثار عليه قادة جيشه وفى النهاية لجأ إلى مصر ليتحول من زعيم سياسى ورئيس دولة إلى لاجىء لا حول له ولا قوة. أما أخطر ما رصده الأستاذ أنيس منصور خلال لقاءاته السرية مع جعفر نميرى هو أن الرئيس السودانى كان يتعاون مع الإسرائيليين ضد الشعب الفلسطينى بتهجير يهود الفلاشا بالسودان وأثيوبيا، وكينيا إلى تل أبيب برحلات جوية مشبوهة، وجوازات سفر مزورة مما كان يتنافى مع مبادىء القومية العربية. أسرار كثيرة ارتبطت بحياة الفتى منصور ابن السنبلاوين والمنصورة والدقهلية.. ابن القاهرة الساهرة، ومصر العامرة، ابن النيل والأهرام وأبوالهول.. عاشق الفكر والأدب.. رحم الله الفقيد رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته. كُتاب الشيخ سيد.. «سربون» أنيس منصور وفى رحلة بحثنا عن شيخ الكتاب الذى حفِّظ الأستاذ القرآن قابلتنا شقيقته الحاجة كريمة محمد السيد سيدة كبيرة فى السن فتحت لنا الكتاب الذى وصفه الأستاذ فى إحدى لقاءاته التليفزيونية بأنه جامعة السربون وقالت: أنا عارفة أنيس كويس وكان أشطر واحد فى الكتاب، وأخى قال عنه كلاما كثيرا قبل موته، وأكد أنه حفظ القرآن فى أقل من سنتين ولكن أنيس كان ولد شقى وبيعمل مقالب فى «العيال» الصغيرة وبكت قائلة: الكتاب مغلق بعد وفاة شقيقى وأتمنى أن يعود كما كان ولكن العين بصيرة واليد قصيرة. أما البيت الذى تربى فيه الأستاذ فمازال على حاله حتى الآن وهو يعد من البيوت القليلة التى مازالت بالطوب اللبن، وهو عبارة عن طابقين ومن الحقائق الثابتة أن محمد منصور والد أنيس منصور اشترى البيت بالطوب اللبن وأعاد بناءه بالطوب اللبن أيضا، وفى النهاية تركه وذهب إلى القاهرة. حضرة العمدة يعترف : الطفل أنيس.. حسن السير والسلوك رغم عمره المديد الذى تجاوز الـ 81 عاما أكد حضرة العمدة الحاج عبدالله السروالى عمدة قرية نوب طريف والذى يتمتع بصحة جيدة، وذاكرة حديدية أن الطفل أنيس منصور كان حسن السير والسلوك وكان منطويا على نفسه، وأجمل ما فيه أنه كان يواظب على الصلاة فى المسجد، ويحرص على الذهاب إلى كتاب القرية مع بقية الأطفال. ويضيف حضرة العمدة قائلا إن أنيس كان صديق شقيقى الأكبر، وكانا يحفظان القرآن معا، وفى أوقات الفراغ كانا يذهبان إلى «الرياح» مجرى مائى كبير لصيد السمك، أما والده فكان ناظرا بدائرة راضى عز الدين باشا يكن. قرية الأستاذ.. على العين والراس فى الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى كانت قرية نوب طريف التابعة لمركز ومدينة السنبلاوين مسقط رأس أنيس منصور منسية كغيرها من القرى ولكن بعد اهتمام محافظة الدقهلية بقرى المشاهير تم تطوير الأبنية التعليمية فيها بإنشاء مدارس الابتدائى والإعدادى والثانوى بنين وبنات، كما يوجد بها 9 مساجد ووحدة صحية وسنترال وجمعية خيرية لتنمية المجتمع وتشتهر القرية بصناعة صناديق السيارات المفتوحة والنصف نقل. إبراهيم الطنطاوى رئيس الوحدة المحلية التابعة لها القرية أكد لأكتوبر أن قرية أنيس منصور على العين والرلس كغيرها من القرى ولكن ستكون لها منزلة خاصة لكونها قرية الأستاذ أو فيلسوف البسطاء، وتعهد بأنه سيرفع تقريرا إلى السيد رئيس مجلس المدينة لإطلاق اسم الأستاذ على مراكز الإنتاج فى المحافظة.
حكاية الشيخ سليمان مع الأستاذ فى الكُتاب والمدرسة والأهرام إنه الشيخ سليمان على ندا.. صاحب البركات والنفحات، يحفظ القرآن عن ظهر قلب ورغم سنه الذى تجاوز الـ 100 عام فمازال يتمتع بذاكرة قوية قال لـ أكتوبر أنيس منصور حبيبى.. عشنا أحلى أيام العمر.. كانت أياماً جميلة خالية من الكذب والنفاق، كنت قريباً من «الأستاذ» لدرجة لا يتصورها عقل، وذلك بحكم عملى مع والده الذى كان يعمل بالليل والنهار حتى يستطيع توفير النفقات لأولاده الذين تجاوزوا الأحد عشر كوكباً . كان والد الأستاذ يمتلك محل فراشة بجوار عمله ناظر زراعة عائلة يكن، وكنت أقوم بإدارة المحل، ورعاية الطفل أنيس، وتوصيله إلى الكتاب والمدرسة، كان عهدة فى رقبتى فى حالة غياب والده. كنت أصطحبه يومياً إلى كتاب الشيخ عبدالمعبود وعندما مات كلّفنى والده بالذهاب به إلى كُتّاب الشيخ السيد أبومحمد، وإلى المدرسة الابتدائية، وأهم ما يميز الطفل أنيس أنه كان خجولاً جداً، وكان لا يرفع بصره من الأرض، وكان دائماً مهموماً، وكأنه ينظر إلى العالم الآخر. وكشف الشيخ سليمان ندا أن خط الأستاذ أنيس كان جميلاً جداً وأنه كان ضمن أسرة مكونة من ثلاثة أشقاء أنيس وعبدالعزيز وإخلاص بالإضافة إلى 11 آخرين. وقال إن والدة أنيس كانت من الزرقا فى دمياط وكانت ثرية جداً، ويكشف أنها كانت الآمر الناهى فى البيت، وكان والده دائم الترحال والسفر حتى يتمكن من توفير النفقات لأشقائه، وحتى يعيشوا عيشة كريمة. ويؤكد الشيخ أن والد أنيس كان رجلاً أصيلاً ومحترماً، فعندما باعت عائلة يكن الأرض لعمدة القرية، وترك والده النظارة، وأصبحت أنا بلا عمل، أرسلنى الحاج محمد منصور إلى زوج ابنته الكبرى محمد على المهلمى لأعمل فى تجارة الخيش، بجوار سيدنا الحسين عام 1945. ويتذكر الشيخ سليمان ندا موقفاً طريفاً أنه فى أوائل الخمسينات قررت زيارة الأستاذ أنيس فى الأهرام.. وعندما وصلت للبوابة منعنى الأمن من الدخول وحتى الاقتراب، وقالوا لى: «هوه حد يقدر يقابل الأستاذ؟». يستطرد ندا قائلاً لم أرد عليهم.. وقلت لهم أبلغوه باسمى فقط إذا قبل فبها ونعمت، وإذا رفض فلن أحضر إلى هنا بعد اليوم.. وبالفعل اتصلوا بالأستاذ أنيس وأبلغوه باسمى فأمرهم بصعودى، وقابلنى مقابلة حسنة وكريمة، وتذكرنا معاً أيام الطفولة. ويتابع ضاحكاً: منذ سنوات اشتكى أحد أبناء القرية، الذى يعمل فراشاً فى إحدى المدارس من ناظر المدرسة الذى طلب منه صراحة أن يعمل عنده فى الحقل، وعندما رفض الفراش، قرر الناظر مجازاته، وخصم له أياما كثيرة على أشهر متوالية، وذات صباح جاء هذا العامل يشتكى فطلبت منه الذهاب إلى الأستاذ أنيس منصور لينقله، وبالفعل ذهب العامل إلى «الأستاذ» فى الأهرام.. فضحك الأستاذ كثيراً وقال له: «اذهب الآن إلى المدرسة» ولا تتكلم، وبالفعل ذهب العامل فوجد الناظر يقول له من الآن: أنت الناظر وأنا العامل. خلاصة الكلام كما يقول الشيخ ندا أن الأستاذ أنيس منصور لم ينس أهل قريته يوماً ما على عكس ما يقال ويشاع . مكتبة «الأستاذ» صدقة جارية فى تصريحات خاصة لـ أكتوبر طالب اللواء محمد غيط راغب رئيس مركز ومدينة السنبلاوين من ورثة الأستاذ الكبير أن تكون مكتبته من نصيب أبناء محافظة الدقهلية لتكون بمثابة صدقة جارية على روح الفقيد الراحل. وأضاف أن مدينة السنبلاوين غنية برموز الفكر والثقافة والأدب والفن، فالعلامة أحمد لطفى السيد، من قرية برمين، وسيدة الغناء العربى أم كلثوم من طما الزهايرة والفيلسوف أنيس منصور من نوب طريف. وأشار إلى أن الأستاذ أنيس يعد بمثابة فيلسوف البسطاء الذى أمتعنا بكتابه الشائق حول العالم فى 200 يوم، وأكد أن مجلس المدينة عاقد العزم على وضع تمثال له فى أشهر ميادين المدينة أسوة بالفنانة أم كلثوم، فضلاً عن إطلاق اسمه على مكتبة السنبلاوين العامة. من نوادر الأستاذ من نوادر الأستاذ أنيس منصور الإبداعية عندما كنا نحضر اللقاء الفكرى فى معرض الكتاب، أنه كان يحاول الهرب بعد انتهاء اللقاء فيفاجأ بأن هناك لقاء آخر فى قاعة أخرى.. وكان يضحك ويقول- أوقع بى سمير سرحان- وكان يقصد د. سمير سرحان الذى كان يدير اللقاءات الفكرية فى معرض الكتاب وفى إحدى المرات كان الاستاذ أنيس رحمة الله فى غاية الأرهاق وهو يهم بالانصراف فإذا بأحد الشباب يفاجئه بسؤال- ما هى الحضارة يا أستاذ- وكان الأستاذ أنيس يومها يخشى الزحام المرورى فى طريق عودته للمنزل- فرد قائلا الحضارة هى احترام إشارة المرور. ونوادر الأستاذ أنيس كثيرة جدا لو جمعناها لكانت أكبر موسوعة للنوادر والطرائف فى العالم.. فمنها اللاذع ومنها الغريب ومنها غير المتوقع وهكذا.. مثلا كان الحديث عن الحب والشعراء والمبالغة فى الوصف، وكان حديثا جادا جدا عندما سألته عن أحد أبيات الشعر فى قصيدة المواكب للشاعر جبران خليل جبران والذى قال فيه. والحب أن قادت الأجساد مواكبة إلى فراش من الأغراض ينتحر. وقبل أن أكمل البيت الثانى رد الأستاذى أنيس وكان يريد أن ينهى اللقاء بطرفه كعادته فقال ربما كان المحب عاجزا فهو لا يستطيع أن يذهب بمحبوبته إلى الفراش، أو ربما معندوش سرير يا أخى!! وضحكنا وضحك الأستاذ. حسن زعفان |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: أعتذر إليكم مرتين.. ! الخميس 03 نوفمبر 2011, 3:39 am | |
|
أعتذر إليكم مرتين.. ! | | | | |
فليسمح لى قراء ومحبو أستاذى أنيس منصور أن أعتذر لهم مرتين نيابة عن أسرة مجلة أكتوبر! الاعتذار الأول عن خطأ لم أرتكبه، أنا وتلاميذه، وهو عدم تكريم الأستاذ، مؤسس مدرسة أكتوبر الصحفية، طوال السنوات الماضية “على حياة عينه”، كما يقولون، فى مجلته التى أسسها لتكون نموذجاً فريداً فى الصحافة العربية.. وعذرى أننى لم أكن أملك وقتها القرار لكى أخصص عدداً من المجلة من الجلدة للجلدة لتكريم الأستاذ.. أمـا الاعتذار الثانى فهو أننى رغم امتلاكى لسلطة اتخاذ القرار، وتخصيص عدد من الجلدة للجلدة لتكريم الأستاذ، فإننى وزملائى لم نستطع أن نغطى كل الجوانب فى شخصية العملاق أنيس منصور.. فقد احترنا بين أنيس الأديب والصحفى والسياسى والفنان والفيلسوف.. والإنسان.. لكن عذرى الوحيد أن كل ما كتبناه، فى هذا العدد التذكارى الخاص، كتبناه جميعاً بقلوبنا قبل أقلامنا وعقولنا. وعندما سألونى، فى سهرة إذاعية فى البرنامج العام، لمدة تزيد على الساعة عقب تشييع جنازة أستاذى أنيس منصور، عن أهم ما لفت نظرى فى شخصيته.. قلت: إن أهم ما فيه أنه إنسان بكل ما تعنى هذه الكلمة من معان.. فإيمانه بقدرات الشباب لا حدود لها.. وذلك ما لمسناه ونحن نتعلم على يديه فى مدرسة أكتوبر الصحفية.. فقد كان يتفاعل ويتعامل معنا وكأنه شاب مثلنا.. حتى أنه كان يقدمنا لكبار المسئولين والوزراء قائلاً: "زميلى" فلان، وطبعاً كنا فى "نُص هدومنا" وهو يصفنا بأننا زملاؤه؛ لأننا كنا نعلم تماماً أننا تلاميذه ولسنا زملاءه، وأن المسافة بيننا وبينه طويلة طول المسافة من أسوان لرأس التين..! ولالتحاقى بكتيبة أكتوبر الصحفية حكاية كان بطلها الأستاذ، سأرويها ليس من باب التباهى ولا التفاخر؛ لكن لكى يستفيد منها الجميع رؤساء ومرءوسين.. شباباً وكهولاً.. فعندما أبلغنى صديق عمرى الكاتب الكبير الأستاذ أسامة أيوب بأن "الأستاذ" يبحث عن محرر اقتصادى جيد؛ لأن هذا التخصص هو ما ينقص مجلة أكتوبر.. اتفقت مع أسامة ومع أستاذتى الكاتبة الكبيرة مريم روبين، متّعها الله بالصحة والعافية، على أن أدخل على الأستاذ لا بكارت توصية كما هو الحال فى مثل هذه المواقف، لكن بموضوع صحفى قابل للنشر فوراً..! وكان أهم حدث اقتصادى آنذاك هو المؤتمر الاقتصادى الذى دعا إليه الرئيس السابق حسنى مبارك فى فبراير من عام 1982 وشارك فيه خبراء وعلماء من مختلف الاتجاهات والتوجهات.. واستعنت بصديق عمرى الكاتب الكبير الأستاذ أسامة سرايا فى إمدادى بكل الدراسات المقدمة للمؤتمر، والتى كانت سرّية، وأعددت موضوعاً بعنوان "اقتصاد مصر فى غرفة العمليات"..! ويوم لقائى بالعملاق أنيس منصور لبست كل اللى على الحبل.. البدلة والكرافتة.. ودخلت عليه، وكان جالساً فى مكتب أستاذنا محمد عبد الوارث متّعه الله بالصحة والعافية.. فسلمت عليه، وقلبى يرتجف بشدة، وقدمت له التحقيق بدلاً من كارت التوصية، فقرأه بسرعة شديدة ثم قال للأستاذ عبد الوارث: محمد.. الموضوع ده صفحتين العدد ده.. ثم نظر إلىّ قائلاً: محسن أهلاً بك معنا فى أسرة أكتوبر..!! هكذا كان الأستاذ.. بدون واسطة، لا أونكل ولا تيتة، ولا كارت توصية، كان يختار الصحفيين الذين يعملون معه.. واقعة أخرى.. عندما استنجد عدد من أهالى المطرية بالدقهلية بالمجلة لإنقاذهم من ظلم محافظ الدقهلية، وكان صديقاً شخصياً للأستاذ أنيس منصور، فذهبت أنا وزميلى المصور الأستاذ محمد سامى لقرية بالمطرية لأرصد مظاهر الظلم واستطلاع آراء الأهالى.. والتقينا فى النهاية بالمحافظ ليرد على ما قاله الأهالى، وكان رده ضعيفاً وحجته باهتة، لكنه قال لنا بتباه: سلموا لى على الأستاذ أنيس لأنه صديقى الشخصى، يعنى الكلام إليك يا جارة! واحترت هل أكتب ما رأيته بعينى وما سمعته بأذنى من ظلم، أم أجامل المحافظ صديق رئيس التحرير.. ولم أتردد.. هاجمت المحافظ.. ودخلت على الأستاذ أنيس ورويت له ما حدث وأنا أقدم له التحقيق.. وقلت له إن المحافظ بيسلم عليك..!! فأمسك الأستاذ بالتحقيق ولم يقرأ إلا عنوانه وكان: "حكاية الأرض المخنوقة بالمطرية".. فكتب عليه "للجمع فوراً".. ثم نظر إلىّ وقال لى بسخرية: قل له الله يسلمه، أى المحافظ طبعاً..! ونشر التحقيق كاملاً ولم تحذف منه كلمة واحدة..! هكذا كان الصحفى والإنسان أنيس منصور الذى لو كتبت عنه صفحات وصفحات فلن أوفيه حقه..! لكننى سأختم بطرفة لأستاذنا الكبير الذى كان منجم نكت وقفشات وطرائف ونوادر: زميلنا الكاتب الكبير أحمد مصطفى، متّعه الله بالصحة والعافية، اختاروه ليمثل دوراً صغيراً فى فيلم كراكون فى الشارع مع عادل إمام.. وعندما أبلغوا الأستاذ أنيس بأن فلاناً وقَّع عقداً للتمثيل.. قال بكل بساطة: ياااااه.. لأول مرة فى حياته يمثل بعقد.. طول حياته بيمثل علينا من غير عقد..!! زميل آخر هو الكاتب الكبير الأستاذ أيمن كمال.. توفى والده الشاعر الكبير كمال منصور وكان صديقاً للأستاذ أنيس، فلما ذهب الأستاذ للعزاء وجد أيمن يرتدى كرافتة ملونة.. فقال له: لو أعرف إنك مش زعلان قوى على أبوك.. ماكنتش جيت عزيتك..!! رحم الله أستاذنا ناظر مدرسة أكتوبر الصحفية.. أستاذنا أنيس منصور.. الأديب والصحفى والفيلسوف والفنان وقبل كل هذا وذاك.. الإنسان. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: أنيس القلوب! الخميس 03 نوفمبر 2011, 3:52 am | |
|
أنيس القلوب! | | | | |
كان حديثه يتدفق رقراقاً.. مثل الينبوع الصافى.. يأسر مسامع حاضريه.. ويجتذب قلوبهم وأبصارهم.. أفكاره كانت تنساب على لسانه بحكمة بالغة.. وممتعة! كان يتحدث.. مثلما يكتب.. بسهولة ويسر.. ممتنع! فلا يستطيع أحد مجاراته أو تقليده.. أو حتى الاقتراب من نطاقه الخاص جداً.. بأسلوب فريد.. وأنيس أيضاً. عشت مع الأستاذ أنيس نحو تسع سنوات فى هذه المجلة التى أسسها وقدم من خلالها عشرات الكُتاب والمفكرين المبدعين، خاصة من مدرسة أخبار اليوم التى خرج منها عمالقة الصحافة والفكر والأدب.. وفى جملة عارضة.. فإن أخبار اليوم تخصصت فى صناعة نجوم الصحافة والأدب.. بينما تفننت مؤسسات أخرى فى اختطاف هذه النجوم اللامعة.. وقطفت ثمارها اليانعة! ومثلما يحدث فى عالم الرياضة.. فإن هناك أندية تخصصت فى صناعة النجوم وتقديمها على طبق من ذهب للأندية الأخرى التى تحصد البطولات والسمعة والصيت الواسع! إذن فقد تخرج راحلنا الكبير من مدرسة صناعة النجوم.. مدرسة أخبار اليوم التى قدمت لنا الشقيقين على ومصطفى أمين والتابعى ومحمد حسنين هيكل ومريم روبين.. أستاذتنا الكبيرة التى مازالت تجود بالخير وتفيض بالحب والعطاء لكل من حولها. وعندما نبحث عن أسرار عبقرية أنيس منصور.. نكتشف أن من أبرز سماته التواضع والبساطة.. فرغم القمة الفريدة التى كان يحتلها.. حتى بعد رحيله.. كان الرجل قريبا جدا منا.. من زملائه وأبنائه.. يلعب معنا الشطرنج.. يأكل معنا.. يضحك معنا.. يحبنا ويداعبنا.. ولا يفرض علينا شيئاً.. رغم أنه فى قامته ومكانته كان قادرا على أن يفعل الكثير، ولكنه كان يعطينا الفرص تلو الفرص ونحن شباب.. حتى ينضج أسلوبنا.. وتكتمل هويتنا الصحفية.. ويصنع نجوما فى عالم الصحافة.. احتلوا مقاعد رئاسة التحرير ومجالس الإدارات.. فى مختلف الصحف والإذاعات والمجلات والفضائيات. وهذا سر آخر من أسرار أنيس منصور.. صناعة النجوم من خلال اكتشاف المواهب المبكرة.. وصقلها.. وتنميتها.. وإبرازها.. وهذه القدرة العجيبة ليست متاحة لأغلب العاملين فى الوسط الصحفى والأدبى، فالغالبية الساحقة تريد الاستئثار بالنجومية، بل إن بعضها يحارب بعضها بعضا ويريد أن يطفئ أنوار الآخرين.. حتى يظل نجما وحيدا لامعا! ومن أسرار الراحل العظيم حفظه للقرآن الكريم، فالقرآن يضبط اللسان.. وينمى الموهبة اللغوية والأدبية.. ببلاغته الفريدة، بل إن القرآن يضبط شخصية الإنسان بشكل عام.. ويقوَّم سلوكه، وقد استفاد الأستاذ أنيس من هذا النبع العظيم الذى غذى فكره وأسلوبه ولغته وطوَّر أداءه إلى درجة الإبداع والتألق.. وياليتنا ندرك قيمة القرآن الكريم فى حياتنا.. فإذا قرأناه وتأملناه وتفكرنا فيه وتدبرنا معانيه والتزمنا ولو بنسبة بسيطة من أحكامه.. لتغيرت كثير من أوضاعنا السيئة وسلوكياتنا المعوجة.. فإذا أراد الصحفى أو الأديب أن يختار مرشدا ومعلما وملهما.. فلن يجد أعظم ولا أجمل ولا أروع من كتاب الله.. الذى أفاض على أنيس منصور بخير كثير ووفير. أيضاً كان يحظى أستاذنا بشبكة علاقات هائلة على كل المستويات المحلية والعربية والدولية، ويكفى أنه الكاتب الأول فى العالم بأسره.. بلغة الضاد! وكما تندر على أحد الراحلين فى يوم قائلا: لو رصصت كتبى فوق بعضها لتجاوز طولها طولك!! وهذه العلاقات الرائعة أتاحت لأنيس منصور غزارة فى المعلومات ومصداقية وانفراداً بالأخبار، ولعل أبرز هذه العلاقات كانت مع الرئيس الراحل أنور السادات الذى اقترب منه لدرجة فريدة.. وساعده فى تأسيس مجلة أكتوبر التى تحمل ذكرى أعظم انتصاراتنا، ومن المفارقات أن يموت مؤسسها فى ذكرى تأسيسها وإنشائها على يديه، ولكن عزاءنا أنها مستمرة بعد مماته، ومازال الكثيرون يتذكرون أكتوبر ويقرنونها بأنيس منصور حتى اليوم! شبكة العلاقات الهائلة مكنت أنيس منصور من الانفراد بكم هائل من الأخبار، خاصة خلال فترة الرئيس الراحل أنور السادات.. وكانت وكالات الأنباء تتسابق للحصول على أكتوبر كى تنقل عنها الأخبار، وأتذكر أننى عندما كنت أشارك فى إعداد باب اتجاه الريح.. أو «جورنال المجلة» كما أطلق عليه أساطين الصحافة.. أتذكر أنه كان يقول لنا: احجزوا الصفحة الأولى لأخبارى، ثم نفاجأ بسيل هادر من الأخبار.. يغطى الصفحة الأولى ويفيض على بقية صفحات اتجاه الريح. أكتوبر الزاهرة فى عهد الراحل أنيس منصور كانت تنفرد بأحاديث ومقالات الرئيس السادات.. وكانت تتميز بكثير من الكُتاب والمبدعين، وكانت المجلة الوحيدة – آنذاك – التى تصدر طبعتين.. ويتجاوز عدد النسخ المطبوعة المائتى ألف نسخة! ولم يكن هناك دش أو نت.. فقد سبق أنيس كل هذه الوسائل.. وتفوق عليها بسحره.. وسره!! علمنا الأستاذ سرعة التجاوب مع الأحداث.. ليس فى أكتوبر فقط.. بل فى كل المجلات والجرائد التى أسسها وعمل بها كان يستطيع إعداد عدد كامل عن المشاهير.. خلال بوم واحد.. حدث هذا عند وفاة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ والسادات وغيرهم، وقد اكتسبت تلك الخبرة عندما كنت أعمل فى إحدى البلاد العربية وواجهت أحداثا مشابهة.. فتحركت بسرعة.. وأعددت السيناريوهات المختلفة لتغطية حدث خطير.. لم يكتمل، ولكن سرعة التلبية والتجاوب مع مثل هذه الظروف كانت حاضرة وسريعة، وهذا غيض وفيض علمنى إياه أستاذى الراحل. *** ولعلى أتذكر بعضاً من مواقف أنيس منصور.. عندما كنت أعمل فى باب (اتجاه الريح).. ويرسل إلينا كثيراً من الأخبار.. فأقوم بمراجعتها.. وعندما اكتشفت أن بعضا منها تم نشره.. أقوم بحذفه من الباب، وقد كان يستطيع أن يحذفنى من المجلة كلها..!! ولكن عندما يسأل: من حذف هذه الأخبار.. يقولون له: كاتب هذه السطور!.. فيطلبنى ويسألنى: لماذا؟ فأرد بأدب وثقة: قرأت هذا الخبر فى هذه الجريد.. وسمعت ذاك الخبر فى تلك الإذاعة.. وشاهدت ثالثا فى التليفزيون، فماذا كان رد فعله؟! هل كان يزمجر ويثور.. لا بل كان يشكرنى لأننى منعت نشر أخبار منشورة! وهذا الموقف يعطينا دروسا عظيمة.. أولها: الالتزام بالمهنية الرفيعة، فالرجل رغم مكانته وقامته العالية.. وعلاقاته الواسعة ودقة مصادره.. كان يريد الالتزام بأعلى درجات الاحترافية فى الأداء الصحفى.. لا يريد تكرار أخبار منشورة، بينما اليوم تعاد الأخبار والأفكار.. مرارا.. وتكرارا.. دون وجل.. أو خجل! الدرس الثانى من هذا الموقف هو احترام الابن الصغير.. آنذاك، فرغم سلطته وشهرته.. لم يؤذ ابنه وتلميذه، بل شكره وقدره، وكم قدم له من تقدير مادى وأدبى.. نفتقده كثيرا الآن، أما الدرس الثالث المستفاد من تلك الواقعة.. فهو تقديم النموذج والقدوة لنا، كان يريد أن يعلمنا كيف نعلم غيرنا.. وكيف نتواضع معهم.. ولا نتعالى عليهم. وعندما كنت صحفيا ناشئا بمجلة أكتوبر منذ تأسيسها عام 1976 شاركت فى تغطية كافة المجالات، ومنها الدبلوماسية فى وزارة الخارجية بالجيزة.. كنت أذهب إلى الوزارة بالأتوبيس النهرى، ثم أواصل السير حتى مقر الوزارة. فأقابل أستاذى الراحل فى الطريق.. وكم كانت سعادتى غامرة برؤيته وأنا ذاهب للتنقيب عن الأخبار التى كانت تتناقلها وتتخاطفها وكالات الأنباء عن أكتوبر. أتذكر أيضاً زيارة أسرة مجلة أكتوبر للرئيس الراحل السادات فى قريته بميت أبو الكوم، حيث اصطحبنا الأستاذ كلنا - الصغار والكبار -، وقضينا يوما جميلا ورائعا مع الرئيس الراحل، ومع أنيس القلوب، ورغم بساطة الاستقبال.. إلا أنه كان يوما عظيما.. اكتشفنا خلاله كيف كان يحبنا.. كما كان السادات يحب أكتوبر التى أسسها تخليدا لنصر أكتوبر. وأخيراً.. فإن الراحل الكبير علمنا أدب الاختلاف الذى لا يفسد للود قضية.. كنا نختلف بكل الود والحب والاحترام، وهذا النموذج نكاد نفتقده فى عالم الصحافة والسياسة التى كان يطلق عليها (فن السفالة الأنيقة)! وقد رحمه الله من كل السفالات التى نشهدها.. وسوف نشهدها!! |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: رد: مقتطفات من مجلة أكتوبر : No1827-30/10/2011 الخميس 03 نوفمبر 2011, 3:53 am | |
|
أنيس منصور بين الصحافة والسياسة | | | | |
أنيس منصور تاريخ طويل، وعريض، يمتد إلى أكثر من ستين عاما من الإبداع والامتاع، قالوا عنه إنه موسوعة فلسفية وأدبية وعلمية، وهذا صحيح، وقالوا عنه إنه «شلال» المعرفة وهذا أيضا صحيح. وقالوا إنه من أكبر «ظرفاء العصر» بما يحفظه من حكايات وأشعار ونكت بلا نهاية، وقالوا.. وقالوا.. ومع ذلك لا يزال هناك الكثير الذى يقال عنه، وأعتقد أنه دخل تاريخ الصحافة والثقافة واحتل فيه مكان الصدارة، وسيظل يلهم قراءه بأفكاره اللامعة وأسلوبه المتميز الجميل، ومعلوماته الواسعة. إنه يكتب عن تولستوى، وهيدجر، وسارتر، والبرتومورافيا، وكيركجارد، وعبد الرحمن بدوى، كما يكتب عن العقاد والمتنبى وطه حسين وكامل الشناوى، وعن رحلته الرائدة فى الصحافة المصرية التى طاف بها فى العالم فى 200 يوم، وكما يكتب عن أساطير التاريخ وعن الذين هبطوا من السماء وبنوا الأهرامات فى مصر ثم عادوا إلى السماء بعد ذلك.. و.. و.. مئات الموضوعات.. مقالات.. وكتب.. كتب.. ومقالاته هى الأكثر قراءة وفقا لاستطلاعات الرأى وكتبه هى الأكثر مبيعا، وفقا لأرقام التوزيع فى دور النشر.. كتب عن الوجودية، والخبز والقبلات، وشىء من الفكر، والبقية فى حياتى، و.. و.. مجموعات قصص مثل بقايا كل شىء، وعزيزى فلان، وغيرها.. وكتب فى الرحلات مثل حول العالم فى 200 يوم، واليمن ذلك المجهول، وبلاد الله خلق الله، وأطيب تحياتى من موسكو، وأعجب الرحلات فى التاريخ، وغريب فى بلاد غريبة، ولعنة الفراعنة، وأوراق على شجر.. ومسرحيات مثل الأحياء المجاورة، وحلمك يا شيخ علام، ومين قفل مين، وجمعية كل واشكر، وكلام لك يا جارة.. وكتب فى السياسة مثل عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا، وكتب ساخرة مثل الكبار أيضا يضحكون.. وكتب مترجمة مثل روموس العظيم وهبط الملاك من بابل، والشهاب، وهى للكاتب المسرحى دورينمات، ومسرحيات تنيس وليامز مثل الكهف، ولآرثر ميلر وبعد السقوط، و..و.. لا أستطيع أن أحصر كل الكتب.. أما المقالات فهى عشرات الآلاف.. فى الأخبار، وأخبار اليوم، ومجلة الجيل، وآخر ساعة، ثم مجلة أكتوبر التى أسسها وكان أول وأعظم رئيس تحرير لها، وأخيرا فى الأهرام التى ارتبط فيها اسمه بعنوان عموده اليومى «مواقف». *** كان ترتيبه التاسع بين أحد عشر ابنا وابنة.. فى الكتاب قضى عامين ونصف العام لتعلم القرآن، وطفولته- كما قال- لم تكن فيها حوادث أو تقلبات، ولم يعرف أنها كانت طفولة تعيسة إلا بعد أن بدأ فى استعادة تفاصيلها.. كان والده مفتش زراعة لدى عائلة يكن باشا، وكانت الأسرة تنتقل من مكان إلى مكان، وكان الوالد شاعرا صوفيا، وأمه كان لها تأثير أكبر فى تكوينه، كما كان ارتباطه بأبيه شديدا.. ومات أبوه يوم تخرجه من الجامعة عام 1947. قال عن نفسه: إنه اكتشف أنه مخلوق يشاهد المجتمع دون أن يشارك فيه بسبب طبيعته الخجولة، المنطوية، ولم يخرج إلى المجتمع إلا بعد أن تزوج وشجعته زوجته إلى حضور المناسبات الاجتماعية، ربما كانت نزعته إلى الاستقلال والوحدة بسبب اعتناقه فى شبابه الفلسفة الوجودية بما فيها من تمجيد للفردية، والحرية والاكتفاء بالذات، وهى ملامح تتشابه مع شخصيته وتفكيره ورغبته فى التأمل وتحليل البشر، وهو يعترف بأنه فى بداياته الأولى كان يصاحب شيخا ضريرا يحفظ الشعر (الهلس) ويصاحبه فى الأفراح وفى الغناء فى بعضها، ويقول له: إن صوته صوت مطرب. وأنيس منصور يعترف بكثير من أسراره فى مذكراته وأحاديثه الصحفية ومنها أنه فكر فى الانتحار مرتين: الأولى عقب حصوله على التوجيهية عام 1942 وكان ترتيبه الأولى، لكن والده كان مريضا وكذلك والدته، وأصيب بسبب ذلك بحالة شديدة من اليأس والإحباط فذهب إلى كوبرى طلخا ليلقى نفسه فى فرع النيل، ولكنه تراجع، أما المرة الثانية التى شرع فيها فى الانتحار فلم يشأ أن يتحدث عنها! دخل الصحافة بالمصادفة - كما قال - فلم يكن يقرأ حتى الجرائد كما لم يشارك فى أية مظاهرة سياسية، ولم تكن له علاقة بالأحزاب السياسية، وكان طموحه أن يعمل فى إحدى الهيئات الدولية، لكن الدكتور عبدالوهاب عزام عميد كلية الآداب فى ذلك الوقت نصحه بالعمل فى الصحافة، وعرض عليه صديق أن يكتب القصص فى الصفحة الأولى من صحيفة «الأساس» التى كان يصدرها الحزب السعدى وكان يشرف على هذه الصحفة وقتها موسى صبرى، وهكذا دخل الصحافة من باب الأدب، وظل يعتبر نفسه أديبا يعمل فى الصحافة، ويقول: أنا لست مخبرا صحفيا وأصنف نفسى أديبا يكتب فى الصحافة. دخل فى فلك العقاد، ثم طه حسين وعبدالرحمن بدوى ثم استقل بعد أن تبلورت شخصيته وتوصل إلى أسلوبه الخاص جدا فى الكتابة. تجاوز الثمانين ولكنه ظل يتمتع بشباب الفكر وحيوية العقل.. بل كانت لديه أحيانا روح الطفولة التى تندهش لكل جديد، وتبحث دائما عن الجديد، وتلفت نظرها التفاصيل والأحداث الصغيرة العابرة.. قارئ نهم قيل إنه أعظم قارئ.. تلميذ العقاد وروى الكثير عنه وعن الحياة الثقافية والاجتماعية فى مصر فى كتابه العظيم فى صالون العقاد كانت لنا أيام. له محبون كثيرون جدا.. جدا.. وله أيضا خصوم.. وهذا دليل على أنه كبير ومثير للجدل.. فى السياسة اختلف معه البعض ولكن اتفق الجميع معه فى آرائه فى الأدب والفلسفة.. شريط حياته طويل وأحداثه مزدحمة لا تكاد تصدق أن كل هذه الأحداث وقعت فى ثمان عاما فقط، أو أن إنسانا واحدا استطاع أن يقرأ كل هذه الكتب بالعربية والإنجليزية والإيطالية والألمانية التى يجيدها.. وإن إنسانا واحدا كتب هذه المقالات والقصص والمسرحيات والكتب.. لابد أنه لم تكن له فى الحياة إلا القراءة والكتابة، ولكنه يقول إن ذلك غير صحيح وأنه عاش حياته ككل الناس.. فيها الجد واللعب والحب والسفر، ولكنه يشعر بمعنى حياته حين يقرأ ويكتب فهذه أمتع لحظات حياته. *** النبش فى ذاكرة أنيس منصور ليس سهلا، لأنه قال الكثير عن حياته وأفكاره ومواقفه، ولكنه لم يقل كل شىء، فلديه أسرار وحكايات خصوصا عن علاقته مع السادات الذى كان يلازمه فى ساعة المشى فى حديقة البيت ويتبادل معه الأحاديث، كما كان يقوم بمهام خاصة لنقل رسائل إلى قادة وزعماء فى الخارج وخاصة إسرائيل من السادات يريد أن يبعث عنها عن غير الطرق الرسمية. خط حياته الظاهر يمثل خطا صاعدا بلا توقف، ترك وظيفة مدرس فى كلية الآداب قسم فلسفة ليعمل فى الصحافة، وبعد مقالاته عن رحلته حول العالم فى أخبار اليوم، ومقالاته عن تحضير الأرواح بالسلة، كما رآها فى الهند، أصبح اسمه على كل لسان، مناصب عديدة سعت إليه.. نائب رئيس تحرير الأخبار.. ثم رئيس تحرير مجلة أكتوبر التى أسسها واختار لها صفوة من الصحفيين لازال منهم عدد يحمل روح أنيس منصور، وبعدها استقر فى مكتب أنيق فى الأهرام كاتبا متفرغا ليكتب عموده «مواقف» وعموده فى صحيفة الشرق الأوسط السعودية التى تصدر فى لندن، ومقالات فى أخبار اليوم وفى أكتوبر.. وقبل رحيله كان عاكفا على إعداد ثلاثة كتب أعتقد أنه انتهى منها قبل أن يلزمه المرض بالذهاب إلى المستشفى فى الرعاية المركزة.. وأذكر أنه قبل ذلك بسنوات كان يجلس ساعات طويلة جدا لكتابة كتابين فى وقت طويل دون أن يشعر بالآلام التى بدأت تزداد فى ساقه.. وأخيرا تبين أنه أصيب بجلطة فى الساق، وعولج منها.. *** تختلف معه أو تتفق.. وهذا حقك، فلديه الكثير جدا من أسباب الاتفاق والاختلاف، ولكنك لن تختلف فى أنه كاتب عظيم تشعر بالاحترام لعقله وجهده وتجد لديه ما يجعلك تشعر بعظمة الفكر والمفكرين. كان الأول على القطر المصرى فى امتحان التوجيهية، والأول فى ليسانس الآداب قسم فلسفة مع مرتبة الشرف.. موقفه من عبدالناصر يتأرجح بين الاتفاق والاحترام.. فى عهده تعرض للفصل وأيضا حصل على جائزة الدولة التشجيعية وتسلمها من عبدالناصر فى عيد العلم.. له كتاب يهاجم فيه عبد الناصر بعنوان «عبدالناصر المفترى عليه والمفترى علينا» وعند وفاة عبدالناصر كتب يقول: إن عبدالناصر كان سياسيا فريدا ووطنيا نزيها، وإن وفاته أكثر من نكبة ومن نكسة لأنه كان واجهة شريفة ومشرفة لمصر وللعالم العربى، وكانت مصر قبله صغيرة وأصبحت كبيرة، وظل يعمل إ لى آخر قطرة فى دمه ونبضة فى قلبه، ولم يختلف أحد على أنه شخصية فريدة فى التاريخ الحديث، فقد نهض واقفا من الآهات ثم قام ورفع وعلا، وتحدى بنا ومعنا العالم كله.. هذا عن عبدالناصر.. أما عن السادات فكان يرى أنه من عظماء التاريخ، وأنه يملك موهبة القيادة والرؤية الصائبة دائما.. ولذلك ذهب معه فى رحلته الشهيرة إلى القدس، وقال فى حديث أخير إنه لا يهتم بما يقال من أنه من أنصار التطبيع مع إسرائيل، لأنه كان أول من بادر بعد نكسة 67 بتنظيم معرض للصور لرفع الروح المعنوية وطاف به أنحاء العالم العربى، وكتب كثيرا عن قدرة الشعب والجيش على استرداد الأرض وتحريرها. *** هو من أخلص أبناء محافظة الدقهلية.. ولد فى المنصورة وقال إن الدقهلية أكثر محافظات مصر حضارة وأثرا فى الثقافة المصرية والعربية ومن أبنائها على مبارك باشا الأب الأول للتعليم فى مصر، ولطفى السيد الأب الأول للفلسفة والفكر، والشيخ متولى الشعراوى، والشيخ جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق، ومنها أيضا سيدة الغناء العربى أم كلثوم، وسيد الملحنين رياض السنباطى، وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وسيدة المسرح سهير البابلى، وسيد الكوميديا عادل إمام، وسادة الضح: محمد صبحى، وأمين هنيدى، ويونس شلبى، والشعراء: كامل الشناوى، ومأمون الشناوى، وصالح جودت، وعلى محمود طه شاعر الجندول، وإبراهيم ناجى شاعر الأطلال، وحيرم الغمراوى، ومئات آخرون.. وكان حريصا على أن يشيد بالدقهلية وأبنائها من الكتاب والسياسيين مثل الدكتور محمد حسين هيكل، وأحمد حسن الزيات، والدكتور رشاد رشدى، ونعمان عاشور وسناء البيسى، وأول فيلسوف عبدالرحمن بدوى، ورائد الصحافة الحديثة محمد التابعى، والمثال العظيم محمود مختار وحتى العقاد الذى ولد فى أسوان كانت والدته من الدقهلية. أما رؤساء تحرير الصحف والصحفيون من الدقهلية فيذكر منهم عبد العزيز خميس، ومحمود التهامى، ومحفوظ الأنصارى، ومصطفى شردى، ووحيد غازى، وحسن شاه، وزعيم المعارضة الراحل إبراهيم شكرى، وعالم الفضاء الدكتور فاروق الباز، وساحر الكرة محمود الخطيب، والوزير الأسبق ممدوح البلتاجى، ورؤساء التليفزيون: حسين عنان، وتماضر توفيق، وهمت مصطفى.. و.. و.. هل رأيت من يعتز بمحافظته مثل أنيس منصور؟ ومع أنه عقلانى وواقعى إلا أنه كان عاطفيا بدرجة كبيرة وصل إلى الثمانين ومازال يتحدث عن حبه لأمه وأبيه وأخته غير الشقيقة وعيناه ينديهما الدمع.. خصوصا أخته من أبيه التى كانت تعيش مع جدها وكان هو يعيش مع أبويه، ويلتقيان معا ليجلس كل منهما ساعات إلى جانب الآخر دون كلمة، ثم تنصرف هى إلى بيت جدها وينصرف هو إلى بيت والديه، وماتت أخته فظل يذكرها ويبكى ويتساءل: لماذا لم يحتضنها ويقبل رأسها وكان يتمنى ذلك وهى أخته. ولماذا لم يتحدث معها؟ ولماذا لم يطلب من أمه أن تسمح له بالعيش معهم فى بيت واحد؟. علاقة غريبة ظلت ذكراها تطارده وتؤرقه وتؤلمه.. مع أن ذلك كان وهما طفلان.. وغريب أن تجده يتحدث كثيرا عن أخته هذه ويكتب عنها كثيرا فى ذكرياته ومذكراته على الرغم من مرور عشرات السنين! *** فى كتابه «عبدالناصر المفترى عليه والمفترى علينا» يقول: إنه نشره فى سلسلة مقالات فى مناسبة مرور 25 عاما على قرار الرئيس جمال عبدالناصر بفصله من عمله بسبب مقال نشره فى «أخبار اليوم» بعنوان «حمار الشيخ عبد السلام» وفى هذه المقالات أراد أن يقدم دراسة عن عصر عبدالناصر الإنسان، الحاكم الفرد، وعن الأثر الاجتماعى والنفسى والأدبى والفلسفى لعمليات التعذيب لعشرات الألوف، وقد وجد أن أكثر معانى الفلسفة الوجودية قد تفجرت فى داخله، ويقول كيف درست الفلسفة الوجودية وقمت بتدريسها فى الجامعة وصدر لى أول كتاب عنها سنة 1950 ثم لم أكن أدرى معانى القلق والموت والحرية، ومعانى العدم والانعدام، وكل ذلك عرفته والفضل للرئيس جمال عبدالناصر، ودراويش الرئيس جمال عبدالناصر قد صوروه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى- قالها د.محمود فوزى- فهو المعصوم من الخطأ، أما انكساراته وعثراته فخطوات على الطريق الصحيح، فالنصر خطوة كبيرة إلى الأمام والهزيمة نكسة إلى الأمام، فهو منتصر دائما حتى عندما انتصر الجيش المصرى فى سنة 1973 كان هو الذى وضع الخطة، فكان انتصارا عسكريا وهزيمة سياسية أى أنه الذى مات انتصر عسكريا، والسادات الذى لم يمت انهزم سياسيا، فعبد الناصر إذا حضر انتكس، وإذا غاب انتصر، وإذا حضر انتصر قليلا، وإذا غاب انتصر كثيرا، وهذه التراتيل الكهنوتية التى يرددها مشايخ الطرق الناصرية استفزازية وتجاهل لويلات ملايين المصريين والعرب. فى هذا الكتاب يثأر منصور لنفسه من عبدالناصر الذى فصله بسبب مقال، فيقول: عبدالناصر كان يريد أن يكون ماركسيا ولم يستطع، واحتقاره الظاهر بكل ما هو عربى ولكل رئيس على دولة عربية، وقضايا اليمن دخولا وخروجا ومائة ألف شهيد وعشرات البلايين من الجنيهات ذهبا، والوحدة ثم الانفصال، والهزيمة العسكرية، وكانت الهزيمة العسكرية هى النهاية! ويكشف محاولة اغتياله، وفى مؤتمر صحفى للرئيس حسنى مبارك قال له: يا أنيس أرجوك، فى عرضك، كفاية المقالات عن عبدالناصر، فهى تسبب لى صداعا، كفى، فكل رئيس له أخطاؤه، كفى، وكان رده: حاضر يا ريس.. ولكنى انتهيت منها، وبدأت سلسلة أخرى ثم عاد مبارك يقول: للأمانة، أنا كلمت أنيس فى بيته مرتين، وتناقشنا، ولكنه لم يستجب، والكتاب بعد ذلك ملىء بالهجوم- وليس النقد- على عبد الناصر شخصيا وعلى جميع أعماله. *** أما السادات فله صفحات أخرى فى كتاب بعنوان «من أوراق السادات» يضم مقالات نشرها فى مجلة «أكتوبر» وهو رئيس تحريرها أراد بها إنصاف الرئيس السادات وإنجازاته العظيمة لبلاده، طرد الخبراء السوفيت، وتصفية مراكز القوى الناصرية، والانتصار فى حرب أكتوبر، وفتح قناة السويس، والأحزاب، ومعاش السادات، والتأمينات الاجتماعية، وانسحاب إسرائيل والسلام معها، والانفتاح الاقتصادى، وحرية الصحافة، وقطع رجل زائر الفجر، ثم يروى ما حدث يوم 27 ديسمبر 1961 يوم أبلغ بقرار وقفه عن العمل بسبب صورة حمار فى مقال له عن الطاغية نيرون، وقيل له: لا علاقة للحمار وما جاء فى المقال، ولكن لابد أنك قصدت شيئا يفهمه القارئ، ولكن السبب الحقيقى أنه كتب مقالا بعنوان «حمار الشيخ عبد السلام» فيه غمز ولمز وإيماءات وإسقاطات واضحة، وفى يوم رأس السنة الميلادية صدر قرار بفصل أنيس منصور مع جلال الدين الحمامصى، بعدها قال له حسن جلال العروسى مدير مكتب مؤسسة فرانكلين التى نشر أنيس منصور فيها عددا من الكتب: لا تؤاخذنى لا أستطيع أن أتعامل معك أنا رجل أعمال مدير مؤسسة أمريكية ولا أريد مشاكل مع الحكومة، فأرجو إنهاء كل ما بيننا، وقال له مدير الإذاعة المصرية عبدالحميد الحديدى، لا أستطيع الآن أن أذيع لك شيئا.. لا مقالات.. ولا قصصا.. اعذرنى.. وكما انتهى عمله فى الصحافة انتهى فى نفس الوقت فى الجامعة.. وبعد سنوات تغيرت الأحوال ونشر سلسلة مقالاته فى كتاب «عبدالناصر المفترى عليه والمفترى علينا» قال فيه كل ما فى نفسه! *** أما فى كتابه «أوراق السادات» الذى نشرته دار المعارف مؤخرا فقال: إن أهم الصفات التى يتحلى بها الرئيس السادات فهى: ذاكرة قوية، وإحساس بالتاريخ وبدروه هو فى التاريخ وينام بعمق.. وفى هذه السلسلة كان الرئيس السادات يملى وأنيس منصور ينقح العبارات ويستوثق من الوقائع والتواريخ، ولم يلجأ السادات إلى ورقة أو كتاب ينقل منه بعض ذكرياته. وأمضى أنيس منصور سنوات استغرقه فيها العمل فى «مجلة أكتوبر» الوليدة ومجلة أخرى وليدة هى «وادى النيل» وما يكلفه به الرئيس السادات من مهام متعددة، ولم يكن مرتبه فى ذلك الوقت يزيد على 416 جنيها شهريا، بينما يوافق على علاوات لمن هم دونه تصل إلى ما يعادل مرتبه مرة ومرتين وزيادة، ولم ينتبه إلى حقه فى أن يتقاضى علاوة سنوية، وقد كان نائبه يتقاضى ثلاثة أضعاف مرتبه وبعد عشرين عاما سأل سكرتيره: لماذا لم تنبهنى إلى زيادة مرتبى أو تعديله، فكان جوابه عجيبا: لقد ظننا أن سيادتك لا تريد فلوسا! وكانت نشأة «مجلة أكتوبر» بقرار من الرئيس السادات وقد نشر أنيس منصور فى مقدمة كتابه «أوراق السادات» صورة للسادت معه وهو يراجع بروفات الأعداد التجريبية الأولى، وكذلك نشر صورة لورقة بخط السادات بعد مراجعته للمجلة كتب فيها: عزيزى أنيس: لقد راجعتها وأجريت التصحيحات اللازمة مع استخدام أسلوبنا الصحفى فى أول السطر وغيره، ولكننى أريدك أن تراجعها بنفسك، فقد تكون هناك مواقف تحتاج لإبرازها إلى استعمال الفن الصحفى، ولا أدعى اليوم أننى صحفى، مع تحياتى.. توقيع: أنور السادات. إن علاقة أنيس منصور بالرئيس السادات تحتاج إلى حديث طويل. *** ومالا يعرفه كثيرون ما أعلنه أنيس منصور أخيرا من أنه انضم للإخوان فى بداية حياته، وصار أمين مكتبة فى مركز إمبابة، و كان يذهب ليؤم المصلين فى المساجد ويخطب فيهم يوم الجمعة، ولكن فى سنة 1946 اكتشف عدد من الإخوان أنه وبعض زملائه فى الجامعة يتناقشون فى أمور ليست دينية لكنها موضوعات فى الفلسفة الوجودية والماركسية، فأبلغوا مكتب المرشد فجاء قراره بفصله هو وزملائه من الجماعة.. ويعلق على ذلك بقوله: قد يكون للإخوان فكر، ولكن لهم سوابق عديدة فى العنف تجعلنا غير قادرين على تبنى فكرهم أو الدفاع عنهم. *** حياة طويلة.. ومشوار طويل.. الحديث عنه يحتاج إلى سلسلة مقالات وليس مقالا واحدا.. وهكذا عظماء الرجال يختلف الناس عليهم وعلى أفكارهم، ولكنهم يتفقون على أنهم عظماء. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: الأستاذ يكتب عن.. «أجمل بنات أفكاره» أسرار وراء صدور العدد الأول من مجلة أكتوبر الخميس 03 نوفمبر 2011, 4:02 am | |
|
الأستاذ يكتب عن.. «أجمل بنات أفكاره» أسرار وراء صدور العدد الأول من مجلة أكتوبر | | | | |
بعد أن استعرض الرئيس السادات كل المجلات المصرية والعربية بعين الصحفى القديم وبمنطق السياسى الكبير - كلفنى بأن أصدر مجلة جديدة اسمها 6 أكتوبر.. وأسعدنى الرئيس السادات بأن اختارنى وتوجنى بهذه المهمة الصعبة جدًا. فليس من السهل إصدار مجلة جديدة فى مصر ولا فى غيرها من البلاد العربية. فالسوق مليئة بكل أنواع المجلات السياسية والاجتماعية والمصورة والعلمية. وإصدار مجلة جديدة فى مصر، معناه أنها سوف تكون الأولى فى عشرين عامًا. فلم تصدر فى هذه الفترة مجلة كبيرة لأى سبب ومن أية جهة. وأنا أعرف صعوبة أن يكون الإنسان رئيسًا لتحرير مجلة تحتاج إلى تطوير. أما إنشاء مجلة جديدة الشكل والمضمون فهذه هى قمة الصعوبة.. وقد كنت رئيسًا لتحرير مجلة الجيل ورئيسًا لتحرير مجلة هى مع المرحوم على أمين ثم رئيسًا لتحرير آخر ساعة..وقد أدرك الرئيس السادات بسرعة صعوبة هذه المهمة فوعد بأن يساعدنى، وأنه عندما يجد الوقت فسوف يقترح أبوابًا وموضوعات. لأنه حريص على أن تنجح مجلة 6 أكتوبر.. وصدر القرار الجمهورى بأن أكون رئيسًا لتحرير مجلة 6 أكتوبر ورئيسًا لمجلس إدارة دار المعارف.. كبرى دور النشر فى العالم العربى وأكثرهم احترامًا.. وفى دار المعارف لم أجد مكانًا لهيئة تحرير المجلة. وهنا برزت الروح الطيبة للعاملين فى دار المعارف.. وأفسحوا لنا غرفة وراء غرفة.. حتى أعطونا طابقًا واثنين.. وكان لابد أن يأتى المحررون من كل المؤسسات الصحفية الأخرى. من كانوا تلامذتى فى الجامعة.. ومن كانوا أصدقائى وزملائى.. واحدًا وراء واحد حتى أصبحنا ثمانين محررًا وسكرتيرًا فنيًا ومصورًا ومراجعًا ومصححًا وفنيين فى المطابع.. لقد تكونت أسرة 6 أكتوبر وسط خوف وفزع من التجربة الجديدة.. وتحت وابل من الشائعات تطلقها بعض المؤسسات الصحفية. وكلها تؤكد أن هذه المجلة قد ولدت لتموت - مع أنها لم تكن قد ولدت.. وأن عددًا واحدًا سوف يصدر.. وسوف يعود المحررون والمصورون جميعًا إلى المؤسسات التى جاءوا منها.. وأننا سوف نندم على أننا أصدرنا هذه المجلة الجديدة من مكان آخر - أى مكان آخر غير هذه المؤسسات الأخرى. وكانت نظرة شامتة - كأننا دار أجنبية تصدر مجلة معادية لمصر. وليست مؤسسة مصرية تصدر مجلة قومية.. والذين أحسنوا الظن قالوا: إنها الغيرة الصحفية والحقد الشخصى.. والذين أساءوا الظن قالوا: إن الذين احتكروا النجاح يومًا لا يريدونه لأحد آخر.. مع أن هذا الأحد الآخر.. ليس شخصًا ولكن عشرات من الشبان الذين لهم الحق فى أن يساهموا فى كل ما هو جديد فى مصر ومن أجلها. وفى مبنى دار المعارف بدأنا نتجمع واحدًا وراء واحد. وكانوا سعداء، وكنت أقلهم سعادة وأكثرهم حيرة.. وبدأ العاملون فى دار المعارف يشكون - وبمنتهى الرقة والأدب - من أننا قد أحدثنا نوعًا من الفوضى. فنحن نسهر حتى ساعة متأخرة من الليل. وقد اعتادوا أن يغلقوا أبواب الإدارة فى الثانية بعد الظهر. ومع الأبواب: المصابيح والمصاعد والحنفيات. ولم يعتادوا على الضوضاء والسهر وعلى الكلام بصوت مرتفع وعلى الضحك الصارخ أو الراديوهات التى تدوى فى بعض الغرف.. وعلى أن ينام المحررون على مكاتبهم.. ولكننا جميعًا اعتدنا على هذا الأسلوب المختلف.. حتى تعايشنا. ولم يكن ذلك هو الفضل الوحيد للعاملين فى دار المعارف. ولكن لهم فضل الصبر علينا والتعاون معنا، والتشجيع المستمر حتى نجحنا معًا.. والحمد لله.. ولكنى حائر فى شكل المجلة وحجمها ولونها وتبويبها وقلبت فى جميع المجلات التى تصدر باللغات الأوروبية، وكانت لى علاقة قديمة بقراءة المجلات الإيطالية وبعدد من محرريها وكتابها وخصوصًا مجلات الأوبروبيو التى عرفت من كتابها الأديب الكبير البرتومورافيا الذى قدمته إلى القارئ العربى منذ خمسة وعشرين عامًا. وترجمت له عشرات القصص القصيرة.. ثم إنه أصبح صديقى هو وزوجتاه الأولى والثانية.. وكنت أعرف الكاتبة الإيطالية البادى شيدس المحررة الأولى فى مجلة «أبوكا».. وقلبت فى بقية المجلات الإيطالية.. وحارت عينى وعقلى فى صحفات المجلات الألمانية شترن وكويك ويونته ويوردا. وفى المجلات الفرنسية: لووان وبارى ماتش.. ونشرنا هذه المجلات بالعشرات أمام أعيننا.. وتوقفت أيدينا عند تبويبها وموضوعاتها وألوانها وصورها وأغلفتها.. وكذلك المجلات العربية وكان لابد أن نخرج بتصور واحد من كل هذه الأنواع - أى من كل تجارب الشعوب الأخرى واجتهاداتها فى أن تكون مجلتنا الجديدة ذات طابع خاص. وفى نفس الوقت ليس شاذًا عن الذوق العام للمجلات الأسبوعية. *** وتنوعت أشكال وأحجام كلمة «6 أكتوبر» فى أيدينا. ثم اخترنا شكلًا للاسم من بين عشرات الأشكال والألوان والأحجام. وجاءت خطابات من البلاد العربية تعيب علينا أن نسمى هذه المجلة «6 أكتوبر» دون أن نسميها «10 رمضان» ووجدناها فرصة لكى نسميها «6أكتوبر - 10 رمضان» وبحثنا نوع الورق وحجمه. وبحثنا فى حجم الحروف ونوعها.. واخترنا نوعًا منها ثم عدلنا عنه وغيرناه فى الأعداد التجريبية.. ولم يكن لهذه المجلة: مكتبة ولا أرشيف للموضوعات ولا أرشيف ذاكرة. لأنه ليس لها تاريخ فما تزال جنينًا فى علم الغيب. وكان لابد أن أستغل سماحة الرئيس السادات وتشجيعه. فذهبت إليه وعرضت عليه تجاربنا الأولى. عشرين عددًا كتبناها وصورناها قبل أن يصدر من المجلة عدد واحد. وأبدى الرئيس السادات ملاحظات نافذة على صفحات المجلة. وقدّم أبوابًا. ولم يفته أن يقول كلمة لتشجيعى وزملائى. قال: لست متعجلا، الوقت لا يهم. خذ وقتك. المهم أن تنجح وأن تستمر.. وكان ذلك زادًا لنا فى فى هذه الرحلة الشاقة.. إذن فليس من الممكن أن تنجح المجلة من أول عدد - وإن كان هذا هو ما حدث - ولكن يجب أن نصبر على أعدادها الأولى واحدًا بعد واحد. وأن نتلقى ملاحظات القراء والصحفيين المحترفين وأن نجمع هذه الملاحظات وأن ندرسها وأن نعدل مسار المجلة أولًا بأول. وذهبت إلى السيد ممدوح سالم رئيس الوزراء، وليس بين الذين عرفتهم فى حياتى رجل يعطيك الأمل فإذا أنت تطير.. وليس بين الناس واحد يخفف عنك مصائب الدينا ويهونها عليك مثل هذا الرجل. ومن خلال كلماته الرقيقة وأخوته وصداقته يبدى الملحوظة والنصحية.. وهو لذلك يستحق عظيم الشكر وعميق الامتنان. وعرضت النتائج النهائية لشكل المجلة واسمها ونوع الخط والأبواب على الرئيس السادات واختار صورتها الأخيرة وهو يؤكد أنه ليس متعجلًا مطلقًا إنما المهم أن تنجح وأن تستمر.. *** وفى مؤتمر صحفى فى فيينا سأله أحد الصحفيين المصريين متى تصدر مجلة 6 أكتوبر؟ وكان السؤال مفاجأة لى، وكان رد الرئيس السادات قبل أكتوبر القادم إن شاء الله. إذن فقد تحدد الموعد نهائيًا.. وعلينا أن نوفر الورق والمطبعة وآلات جمع الحروف. ولم يكن عندنا من ذلك كله شىء.. أما آلة جمع الحروف التصويرى فقد استعنا بمؤسسة الأهرام.. ولولا زملاؤنا عمال الأهرام، ولولا صداقة الأستاذ يوسف السباعى لوجدنا صعوبة هائلة فى إصدارها فى موعدها. فقد رأى الأستاذ يوسف السباعى أن إصدار مجلة مث---ل «6 أكتوبر»: واجب قومى. وبهذه الروح الصادقة، تلاشت صعوبات كثيرة أمامنا.. وساعدنا الأهرام أيضًا فى توزيع المجلة. وساعدنا أيضًا فى الإعلانات، وسوف نعتمد على آلات الجمع عندنا ابتداء من الشهر القادم وسوف يكون لنا إلى جانب إعلانات الأهرام إدارة إعلانات خاصة بنا.. وإدارة توزيع أيضًا.. وهنا نشعر تمامًا أننا نمشى على أرجلنا.. ونطير بأجنحتنا. وقد ساعدنا المهندس مشهور أحمد مشهور عندما قدم آلة للطباعة هى أحدث ما اخترع العقل الإنسانى. وقدمها بنفس راضية وسماحة تامة.. وقد أدت هذه المطبعة إلى تخفيف أعبائنا.. وهو لذلك يستحق منا كل تقدير وكل عرفان بالجميل.. ثم زودنا المجلة بمطبعة ثانية وثالثة.. واختار الرئيس السادات أن يكون لمجلة «6أكتوبر - 10 رمضان» اسم نهائى هو مجلة «أكتوبر». وعقب مؤتمر صحفى فى مدينة الرياض استدعانى الرئيس السادات.. وأخرج من تحت المخدة فى غرفته ورقة مكتوبًا عليها: عدد من الأبواب التى يرى إدخالها فى المجلة. وعاد مرة أخرى يقول: إنها مهمة شاقة. أعرف ذلك. لكن يجب أن تنجح وسوف أساعدك. *** وكانت أكبر وأعظم مساعدة لنا هى أن الرئيس السادات قد خصنا «بأوراقه» التى نشرها بمنتهى الاعتزاز منذ العدد الأول. وأصبحت هذه الأوراق أهم معالم مجلة «أكتوبر». ففى هذ الأوراق يتحدث الرئيس السادات عن أخطر الإنجازات فى حياته السياسية، وفى حياة مصر والأمة العربية والسياسة الدولية. وقد جعل عنوان هذه الأوراق « الجليد يذوب بين موسكو والقاهرة».. وقد رأى الرئيس السادات أن ينشر الحقيقة كاملة.. وينتظر أن يراجعه أحد فى واقعة واحدة. فلم يفعل ذلك أحد. فقد آمن الرئيس السادات بأنه من الأفضل أن يعلن أسرار سياسته بنفسه.. فقد كثرت المذكرات والذكريات الكاذبة فى الصحف العربية.. وقد أطلق الرئيس السادات على أكثر هذه المذكرات أنها اتخذت معناها من أغنية فريد الأطرش التى تقول: « ما قال لى وقلت له».. أى أن هذه المذكرات تدور فى الغالب بين شخصين فى جلسة خاصة. أحد هذين الشخصين قد مات - فأين الحقيقية وأين الخيال؟! ثم إن الرئيس السادات قد توجه بتجاربه الخطيرة فى السياسة إلى شباب مصر وشباب الأمة العربية حتى لا يضلوا فى متاهات السياسة. ثم إن الرئيس السادات نفسه كان شابًا وكان غاضبًا وكان ثائرًا. وعرف السجون والمعتقلات. ونام فى الظلام على البلاط.. وعرف الجوع وعرف البطالة.. وعرف الضياع. لولا أن عصمه الله ولولا أن شاءت إدارة الله أن تدخره لمصر.. ليشارك فى ثورتها.. ثم يثور على ثورتها. والرئيس السادات فى كل ما كتب وسوف يكتب لم يرفع عينه عن مصر. فمن أجلها هان عليه كل شىء.. بل الهوان من أجل مصر عزة وكرامة، والجوع فى سبيلها شبع. والقيود فى حبها حرية مطلقة.. وهو يقول للشباب: (اصبروا وصابروا وثابروا.. فمن كان يصدق أن شابًا مثلى فى سنة 1950 ليس فى جيبه إلا أربعون قرشًا وبلا عمل. سيكون رئيسًا لجمهورية مصر.. إن هذا ممكن لأى أحد.. ولكن بشرط أن يكون قويمًا وأن يكون مخلصًا وأن يكون على استعداد للتضحية.. لأنه لا يصح إلا الصحيح!). ولم يكتف الرئيس السادات بأن خصنا بهذه (الأوراق) بل سمح أيضًا بنشرها فى البلاد العربية.. فنشرتها معنا فى نفس الوقت صحيفة (الرياض) السعودية.. ونشرتها صحيفة (السياسة) الكويتية.. ونشرتها الصحف اليوغسلافية فرفعت توزيعها بعشرات الآلوف. ونشرتها الصحف الصينية.. ثم عادت فنشرتها فى كتاب.. وطلبت ست دور نشر ألمانية وإيطالية أن تترجمها إلى اللغات الأوروبية وكان ذلك ممكنًا، وسعدنا، لولا أن هناك عقودًا بين الرئيس السادات ودور نشر أمريكية على نشر كتابه الذى ألفه عن حياته بعنوان (البحث عن الذات) باللغة الإنجليزية. ولكن سوف تنشر الأوراق فى مجلدات باللغة العربية.. وأكثر من ذلك أن الرئيس السادات كان حريصًا على قراءة هذه الأوراق وتصحيحها بقلمه.. وإبداء الملاحظات على حجم الحروف وعلى أوائل السطور.. وموضع العناوين الفرعية. فكان بذلك، وبرغم أعبائه الهائلة، نموذجًا للكاتب القلق على عمله والمتفانى فيه أيضًا. والذين شاهدوا الرئيس السادات فى أحاديثه الممتعة فى التليفزيون يرونه فى كامل لياقته النفسية والعقلية.. فهو صاحب ذاكرة غير طبيعية.. وهو يعرف التواريخ والأيام والأرقام. قال لى ممدوح سالم: كنت أتصور أننى صاحب ذاكرة قوية جدًا، حتى عرفت الرئيس السادات عن قرب فوجدت أن ذاكرته أقوى بمراحل. وفى أحاديث الرئيس السادات أيضًا لديه هذه القدرة الهائلة على أن يكون لحديثه (سياق) متين - فهو يجيب عن السؤال بتوسع. ويدخل فى تفاصيل كثيرة جدًا، ثم بسرعة يعود إلى النقطة التى بدأ منها هذا السرد.. ثم يربط الحديث من أوله لآخره.. مهما طال بالساعات، فى خيط متين.. وفى أحاديثه المسجلة يستطيع أن يتذكر تمامًا من عشرين عامًا. كيف كان يجلس فلان وأين كان يجلس فلان وما الذى كان يرتديه.. ولون بشرته.. وحركة عينيه وبحة صوته بمنتهى الدقة! أذكر أن الرئيس السادات عندما كان يروى مقدمات ثورة يوليو.. أشار إلى واقعة غربية.. أن جمال سالم قد جاءه فى المطار واقترب منه وأبلغه رسالة.. ثم ذهب إلى السيد حسن إبراهيم، وقال له شيئًا. ولكن الرئيس السادات لم يعرف ما الذى قاله لحسن إبراهيم فلا جمال سالم أخبره، ولا حسن إبراهيم أخبره، ولا هو تذكر أن يسأل أحدهما. ولكن بعد 25 عامًا تمامًا تذكر الرئيس السادات هذه الواقعة، ثم طلب منى أن أسأل السيد حسن إبراهيم عن الذى قاله له جمال سالم فى ذلك اليوم. ولكن السيد حسن إبراهيم أدهشه جدًا أن الرئيس السادات مازال يذكر ذلك. رغم ملايين الأحداث التى وقعت فى مصر وفى العالم! ولما قلت للرئيس السادات: إن السيد حسن إبراهيم لا يتذكر شيئًا من ذلك مطلقًا. كان تعليق الرئيس السادات: غريبة! أى غريبة جدًا أن السيد حسن إبراهيم لا يذكر ذلك الذى حدث لمدة نصف دقيقة من ربع قرن؟! ولما علم الرئيس السادات بحملات التشكيك فى إصدار هذه المجلة. أو بتعقيد الأمور أمام محرريها الشبان، بعث بكلمة مسجلة إلى محررى مجلة أكتوبر. وجمعت المحررين جميعًا وأسمعتهم تحية الرئيس السادات لهم.. ثم إن هذه الكلمة التى نعيد نشرها فى الصفحة الأولى لهذه المجلة. قد نشرتها الصحف فى صفحاتها الأولى فى يوم صدور العدد الأول من مجلة أكتوبر يوم 31 أكتوبر 1976.. وجاءت هذه التحية التى كانت موجهة إلينا. وإلى كل المؤسسات الصحفية من ورائنا. فى مقدمة نشرات الإذاعة والتليفزيون. فلم يكن المقصود مجلة أكتوبر. إنما كل الصحف والصحفيين وضمير الصحافة المصرية، أو السلطة الرابعة فى مصر. *** وكان يزورنى أحد الوزراء السودانيين وقد أقمت له حفلة شاى فى مكتبى، عندما دق جرس التليفون، وكان المتحدث الرئيس السادات يتوجه بالتهنئة لجميع العاملين فى مجلة أكتوبر على العدد الرائع من المجلة الذى صدر يوم 15 مايو - عن ثورة التصحيح.. والذى كتب فيه الرئيس السادات بخط يده اليوم الكبير من ثورة التصحيح. وأتمنى لو أذن لى الرئيس السادات أن أعرض ما كتبه وما صححه فى كل سطر وكل صفحة من هذه الأوراق. والخطوط التى وضعها تحت الكلمات، والإشارة إلى إبراز العبارات والمعانى - أتمنى لو يأذن لنا فنعرض هذه الأوراق على طلبة الصحافة ليروا مدى دقته وحرصه على كل كلمة يقولها.. وكيف أنه نسى أنه رئيس جمهورية. وتذكر أنه صحفى وكاتب ومؤرخ، وأن أمانته العلمية اقتضته أن يتابع بالاهتمام الشديد كل كلمة كتبها - منتهى الأمانة التاريخية والثقافية فى العمل والصبر على هذه المشقة مع أعبائه الكثيرة العنيفة.. ودهش الوزير السودانى بهذا الاهتمام من رئيس الجمهورية، ولهذا التشجيع العظيم لهذا المشروع الجديد. فقد شجعنا الرئيس السادات كثيرًا، وخصنا بأشجع وأجرأ مذكرات سياسية فى العصر الحديث. ولكنه لم يكتف بهذا.. بل ذهب إلى تشجيع المحررين بنفسه وبصوته. وكل سنة وأنتم طيبون يا قراء أكتوبر فى مصر وفى العالم العربى. نشرت هذه المقالة فى العدد 1567 بتاريخ الأحد 5 نوفمبر 2006. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: ويظل أنيس محلقا.. فى القلوب والعقول الخميس 03 نوفمبر 2011, 5:15 am | |
|
ويظل أنيس محلقا.. فى القلوب والعقول | | | | |
**وجفت الأقلام.. وأدمعت الأوراق.. وضاعت الفكرة.. وبقيت الذكرى.. لقد صعد أنيس منصور محلقا بإبداعاته ليلقى رب العالمين واهب الإنسان، والجميع فى مثل هذه الحالات يقول: الحمد لله على نعمة النسيان.. لكن هذا الرائع بعيد عن النسيان.. فقد ترك أكثر من 200 ابن وابنة يحملون اسمه.. ولم يحدد النسل فى خلق المقالات والأفكار والفلسفة والحوار والبحث عن الحقيقة..ومن حقيقة إلى حقيقة هناك حقيقة غريقة يبحث عنها أنيس.. المعدن النفيس. **وأنيس اسم على مسمى.. فهو أنيس لكل من يقرأه ولمن يستمع إليه.. فعندما يتكلم تتمتع الآذان بهذا الفيض وهذا الأسلوب وهذه القدرة على تبسيط المعلومات.. فهو أكبر قارئ فى العالم العربى، وهو برغم أنه قضى فى صالون العقاد أياماً.. فإنه لم يكن ناشف الأسلوب صاحب القاموس الصعب.. فهو اخترع أسلوبا لا يستطيع كائن من كان أن يقلده.. يتميز برشاقة وسهولة يعطيك أعوص المعلومات والأفكار فى أبسط جمل.. فجمله ترقص على الأوراق.. وهو دائما يترك الرأى لقارئه، ولا يفرض عليه الرأى.. فهو صاحب أكبر ديمقراطية فى الكتابة.. وهو كاتب الشباب حتى آخر طلقة فى قلمه.. فقد عاش بروح الشباب وقلب الشباب وعقل الشباب، ولم ينفصل عنهم فى يوم من الأيام.. وكذلك كان لكل القراء فى جميع الأعمار.. فيجدون فى كتاباته تجديدا لشبابهم وتجديدا لمعارفهم فى أيسر كلمات وجمل. فإذا قرأت عنده أول سطر سيطرت عليك باقى سطوره فى عمود أو مقال أو كتاب.. فهو يكتب مثلما يتكلم وكلماته تأخذ بالألباب. **وأحمد الله أننى كنت من تلاميذه ومحبيه تعرفت عليه فى الستينات فى البن البرازيلى بشارع طلعت حرب أمام سينما مترو.. وكنت بادئا عملى الصحفى بجريدة الجمهورية وطالبا بالجامعة.. فوجدت فيه شموخ الكاتب والمفكر الواثق بنفسه وتواضع العلماء. فهو بقراءاته عالم فى كثير من العلوم والمعارف.. فقد قرأ بعمق فى كل شىء وأى شىء. **ويبقى أنيس محلقا بما ترك من كتابات ومعارف.. فهو أيضا من ظرفاء أو آخر ظرفاء العصور التى عاشها فكان سريع البديهة.. صاحب قفشات وحتى قفشاته لها مدلول ولها معنى.. فقد قمت أنا ومدرب السباحة عبد الباقى بتعليمه السباحة ولكنه لا يريد أن ينظم نفسه، وسخر منا أننا لم نستطع أن نعلمه.. وكتب أكثر من موقف من مواقفه.. فاتفقت مع عبد الباقى أن نذهب إليه بطشت مملوء بالماء فقال لنا: انتما من تغرقان فى شبر مية! وفى يوم قلت له: لقد عين الأستاذ الزميل إبراهيم سعدة رئيس تحرير أخبار اليوم وإبراهيم نافع رئيسا للأهرام وموسى صبرى رئيسا للأخبار. فابتسم وقال: صحف إبراهيم وموسى.. وكان رفيقا للكاتب الكبير كامل الشناوى، وكان أنيس يملك سيارة صغيرة.. كامل يأخذه كل ليلة فىطريق مصر إسكندرية ولا يعودان إلا مع أول ضوء.. لأن كامل الشناوى كان يعتقد أن عزرائيل يأتى بالليل.. وبعد رحيل كامل كتب أنيس: كان يخشى من أن يأتيه عزرائيل بالليل فخدعه وجاءه بالظهر! ولضيق المساحة لا أستطيع سرد هذه الطرائف فهى تحتاج إلى كتب.. ويظل أنيس يحلق فى قلوب قرائه وعقولهم فقد ترك بصمات لا يمحوها الزمن. ضربة قاضية ويبقى أنيس نورا لأجيال وأجيال.. وحتى آخر الزمان والمكان. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: معه فى «أكتوبر».. كانت لنا أيام أنيـس منصـور.. المؤسـس الخميس 03 نوفمبر 2011, 5:18 am | |
|
معه فى «أكتوبر».. كانت لنا أيام أنيـس منصـور.. المؤسـس | | | | |
رغم أنى من مدرسة جلال الدين الحمامصى الصحفية بحكم استاذيته لى فى قسم الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة والتى تخرجت فيها ضمن خريجى الدفعة الأولى عام 1975، ورغم أنى وزملاء هذه الدفعة ندين بالفضل لهذا الأستاذ العظيم الذى تعلمنا منه الصحافة.. حرفة ومهنة وحرية وكرامة.. ماجعلنا نتيه فخراً واعتزازاً وثقة بالنفس منذ أولى خطواتنا فى بلاط صاحبة الجلالة.. وحتى الآن. .. إلا أن انتقالى من جريدة الأخبار التى بدأت فيها مسيرة احترافى للمهنة إلى مجلة أكتوبر.. كان التحاقا بمدرسة صحفية جديدة.. افتتحها وأسسها الأستاذ الكبير أنيس منصور، ووجدتنى أجمع بين مدرستين متميزتين فى الصحافة المصرية. ولأن أنيس منصور كان نجما ساطعاً متألقاً فى مدرسة ومؤسسة أخبار اليوم التى أسسها جلال الدين الحمامصى مع الأخوين مصطفى وعلى أمين، ولأن كبار الصحفيين من الجيل السابق انتقلوا من أخبار اليوم إلى أكتوبر، فقد بدت المجلة ومنذ البداية فرعا من تلك المؤسسة والمدرسة الصحفية العريقة، وإن تميزت «أكتوبر» بخصوصيتها التى استمدتها من شخص وشخصية مؤسسها أنيس منصور. *** لم أكن قد عرفت أنيس منصور عن قرب قبل انتقالى إلى «أكتوبر» للعمل معه وتحت رئاسته بترشيح وتزكية من الأستاذة مريم روبين أهم وأكبر صحفية متخصصة فى الشئون العربية والنجمة الساطعة فى أخبار اليوم والتى عملت تحت رئاستها محرراً للشئون العربية فى «الأخبار» بترشيح وتزكية من أستاذى جلال الدين الحمامصى.. رئيس التحرير فى ذلك الوقت. ومع أن الكثيرين من زملائى الصحفيين اعترضوا على قرارى بالانتقال من جريدة الأخبار ومؤسسة أخبار اليوم باعتبارها مؤسسة صحفية عريقة ومستقرة إلى «أكتوبر» المجلة الناشئة الجديدة.. باعتبار هذا الانتقال ذهابا إلى المجهول، إلا أننى كنت سعيداً بهذا الانتقال.. ساعيا إلى هذه النقلة.. رهانا على نجاح هذه التجربة الجديدة بضمان مؤسسها أنيس منصور.. وسعادة غامرة لا توصف بالعمل مع هذا العملاق. *** ولدت مجلة أكتوبر عملاقا صحفيا منذ العدد الأول، وخسر كبار الصحفيين رهانهم على فشل التجربة بينما ربح أنيس منصور رهانه على نجاحها. بل على تميزها حتى صارت وظلت وفى سنواتها الأولى الزاهرة المجلة العربية الأولى، ومازلنا نحن المؤسسين معه نتذكر انتظار المراسلين العرب والأجانب خروج المجلة من المطبعة لكى ينقلوا عنها انفراداتها الإخبارية والسياسية التى ينفرد بها أنيس منصور. وإذا كان أنيس منصور هو المؤسس وصاحب التجربة وله الفضل الأول بل الأوحد فى نجاحها الباهر، فإنه وللتاريخ كان الرئيس الراحل أنور السادات هو صاحب الفكرة وصاحب قرار إصدار المجلة وإسناد مهمة تأسيسها ورئاسة تحريرها للأستاذ أنيس، وهو أيضاً من قدّم لها كل الدعم المادى والمعنوى.. حرصاً على نجاحها ولتكون كما أوضح فى قرار إصدارها.. تخليداً وتمجيداً لحرب أكتوبر المجيدة والنصر العظيم.. وقد كانت. هذه الحقيقة هى ما حرص الأستاذ أنيس منصور على تأكيدها حين دعانا الرئيس السادات.. نحن أسرة مجلة أكتوبر وقد كان أغلب صحفييها من الشباب إلى لقاء معه فى بيته الريفى بقرية ميت أبوالكوم فى أواخر شهر أبريل من عام 1981.. فقد قدمنا إلى السادات قائلاً: «هؤلاء هم أحفادك يا سيادة الرئيس، فهم أبناء إحدى بنات أفكارك.. مجلة «أكتوبر». ومن مفارقات الأقدار أن يجمع شهر أكتوبر بين هؤلاء الثلاثة.. المجلة ومؤسسها وصاحب قرار إصدارها.. بين ميلاد «أكتوبر» ورحيل السادات وأنيس منصور، فقد صدر العدد الأول فى اليوم الأخير من شهر أكتوبر عام 1976، ورحل السادات مغتالاً شهيداً فى يوم السادس من نفس الشهر عام 1981 فى يوم عرسه وذكرى انتصاره، وهاهو ذا أنيس منصور يرحل يوم الحادى والعشرين من أكتوبر وحيث يصدر هذا العدد الخاص من المجلة فى عيد ميلادها الخامس والثلاثين.. اعترافا بفضل وعطاء مؤسسها الذى رحل فى ذكرى ميلادها. *** مستعيراً عنوان كتابه «فى صالون العقاد.. كانت لنا أيام» والذى يعد توثيقاً وتوصيفاً لأهم وأخصب حقبة ثقافية وفكرية وأدبية فى عقدى الخمسينات والستينات، أجدنى أقول إننا فى مجلة أكتوبر التى كانت صالون أنيس منصور الفكرى والأدبى والفلسفى بل الصحفى أيضاً.. كانت لنا أيام.. امتدت لأكثر قليلاً من ثمانى سنوات هى فترة رئاسته للتحرير.. وليتها طالت أكثر. لقد أتاح لنا أنيس منصور بحكم عملنا الصحفى تحت رئاسته للتحرير طوال تلك السنوات.. حضورا يوميا فى صالونه الفكرى والصحفى، وحيث كان يطوّف بنا عبر التاريخ والجغرافيا ويحلّق بنا إلى آفاق واسعة ورحبة من الفكر والأدب والثقافة والفلسفة بحكايات ومواقف لا تنتهى. المثير للدهشة مع ملاحظة أن الدهشة هى بداية وأصل الفلسفة.. المثير للدهشة.. دهشتنا نحن جيل الصحفيين الشباب فى ذلك الوقت من أن أنيس منصور الكاتب والمفكر والأديب والفيلسوف الذى أثار انبهارنا، كان يثير وبنفس القدر انبهارنا بأستاذيته الصحفية وحرفيته المهنية رفيعة المستوى، إذ كيف يجتمع الأدب والثقافة والفكر والفلسفة مع الصحافة بهذه الروعة وبهذا التألق؟! لقد كنا ومازلنا نحن الذين كان من حُسن حظنا ممارسة العمل الصحفى تحت رئاسته مشدوهين مأخوذين بهذا العملاق الذى كان حديثه متدفقا بليغا.. سهلاً ممتنعاً فى نفس الوقت.. حاشدا بأفكار ومعلومات ورؤى.. ألهبت خيالنا ووسّعت آفاق معرفتنا، فكنا كمن يقرأ كتابا جديداً كل يوم وفى كل لقاء معه. أما أغرب ما اكتشفناه فى رحلتنا الصحفية مع أنيس منصور إلى جانب انبهارنا بصياغته الفريدة والرائعة لعناوين المقالات والموضوعات والأخبار، فهى قدرته الفائقة بل ملكته المتفردة عن غيره من كبار الكُتّاب والمفكرين فى أن يتحدث مثلما يكتب تماما.. نفس التدفق.. نفس العبارات الرشيقة التى تنساب فى سلاسة مدهشة.. نفس المفردات المتميزة التى ينحتها نحتا ويشتقها من مفردات اللغة العربية اشتقاقا بليغا، فكان حديثه مقالا ومقاله حديثا! هذا الأسلوب المتفرد وتلك العبارات الرشيقة التى تدفع القارئ لمقالاته ومؤلفاته دفعاً إلى الاستمرار فى القراءة دون ملل أو توقف.. هو التفسير الحقيقى لأنه أكثر الكُتّاب على الإطلاق انتشاراً وأكثر المتحدثين استماعا إليه، ولأن مؤلفاته التى زادت على مائتى كتاب هى الأكثر مبيعا خاصة بين الشباب الذين يمثلون غالبية قرائه، إذ نجح بكتاباته الرشيقة المتفردة فى استمالتهم وعلى غير عادة الشباب إلى القراءة. لقد كانت قراءات أنيس منصور فى كل العلوم والمعارف ونهمه الشديد للقراءة منذ شبابه وحيث حكى أنه فى صيف واحد قرأ كل الكتب الموجودة فى مكتبة المنصورة العامة، وكذلك اطلاعه على مختلف الثقافات والآداب العالمية وتنقله بين النظريات الفلسفية من أرسطو وسقراط حتى عبد الرحمن بدوى وحيث استقر فى مرحلة من مراحل مسيرته الفكرية والفلسفية على «الوجودية».. مضافاً إلى ذلك كله تأثره بأستاذيه العقاد وطه حسين، وحيث كان القرآن الكريم الذى حفظه فى طفولته فى الخلفية دائماً.. كل ذلك كان الخلطة السحرية التى صنعت أنيس منصور.. الأديب والمفكر والفيلسوف والمثقف الموسوعى. وبهذه الخلطة السحرية بدت كتابات أنيس منصور خليطاً رائعاً وإن ظل محتفظا بخصوصيته من العقاد وطه حسين.. متأثرا فى نفس الوقت بالأسلوب القرآنى، بينما لم تغب الفلسفة التى درسها وعشقها ودرّسها وتبدّت حاضرة دائماً فى ثنايا وسطور مؤلفاته ومقالاته، ولذا لم يكن غريبا أن يتفلسف كما كان يقول لنا وهو يكتب أدبا أو يكون أديبا وهو يكتب فى الفلسفة، أما الغريب حقا أن تكون الفلسفة والأدب مدخله إلى الصحافة التى جعلها حرفته، فكانت مكانته الصحفية الرفيعة بقدر مكانته فى الفكر والأدب. *** هذا هو أنيس منصور الذى عرفناه عن قرب واقتربنا منه واقترب منا.. تأثرنا به كثيراً، فقد كان الرمز والمثل الأعلى الذى نعتز به بقدر اعتزازه الخاص بتأسيس «أكتوبر» دون غيرها من الإصدارات الأخرى التى سبق له تأسيسها، باعتبارها مدرسته الصحفية الخاصة وتجربته المهنية شديدة الخصوصية. إننا مازلنا وسنظل نستعيد ذكرياتنا معه فى «أكتوبر» فى عهدها الزاهر تحت رئاسته للتحرير.. وفيها ومعه.. كانت لنا أيام.. هى عزاؤنا فى رحيله بجسده وإن بقى معنا وبيننا بفكره وعطائه وأيضاً بهذه المجلة. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: تركت لكم ما كتبت! الخميس 03 نوفمبر 2011, 5:23 am | |
|
تركت لكم ما كتبت! | | | | |
عندما سئل أنيس منصور، فى حديث صحفى أجرى معه فى منتصف السبعينيات تقريبا هذا السؤال: ماذا- بعد عمر طويل- ستترك فى هذه الدنيا؟ كانت إجابته: «سأترك كل ما كتبته.. كم من الذى كتبته يستطيع أن يعيش طويلا.. أعتقد أن الذى يحتوى على معنى يمس الناس ويساعدهم أكثر هو الذى يعيش أكثر..». وكان أنيس منصور صادقا فيما قال. لم يترك شيئا باقيا سوى ما كتب، وما كتب سيظل باقيا ما بقى من يقرأه ويعود إليه وينتفع به، وهو كثير غزير على مدار حياته الإبداعية والصحفية، وطوال أكثر من 60 عاما، عاشها محبا للآداب والفنون، دارسا للفلسفة ومدرسا لها، مشتغلا بالصحافة وأستاذا من أساتذتها، متأملا ومفكرا فى أحوال الناس والدنيا والتاريخ، ومسهما فى كل تلك المجالات بأعمال ومؤلفات، تشكل فى مجموعها مكتبة كاملة من المعارف والعلوم والفنون والآداب والسياسة والصحافة، عكست نظرته ورؤيته للكون والإنسان والحياة، وسجلت تاريخه وحياته، وساهمت فى تشكيل وجدان وثقافة أجيال عديدة من الشباب فى العالم العربى كله. 250 كتــابـــا بالتمـام والكمال.. عـدا مــا يصعب حصره من المقالات والكتابات غير المنشورة، التى تركها، هى حصيلة ما استودعه أنيس منصور من أعماله.. ولعله واحد من أغزر المؤلفين المصريين إن لم يكن أغزرهم جميعاً فى النصف الثانى من القرن العشرين، وهو فى ذلك يعد استمرارا واستكمالا لجيل العمالقة من المفكرين والأدباء والكتاب الذين كانوا غزيرى الإنتاج بشكل ملحوظ، وكان عطاؤهم ونتاجهم العلمى والأدبى يشكل فى مجمله مكتبات زاخرة سخية من المعارف والعلوم والفنون والآداب.. هو فى ذلك -من حيث الكم- نافس بل فاق فى أحيان كثيرة طه حسين والعقاد وهيكل وأحمد أمين وسلامة موسى وتوفيق الحكيم.. ومن الأجيال التالية: يحيى حقى وسعد مكاوى وصلاح عبد الصبور وآخرين. وما بين الكتاب رقم (1) والكتاب رقم (250)، رحلة طويلة مديدة عامرة بكل ما يمكن أن يدهشك ويعجبك ويثير سخطك أيضا! لكنك أبدا لا تترك كتابا له أمسكت به وشرعت فى قراءته قبل أن تتمه، أو أن تطالع بعينيك السطر الأول من مقاله اليومي، المنشور هنا أو هناك، بهذه الجريدة أو تلك، إلا وتجد نفسك مسحوبا بكامل إرادتك ورغبتك فى متابعة ما يقول حتى لو كان «ريان يا فجل»! هذا هو أنيس منصور.. بارع براعة لا توصف فى أن يجذب إليه آلاف القراء، فى نفس واحد، لمتابعته وقراءته حتى لو كانوا من أشد مخالفيه فى الرأى أو من الحانقين عليه أو حتى من الكارهين! أول كتاب كان أول كتاب فوجئ به أنيس منصور مطبوعا له وعليه اسمه، كتاب «وحدى مع الآخرين»، وقرأ على غلافه الخارجى العبارة التالية «مقالات بقلم: أنيس منصور»، وهو عبارة عن مقالاته التى كان ينشرها آنذاك بـمجلة (الجيل)، وكانت كل علاقته بهذه الكتاب أنه وقع تحت يده مصادفة، أثناء زيارته لدمشق حيث عثر عليه فى حى سوق الحميدية الشهير بسوريا، ولم يكن له صلة لا بجمعه ولا بنشره، ولم يكن يعلم من الأساس بأن هناك كتابا مطبوعا له يطبع ويوزع بهذا البلد العربى الشقيق، وهو ما جعله يشعر كأنه بحار استلم خطابا أن زوجته ولدت ففرح!! حسب وصفه، فأول كتاب له صدر فى غيابه وبغير علمه! أما أول كتاب ولد على يديه، وطبع ونشر بمعرفته، فهو كتاب «الوجودية» الذى نشرت طبعته الأولى عام 1951، وكان عمره آنذاك 27 سنة، وهو كتاب صغير يمكن أن يدرج فى عداد الكتب التعليمية المبسطة، بلغة عربية سهلة، وكان دائما ما يعتز بأنه من أسبق الكتب المكتوبة بالعربية للتعريف بالوجودية، بلغة بسيطة، وقد طبع من الكتاب أربع طبعات فى شهر واحد، ونفدت نسخه المائة ألف، وهو يرد سبب ذلك إلى أن الموضوع كان محل اهتمام الناس فى ذلك الوقت، وجاء فى عبارة سهلة المأخذ ميسورة الفهم. ويكاد يكون هذا الكتاب أيضا الوحيد المخصص بكامله للفلسفة، وهى من الأشياء اللافتة والمثيرة للدهشة فى نتاج أنيس منصور الفياض. وما بين الكتابين الأول والأخير توالت وتتابعت كتب أنيس منصور كالشلال فى كل فروع المعرفة وفى كل المجالات: صحافة.. سياسة.. أدب.. تاريخ وتراجم.. دراسات نقدية.. قصص ومسرحيات.. مترجمات.. رحلات.. دراسات نفسية.. إلخ. سجل (سيرته الذاتية) فى أكثر من كتاب، منها «البقية فى حياتي»، «طلع البدر علينا»، «إلا قليلا»، «حتى أنت يا أنا». لكن يبقى من بينها كتابه الأهم والأضخم «عاشوا فى حياتي» الذى خصصه لأهم مراحل حياته وبالأخص فترة الطفولة وتفتح الوعى وعلاقته بأمه التى شكلت وجدانه وحياته ومستقبله كله فيما بعد، وأيضا ما تأثر بوالده فيه، وفترة الكُتاب وحفظه القرآن، وسجل فى هذا الكتاب صفحات بديعة ورائعة يصف فيها بأسلوبه الرشيق كثيرا من المعتقدات والعادات الشعبية التى كانت وما زالت تسود فى قرى مصر وريفها، وهى فى رأيى تمثل مادة فلكلورية طيبة لا غنى عنها لأى دارس أو باحث فى المأثورات الشعبية. حول العالم وفى (أدب الرحلات)، أسهم أنيس منصور بنصيب وافر من الرحلات التى جاب فيها أنحاء العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه، دونها فى كتب كثيرة.. «اليمن ذلك المجهول»، «بلاد الله.. خلق الله»، «أطيب تحياتى من موسكو»، «أعجب الرحلات فى التاريخ»، «غريب فى بلاد غريبة». لكن يظل من بينها جميعا كتابه الأشهر والأكثرا إمتاعا وجمالا «200 يوم حول العالم» نموذجا رائعا لأدب الرحلة فى الأدب العربى الحديث، وهو (وكذلك كتاب «فى صالون العقاد كانت لنا أيام») من أكثر كتبه رواجا وانتشارا وذيوعا، ومارس تأثيراته البالغة على أجيال كاملة من الشباب والكتاب والصحفيين، وتخطى عدد طبعاته الخمسين، ومنذ سنوات قليلة احتفل أنيس منصور بصدور النسخة المليونية من هذا الكتاب الذى حطم كل الأرقام، ومثل ظاهرة لا تتكرر كثيرا فى عالم النشر والكتب والمطبوعات، ووضع اسم أنيس منصور فى مصاف أهم وأعظم كتاب أدب الرحلة فى مصر خلال القرن العشرين. فى الصالون أما كتابه الأشهر أيضاً- والكثير جدا من كتبه يتنازع صفة الأشهر!- «فى صالون العقاد كانت لنا أيام»، فهو وكما وصفه المؤرخ الراحل الكبير حسين مؤنس، «كتاب ضخم فاتن»، ولا أظن أن كتابا فى الأدب وتاريخ تلك الحقبة الساطعة من الفكر والثقافة، (تاريخ الفكر والثقافة المعاصرة)، جذب الناس ونال إعجابهم واستحوذ على تقديرهم لفترة طويلة من الزمن مثلما جذبهم هذا الكتاب، وفصول الكتاب عبارة عن الحلقات التى كان ينشرها أنيس منصور أسبوعيا على صفحات مجلة (أكتوبر)، وكان القراء ينتظرون صدور المجلة على أحر من الجمر، ثم يتلقفونها بمجرد صدورها لقراءة ما يكتبه أنيس عن العقاد، وذكرياته معه، كذلك كان أنيس منصور، تلميذا نجيبا من تلامذة العقاد الكبار، لم يفتأ يذكر أنه كان على رأس أهم الكتاب الذين أحبهم وتأثر بهم واختلف معهم، لكنه لم يسمح لنفسه أن يكون من دراويشه المسبحين بحمده والدائرين فى فلكه، ورغم ذلك فلم يستطع أنيس إلا أن يفرد للعقاد هذه الدراسة الضخمة التى قارب عدد صفحاتها السبعمائة صفحة من القطع الكبير. وحول شخصية عباس محمود العقاد العملاق، وصالونه الأدبى الشهير، الذى كان يعقد يوم الجمعة من كل أسبوع، حيث يتحلق فيه حول أستاذهم مريدوه وتلاميذه على اختلاف تياراتهم وتفاوت مشاربهم وتباين تخصصاتهم.. أدار أنيس منصور تاريخ مصر الفكرى والاجتماعى والسياسى خلال سبعين سنة، هى التى نسميها بعصر العمالقة، دراما عصر كامل حافل بالأفكار والتيارات والمآسى.. فإلى شجرة العقاد الباسقة الممتدة الفروع، كأنها جميزة القرية المصرية التقليدية، كانت أجيال أهل الفكر شباباً وشيباً تأوى وتتجمع وتفترق، والأفكار تتلاقى والتيارات تصطرع، وعندما مات العقاد انفض السامر واللاعب، ولكن الرواية لم تتم فصولا.. وترك أنيس منصور طائفة من الكتب التى تناولت ما وراء الطبيعة وألغاز الكون والحياة، وما يمكن أن يدخل فى دائرة الغيبيات والقوى الخارقة، وهى التى ضمت «أرواح وأشباح»، «لعنة الفراعنة»، «الذين هبطوا من السماء»، «الذين عادوا إلى السماء». ختام الرحلة أما آخر كتبه صدورا -وقبل وفاته بأشهر معدودات- فكانت خمسة كتب دفعة واحدة هي: «معنى الكلام»، و«فى انتظار المعجزة»، و«اللعب غريزة منظمة»، و«أنا اخترت القراءة»، و«من أجل عينيها»، وهى كلها صادرة عن دار نهضة مصر للطباعة والنشر، ورغم العناوين المختلفة للكتب الجديدة، إلا أن مضمونها جميعا يطوف بنا فى جنبات السياسة، والفلسفة، والتاريخ، والرياضة، والحب، والحياة. ويتبقى أن أنيس منصور صرح فى أكثر مناسبة من قبل، أنه انتهى من تأليف عدد من الكتب المهمة، وأنها على وشك الصدور، يأتى على رأسها كتابه الذى ظل محتفظا به طوال ثلاثين عاما عن أوراقه مع السادات، أو إذا شئنا الدقة شهادته وذكرياته الخاصة جدا على عصر السادات، خصوصا فى الفترة من 1975 إلى 1981 التى كان فيها أنيس منصور «الجورنالجي» الأول فى مصر، والصديق المقرب للسادات وكاتم أسراره، ورجل المهام الخاصة والسرية، إذ كان السادات يسند إليه مهاما ذات طبيعة خاصة ولا يعلم أحد عنها شيئاً. وإذا كان أنيس منصور قد أصدر قبل قرابة العام ونصف كتابه «أوراقى مع السادات» عن دار المعارف، الذى أحدث صدوره أصداء عالية ونفدت نسخ طبعته الأولى والطبعات التالية، فإنه فى الحقيقة تمهيد وتهيئة لكتابه المشار إليه، ولا نعلم ما مصيره الآن بعد وفاته. وكان أنيس قبل أيام من مرضه الأخير ووفاته، قد عكف على كتابة مذكراته الصحفية تحت اسم «على ومصطفى أمين» باعتبارهما يشكلان مدرسة صحفية كبيرة ومستمرة ومتميزة داخليا وخارجيا، حيث وصفهما بأنهما قاعدة لإطلاق الصواريخ الصحفية. وتطرق أنيس منصور فى مذكراته «على ومصطفى» لأحداث جديدة ومواقف لا تنسى مع هؤلاء النجوم، لم يسجلها فى سلسلة كتبه ومذكراته السياسية والثقافية والوجدانية والفكرية التى تحملها مؤلفاته. كذلك كان أنيس منصور قد أعلن فى حوار تليفزيونى له أذيع فى العام الماضي، أنه يجهز لكتاب مخصص بالكامل لأمه التى كانت شخصية محورية فى حياته، وذات الأثر الأكبر والأبرز فى تشكيل مستقبله، منذ طفولته وحتى مماته، وأوصى بدفنه بجوارها، واختار له عنوانا دالا بديعا «أمى.. ابنها» ولا أعلم إن كان انتهى من كتابته أم لا. وهل صدر أم لم يصدر بعد حتى كتابة هذه السطور. رحم الله أنيس منصور. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: «فيلسوف الكلمة» يتصدر رسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعات المصرية والفرنسية الخميس 03 نوفمبر 2011, 5:26 am | |
|
«فيلسوف الكلمة» يتصدر رسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعات المصرية والفرنسية | | | | |
أنيس منصور - والملقب بفيلسوف الكلمة- كان مادة خصبة للباحثين بالجامعات لبصماته الفكرية والثقافية وحسه المرهف وكان من أهمها تقديمه لمجلة مصرية مختلفة الشكل والملامح والإخراج وهى مجلة أكتوبر والتى حققت شهرة وانتشارا واسعا ليس فى مصر فقط بل فى الوطن العربى والعالم. فقد تصدرت أعمال الكاتب الكبير أنيس منصور العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه خلال الـ 30 عاما الماضية ليس فقط فى الجامعات المصرية بل تناولته رسالة دكتوراه من جامعة السوربون بباريس. وكان من أهمها الرسالة العلمية والتى تقدمت بها تلميذته «سميحة إدريس» الصحفية بمجلة أكتوبر حول الإخراج الصحفى لمجلة أكتوبر والتى خصصت فيها فصلا كاملا عن أنيس منصور لتحصل بها على درجة الماجستير. فقد كشفت نتائج هذه الدراسة أن أنيس منصور كان يشترك فى تحرير 18.9% لكل ما يكتب فى مجلة أكتوبر وأنه كان يحرر بنفسه 7.5% من موضوعات المجلة. كما كشفت الدراسة عن الكاتب الراحل أنه ظل يكتب افتتاحية مجلة أكتوبر بنفسه لمدة 9 سنوات كاملة. وأكدت الدراسة التى قامت بها تلميذته سميحة إدريس أن أنيس منصور نجح منذ العدد الأول لصدور مجلة أكتوبر- ككاتب مصرى وعربى بشهرته الكبيرة وثقافته المتعددة فى مختلف المجالات - أن يحقق الذيوع والانتشار لمجلة أكتوبر ليس فقط فى مصر بل فى العالم العربى والأجنبى كله. وأثبتت الدراسة أن أنيس فتح صفحات مجلة أكتوبر للعديد من الكتاب البارزين من خارجها من التيارات الفكرية المختلفة مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وجلال كشك وعبد الله الجبرى وغيرهم.. وهذا يحسب له. واستطاعت الدراسة أن تلمح بصمات أنيس منصور الفكرية والثقافية والفنية وكذلك حسه الفنى المرهف فى تقديم مجلة مصرية مختلفة فى الشكل والمضمون والملامح الإخراجية وهى مجلة أكتوبر.. وقد ساعده على ذلك خبرته الطويلة فى عالم المجلات، حيث شغل رئاسة تحرير العديد من المجلات وعمره 30 سنة فقط. فقد شغل رئاسة تحرير مجلة «الجيل» ثم مجلة «هى» التى كان يرأس مجلس إدارتها الكاتب الراحل الكبير على أمين ثم رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة ثم مجلة أكتوبر ثم رئيس تحرير مجلة وادى النيل ثم رئيس تحرير جريدة مايو. وقد ساعدته هذه الخبرة الطويلة فى رئاسة تحرير العديد من المجلات أن يقدم أسلوبا جديدا متحررا (مودرن) فى إخراج مجلة أكتوبر بعيدا عن الأساليب الكلاسيكية التقليدية وهذا لم يكن رأى الدراسة فقط، بل كان رأى العديد من كبار رجال الإخراج الصحفى فى المجلات المصرية. وكشفت الدراسة أن الكاتب الكبير أنيس منصور يتميز عن غيره من الكتاب بأنه صاحب أسلوب خاص كان مزيجا بين الفلسفة والسياسة والفكر والأدب والثقافة الراقبة. وكان يقدم فى مقالاته الافتتاحية كل أسبوع معرضا فنيا رائعا بأسلوب شائق وعبارات سهلة راقية فى كل مجالات المعرفة امتزجت فيها السياسة بالفلسفة والأدب والثقافة.. عكست سعة اطلاعه وثقافته الواسعة فى كل المجالات. وقد تعرضت مقالاته الاسبوعية فى مجلة أكتوبر لكل المشاكل والقضايا على الساحة السياسية والثقافية والاجتماعية بل العلمية ليس فقط فى مصر، بل وفى العالم العربى والأحداث العالمية. وكان من خلال الافتتاحية الاسبوعية يعرض وجهة النظر المصرية الوطنية الخالصة، حيث تحولت هذه الافتتاحية فى الكثير من الأحيان إلى أحاديث صحفية ساخنة مع الرئيس الراحل السادات بلغت 12 حديثا، بالإضافة إلى أحاديث ساخنة مع العديد من الشخصيات السياسية العربية والعالمية. وقد خص الرئيس السادات الكاتب الكبير أنيس منصور بكثير من الأخبار والمعلومات التى انفردت بها مجلة أكتوبر عن غيرها من المجلات والصحف اليومية، حيث أراد الرئيس السادات أن يقدم بمجلة أكتوبر وقتها عام 1976 صحافة عربية مصرية جديدة تقدم الثقافة إلى جانب التغطية الإعلامية الصادقة لما يجرى فى مصر من أحداث، حيث أحاطت مجلة أكتوبر القارئ بها بلا «روتوش»! وكان الرئيس السادات قد كلف أنيس منصور رئيس تحرير مجلة آخر ساعة- وقتها- بمهمة إصدار مجلة جديدة اسمها «6 أكتوبر» وقام بتعيينه رئيسا لتحريرها وأسند إليه رئاسة مجلس إدارة دار المعارف وذلك فى 16 أبريل 1976. وكان فى ذهن السادات أن تقوم مجلة أكتوبر بدور كبير فى السوق الصحفية العربية والمصرية بدلا من الصحف والمجلات اللبنانية التى كانت تغزو الاسواق الصحفية فى مصر والعالم العربى فى ذلك الوقت وبالتحديد مجلة «الحوادث» اللبنانية! وكان السوق فى ذلك الوقت مليئا بأنواع كثيرة من المجلات وبالتالى كان الأمر ليس سهلا أن تخرج مجلة اخرى. وعندما خرجت مجلة أكتوبر كانت هى الأولى فى 20 عاما حيث لم تصدر أى مجلة عربية كبرى من عام 1952 إلى عام 1976. وقد وجدت الدراسة أنه خلال هذه الفترة الكبيرة لم تصدر فى مصر مجلة جماهيرية تجمع بين المضمون السياسى والاجتماعى وتكون فى نفس الوقت فى مستوى المجلات الراسخة ذات التاريخ مثل مجلات «المصور» و «آخر ساعة» و«روز اليوسف» باستثناء مجلة «صباح الخير» التى صدرت خصيصا عام 1955 لتخاطب الشباب. وبالتالى كانت مهمة إصدار مجلة أكتوبر صعبة جدا ولكن السادات دعمها أدبيا ومهنيا واقترح أبوابا وخص مجلة أكتوبر بالعديد من المقالات كان أهمها «الجليد يذوب بين موسكو والقاهرة»! واشترك السادات مع رئيس تحريرها أنيس منصور فى اختيار اسم المجلة حيث وقع الاختيار فى البداية لتكون اسمها «6 أكتوبر و10رمضان» لكن إسماعيل فهمى وزير الخارجية وقتها اقترح أن تكون اسمها «أكتوبر» ووافق السادات على هذا الاقتراح ليصير اسمها «مجلة أكتوبر». وقد اختار أنيس منصور أسرة تحرير مجلة أكتوبر كما تقول سميحة إدريس فى دراستها اختار حوالى 80 محررا وسكرتير تحرير ومصورا ومراجعا. وقد بلغت الغيرة الصحفية والحقد الصحفى وقتها كما جاء على لسان أنيس منصور أن البعض أكد أنها ستفشل ولن يصدر منها إلا عدد واحد فقط ثم ستتوقف.. وعلق أنيس منصور على هذا فقال كأننا نصدر مجلة من دار اجنبية معادية رغم انها مجلة قومية !! وكانت ميزانية مجلة اكتوبر وقت صدورها لا تتعدى مليونى جنيه (2 مليون جنيه» وقد صدرت اكتوبر بعد 6 أشهر فقط من الأعداد التجريبية وهذه المدة تعد غير كافية لاصدار مجلة كبيرة مثل مجلة أكتوبر. وقد قام أنيس منصور - وفقا لما تقوله الدراسة - بالاطلاع على العديد من المجلات العالمية مثل مجلتى «الأوبروبيو» و«ابوكا» الايطاليتين ومجلتى «الدسيبلنج» و«اليورتا» الألمانيتين وتوقف بين أبواب وموضوعات هذه المجلات وكان لمجلة أكتوبر ان تكون ذات طابع خاص. وقد كان تشكيل مجلة أكتوبر.. أنيس منصور رئيسا لمجلس إدارة دار المعارف ورئيسا لتحريرها وفؤاد ابراهيم العضو المنتدب ود. صليب بطرس المدير العام ثم 3 مديرين للتحرير وهم المرحومون حامد دنيا وعبد العزيز صادق وجميل عارف، بالإضافة إلى إقامة 5 اقسام وهى التحرير والتصحيح والمعلومات والخطوط والسكرتارية الفنية. وأكد انيس منصور ان المجلة استطاعت ان تضع قدميها وسط الصحافة المصرية والعربية لانها قامت على احترام عقل القارئ لان القارئ لا يحب الكاتب الساخر او الحاوى لان القارئ يريد ان يفهم وتقدم له الحقيقة وهذا ما حرصت عليه مجلة اكتوبر من العدد الأول لصدورها. وقد فتح انيس منصور صفحات مجلة اكتوبر لكل الكتاب فى مصر والعالم العربى لتكون شاهد عيان على كل القضايا المصرية والعربية وكل هموم العصر.. فكانت مجلة إيجابية. وقال انيس منصور وقتها وفقا لما ترصده الدراسات إننا بمجلة اكتوبر نثقفف الصغير ونناقش الكبير ونسلى المراهق ونعطى الأمل لليائس. وكان يعمل على ان تقدم «اكتوبر» احدث ما تقدمه دور النشر من احدث الكتب وما تقدمه الملاعب للعبة الملايين «كرة القدم».. فقد حرص انيس منصور ان تكون مجلة اكتوبر معبرة لكل افراد الاسرة. وقال انيس منصور عندما صدرت مجلة اكتوبر: كانت كالفتاة الجميلة الصغيرة التى تخرج للحياة وقد ارتدت اكثر من فستان فى آن واحد ووضعت المجوهرات فى اصابعها واذنيها فانها أرادت ان تكون الكمال والجمال معاً. وقد تعلمت الفتاة الجميلة ان الجمال والبساطة فى الألوان والاقتصار فى المجوهرات مع الوضوح والحرص على الصدق والاخلاص طريقها لأن تدخل قلوب الملايين. وقد اثبتت الدراسة ان مجلة اكتوبر عندما صدرت فى ذلك الوقت كانت سبباً فى اشعال المنافسة بين كل المجلات المصرية مما ترتب على ذلك ان كل المجلات قامت بالتغيير فى شكلها ومضمونها. وقد بلغ توزيع مجلة اكتوبر خلال أول سنتين صدورها (1976 إلى 1978) 200 ألف نسخة اسبوعية، حيث خرجت فى، 92 صفحة من الورق الفاخر فى ذلك الوقت. وقد اثبتت نتائج الدراسة التأثير الكبير لشخص الكاتب الكبير انيس منصور رئيس التحرير فى ذلك الوقت فى الشكل والمضمون والاسلوب والصياغة والعناوين الجذابة وحتى فى كلام الصور. دكتوراه من السوربون ولم تتوقف الرسائل الأكاديمية عند ذلك بل تناولته رسالة دكتوراه من جامعة السوربون بباريس حملت عنوان هل ساندت مجلة اكتوبر سياسة الحكومة والتى نالت بها د. زهيرة البيلى درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف عام 1984 لتصبح مجلة اكتوبر عالميا أول مجلة بعينها على مستوى الدراسات العليا من أكبر جامعة فى العالم. وقد اختصت الدراسة فصلاً كاملاً عن انيس منصور، حيث تقول انه بعد ان اصدر الرئيس انور السادات قراراً جمهورياً بانشاء مجلة جديدة لمواجهة التحديات التاريخية والعالمية التى تشهدها الساحة السياسة وبعد ان اختار انيس منصور ليصبح أول رئيس تحرير لهذه المجلة وأحد اهم الكتاب الصحفيين كان عليه مواجهة تحديات كبرى بدءا من كونها اول مجلة مصرية تصدر من حوالى 30 عاماً وانتهاء باختيار المحتوى الشكلى والمضمون ولصعوبة وظروف المناخ العام السائد من حيث ان كل الصحف والمجلات كانت رسمية حرص الكاتب الكبير أنيس منصور منذ الأعداد الاولى ألا تنحاز المجلة الى السلطة على حساب الشعب والقارئ حيث تولى بنفسه دراسة نوعية المقالات بحيث أصبحت المجلة ذات وزن وتقلدت مكانة خاصة رسخت حواراً قائماً ومستمراً بين القارئ والسلطة السياسية خاصة بعد حرب اكتوبر وبذلك يكون قد نجح «انيس منصور» فى بلورة تلك العلاقة بين المجلة والرأى العام لذا تميزت مهمة رئيس التحرير بالمهمة الخطيرة خاصة عندما يتعلق الأمر بمسئوليته امام سياسة الحكومة .. وان يتوافق فى نفس الوقت مع طبيعته الانسانية من حيث الصدق والاخلاص فى نقل الحقيقة. وقد اتضح من خلال الدراسة والبحث لمقالات انيس منصور انه يساند الحكومة ولكنه فعل هذا ببراعة الكاتب والمفكر الذى وجه كل ذلك فى بؤرة الحرية واللاحدودية. وفى مقال بعنوان « إنهم أعداء المجتمع الحر» هاجم بشدة الحكومة والوزراء قائلا: «هؤلاء الوزراء لايتمتعون بروح الفريق.. وانهم اشخاص عظام وجدوا انفسهم فى قاعة اجتماع واحدة .. وكل وزير تكون مهمته ان يقلب وزارته رأساً على عقب دون مراعاة لما تم من انجاز قبل توليه الوزارة.. فإما أنهم ثوريون وإما انهم يؤمنون بالفردية ولهذا السبب هم بعيدون عن الجماهير .. وغير مقربين من الشعب .. انهم عاجزون عن الاحساس بالناس ولا يسعون الا إلى تغيير واجهة الوزارة التى طالما حلموا بها». كان أنيس منصور يعرف جيداً ان الصحفيين يكتبون لتظل ردود الفعل ملكاً للشارع ولذا فتح انيس منصور صفحات مجلة اكتوبر للعديد من الاقلام المعروفة من مفكرين وأدباء وباحثين ليشاركوا أسرة التحرير فى صياغة نوع فريد من التناغم ارتبط وحقيقة الأمر ارتباطاً غير مباشر مع امكاناته الأدبية والفكرية والفلسفية لتصبح مجلة اكتوبر بفضل حاسته الصحفية من كبرى مجلات الشرق الأوسط والعالم العربى. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: أنيــس منصور.. الفنــان الخميس 03 نوفمبر 2011, 5:27 am | |
|
أنيــس منصور.. الفنــان | | | | |
لم يترك أنيس منصور شيئا عن نفسه إلا كتبه فى حياته، ولذلك فمن الصعب أن تجد شيئا جديدا تقوله أو تكتبه عنه، فقد كان يتنفس كتابة، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة عن عاداته أو اهتماماته أو قراءاته أو علاقاته بالرؤساء والأدباء العالميين والمحليين إلا وكتبها. وعن علاقته بالفن والفنانين، تحدث الأديب والصحفى الكبير الراحل فى أكثر من برنامج إذاعى وتليفزيونى وحوار صحفى عن هوايته للغناء، ولقائه الشهير بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وإصراره على الغناء أمامه، ورد فعل عبد الوهاب المجامل، وإشادته بصوته، لدرجة أنه فكر أن يترك الجامعة والصحافة ويحترف الغناء. وحكى أيضا عن مغامراته فى الغناء فى أفراح الأصدقاء، مقابل بعض المال، وكيف طرده المعازيم وضربوه لرداءة صوته، وهى رواية تذكرنا بحكاية تكاد تكون متطابقة مع رواية شبيهة حكاها العبقرى الراحل د.مصطفى محمود عن نفسه، حين قال إنه كان يغنى ويعزف على الطبلة فى الأفراح، عندما كان ما?يزال طالبا فى كلية الطب. والفحوى أن كلاً من هؤلاء العمالقة، كان يحمل فى داخله عقل مفكر وروح فنان تلهمه، وتجعله يترك كل شئ ويجرب نفسه فى الإبداع الفنى، وهكذا قدم لنا العقاد روايته الوحيدة التى لم تتحول بعد إلى فيلم أو مسلسل، وكتب طه حسين رواياته الخالدة الاجتماعية والدينية التى تحولت جميعها تقريبا إلى أعمال فنية، وخاض مصطفى محمود هو الآخر تجربة الكتابة الدرامية من المسرح إلى التليفزيون وحتى السينما، وهو نفس ما فعله أنيس منصور، الذى كان أقلهم حظا مع السينما، حيث لم يتحول أى عمل له إلى فيلم، وأكثرهم توفيقا فى التليفزيون، حيث حققت رواياته وأعماله القصصية التى تحولت إلى مسلسلات نجاحا كبيرا، وخصوصا مسلسلى «من الذى لا يحب فاطمة»، و«غاضبون وغاضبات»، فيما لم يقدم له المسرح سوى عمل واحد هو «حلمك يا شيخ علام» بطولة نجم الكوميديا الراحل أمين الهنيدى. أما ما لا يعرفه الكثيرون عن أنيس منصور، فهو أنه كان أيضا ناقدا فنيا من الطراز الرفيع، ومقالاته فى نقد وتحليل بعض الأعمال والظواهر الفنية، والموجودة فى عدد من كتبه، تستحق أن تقرأ وتدرسّ. لقد كان الراحل المبدع موسوعة ثقافية وفكرية وفنية وصحفية وإنسانية متحركة على قدمين، وكان صحفيا يهوى الأدب، أو أديبا يحترف الصحافة، كما قال لسيدة الشرق أم كلثوم، معرفا نفسه، فى حوار له معها..أما أصدق ما قيل فى وصفه، فهو ما قاله لنا الكاتب الصحفى الراحل صلاح الدين حافظ، حين كان يدرس لنا المقال الصحفى بكلية الإعلام..وقال عن عمود أنيس «مواقف»..أنت تستطيع أن تختلف معه، لكنك لا تستطيع أبدا أن تتخطاه أو تتجاهله أو تمنع نفسك من قراءته. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: حين قالت له أم كلثوم.. والنبى غنى خلينا نضحك شوية! الخميس 03 نوفمبر 2011, 5:28 am | |
|
حين قالت له أم كلثوم.. والنبى غنى خلينا نضحك شوية! | | | | |
الكاتب الكبير أنيس منصور له العديد من الاصدقاء الفنانين والفنانات الذين ارتبط معهم بصداقات قوية وكان من بينهم سيدة الغناء العربى أم كلثوم. وفى احد الايام ذهب اليها أنيس منصور فى فيلتها الواقعة فى الزمالك لاجراء حوار صحفى فكان الحوار متبادلا بينهما فى حديقة الفيلا وكان هذا آخر حوار لأم كلثوم والذى تم نشره فى عدد خاص من مجلة آخر ساعة عن أم كلثوم بعد وفاتها فى ذكرى الاربعين بتاريخ 12 مارس 1975.. * * * أم كلثوم اذابت الناس فيها أو ذابت هى فى الناس فهى تغنى أو هم يغنون لها او هى تصفق لهم وهم يغنون، ان صوتها سيبقى لمئات السنين متعة شرقية ووثيقة تاريخية فهى السيدة الوحيدة فى العالم التى تغنى الاغنية الواحدة فى ساعة او ساعتين ، ان الاوبرا التى يشترك فى غنائها العشرات من المطربين المختلفى الاصوات لا تزيد على ساعة ونصف ساعة واحيانا ساعتين تتخللها استراحات قصيرة او طويلة ولكن ام كلثوم بفستان واحد ومنديل واحد ووقفة واحدة ومنظر واحد ولحن واحد واوركسترا واحد وفى ليلة واحدة تستطيع ان تذيب الناس فى عرق ودموع... فى بداية الحوار ضحكت ام كلثوم وسألتنى انت كنت تغنى.. والله غنى ياشيخ ..غنى والنبى خلينا نضحك شوية ؟ واقسم وقتها انيس منصور انه قد تغنى لها.. واقسم ان يروى لها كيف حدث ذلك؟! قال أنيس كنت فى فيينا من عشرين عاما وهناك سمعت ان مهرجانا للشباب قد انعقد وسألونى قلت مصرى وسألونى طالب؟ قلت نعم.. مع انى كنت مدرسا للفلسفة بكلية الآداب.. ولكن شكلى فى ذلك الوقت بدا كطالب ودفعونى الى الميكرفون وسألونى عن الحياة فى مصر وعن حرية الفتاة وعن الادب والفن وان كانت هذه زيارتى الاولى للنمسا فقلت الرابعة وانها اعجبتنى وسوف اتردد عليها كلما جئت الى اوروبا، ثم جاءت اللحظة الرهيبة وأحسست أننى احد رجال السيرك واننى يجب ان اقفز من فوق الى حوض ماء بارد على ظهر حصان عندما قيل لى هل تسمعنا النشيد القومى لمصر وفى هذه اللحظة نسيت كل شئ ونشطت غريزة البقاء فى وجه العاصفة وانفتح فمى يقول هلت ليالى القمر يحلى بنا السهر وقلتها بصوت شديد الحماس او توهمت ذلك وأنزلونى ولا اقول اننى نزلت من فوق المنصة وجلست فى مكان لا ارى فيه احداً انما كل ماحولى أصوات غامضة ووجوه مبهمة وانا لا اعرف هل انا موجود او غير موجود... ام كلثوم: احب اسمع كيف فضحتنا عند الخواجات والله لازم أسمعك.. أنيس منصور: وقفت وقلت متحمسا كأننى اهتف فى مظاهرة «هلت ليالى القمر» ضحكت ام كلثوم: لما انت خوفت القمر بهذا الشكل طلع القمر؟ فقلت لها موقف آخر: غنيت فيه لها وقلت حدث ذلك فى اليابان فى جلسة ضمت عدداً من الصحفيين منهم الامريكى والايطالى والفرنسى والهندى وكان الذى دعانا رجل صينى وغنى كل واحد منا اغنية ولم تكن الاصوات جميلة ومطلوب من كل واحد ان يترجم لزملائه وتحشرجت الاصوات وتبعتها الضحكات، واحنا معانا قرد .. نظرت ام كلثوم مندهشة: ما هذا ؟ قال أنيس: صبرك.. وقلت: واحنا معانا قرد طالع فى ليلة برد وقبل ان تقاطعنى ام كلثوم قلت لها: لقد نظرت الى جوارى فوجدت صاحب الدعوة كالقرد تماما وغير معقول ان اردد ورائك واحنا معانا بدر طالع فى ليلة قدر .. فضحكت ام كلثوم ضحكة عالية لم ار مثلها من قبل واتصور انها لم تضحك فى حياتها كمثل هذا الضحك.. انتقل الحوار بعد ذلك حول رأيها فى مطربات فى ذلك الحين.. * مارأيك فى سعاد محمد؟ ** تلميذة فى مدرستى. * وشادية؟ ** صوتها ظريف. * نجاة ؟ ** صوتها حنون. * وماذا عن فيروز؟ ** صوتها فريد وهى محبوبة فى مصر تماما كما هى فى لبنان وفى كل البلاد العربية.. * لقد غنت فيروز اغنية يا جارة الوادى التى لحنها عبد الوهاب وسألنى عبد الوهاب عن رأيك فى الأغنية فما هو رأيك؟ ** عبد الوهاب على رأسنا من فوق.. وبهذا السؤال انتهى الحوار المتبادل الذى جمع بين الكاتب الكبير أنيس منصور وكوكب الشرق أم كلثوم. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: فى حوار نادر جدًا بين العملاقين: قال لـ «شادية»: كنت أغنى فى فرح على السطوح و المعازيم ضربونى ! الخميس 03 نوفمبر 2011, 5:30 am | |
|
فى حوار نادر جدًا بين العملاقين: قال لـ «شادية»: كنت أغنى فى فرح على السطوح و المعازيم ضربونى ! | | | | |
هذا حوار نادر جدا بين عملاق الصحافة والأدب، وقيثارة الطرب شادية، يكشف عن مدى ثقافة وذكاء وبساطة وخفة ظل، اثنين من نجوم الزمن الجميل..وإلى نص الحوار.. شادية: بداية أحب ان اتساءل هل انت صحفى ام اديب؟ أنيس: وانا ايضا عايز اسألك انت مطربة ولا ممثلة شادية: انا اللى بسألك ؟ أنيس: اديب مشتغل بالصحافة وانتى؟ شادية تضحك كثيرا وتقول: ممثلة اشتغل بالغناء. شادية: سمعت انك لم تذهب الى السينما الا عندما تخرجت من الجامعة هل هذا صحيح؟ أنيس: فعلا، كانت اول مرة اذهب فيها الى السينما فى عام?1947 شادية: ماهو اول فيلم شاهدته؟ وما هو شعورك وانت فى ذلك العمر واول مرة تدخل سينما؟ أنيس: انا كنت فى المنصورة وكنت تلميذا مجتهدا وكان كل تفكيرى عن التلميذ هو ذلك الطفل الذى يذهب الى المدرسة ومن المدرسة للبيت وفى وقت فراغه يقرأ ويستذكر دروسه ولابد ان يكون الاول على المدرسة ، ولم يكن هناك من يخبرنى انه من الممكن ان يلعب كرة او يتفسح.. شادية : معنى ذلك انك لم تقم باللعب وانت صغير؟ أنيس: ابدا، فقد كنت مثل من يؤدى واجبه او عمله فقط ، ولما ذهبت الجامعة كنت ايضا مشغولا بأن اتفوق واكون الاول، وبعد تخرجى عام 1947، قررت ان اذهب للسينما وكان شعورى وقتها مثل الشخص الذى يرتكب جريمة، ودخلت فيلم اسمه «غراميات كارمن» وحدث لى انبهار غير عادى ودخلته ثلاث مرات كل يوم ادخل لاشاهده، وكتبت عنه كثيرا، لاننى كنت مبسوطا منه جدا ومازلت مبسوطا حتى الان، فهذا الفيلم كان بمثابة «الحب الاول» بالنسبة لى.. شادية: انت كانت لك أفعال غريبة للغاية من ضمن هذه الافعال انك كنت قبل الجامعة تغنى فى افراح اصدقائك فهل هذا صحيح؟ أنيس يضحـك كثيرا ويقول: بالفعل فقد احييت فرحين على السطوح، واخذت مقابلا ذهيدا وقتها للغاية لا?يتناسب مع جمال صوتى! شادية: كنت تغنى بمفردك ام معك فرقة تعزف لك؟ أنيس: لا.. كان معى صديق لى وهو مستشار حاليا. شادية: مستشار؟!! أنيس: نعم.. كان يعزف على العود!! شادية: ماذا كنت تغنى؟ أنيس: اغانى عبد الوهاب مثل «ياوبور قولى» و«انت وعزولى زمان» شادية: اعلم انك تعشق عبد?الوهاب.. ماذا كان شعورك عندما شاهدته اول مرة؟ أنيس: اول مرة كنت مع مأمون الشناوى فقد كانت هناك فتاة ريفية ترغب فى الغناء فذهبنا معا لعبد?الوهاب ، عندما ذهبت له رأيت عبد الحليم حافظ يمسك عودا ويغنى «ياعاشق الروح» وكان وقتها «عبد الحليم» غير معروف، وعبد الوهاب كان امامه يقول «ياسلام»، وبعدها دخلت الفتاة الريفية وغنت نفس الاغنية «عاشق الروح» وكان صوتها جميلا جدا ، وللعلم سبب ذهابى لعبد الوهاب هو اننى كتبت عنه مقاله هاجمته فيها.. شادية: ياااه.. على الرغم من عشقك له هاجمته!! أنيس: نعم كالشخص الذى يهاجم نفسه!!، فمأمون قال لى انا هاعرفك على عبد الوهاب فقلت له ياريت فانا اتمنى اشوفه، وبعد ما جلست معه وانبهرت به وبشخصيته لم يمر اسبوعا حتى كتبت مقال اخر اطلب الغفران من عبد الوهاب لكتابتى المقال الاول الذى هاجمته فيها.. شادية: لماذا لم تستمر فى الغناء؟ أنيس: هاحكيلك موقف، مرة كان هناك فرح وتخيلت انى معزوما به ودخلت انا وصديقى وبدأت اغنى ووقتها كانت المعازيم مشغولة بالاكل ولم يلتفت احدا لنا، وفوجئت بالمعازيم يحدفونا ويضربونا وطلعنا نجرى انا وصديقى هذا، وبعدها قررت ان اترك الغناء.. شادية: سافرت لليابان؟ أنيس: نعم عام 1959 شادية: كنت تبعث مقالاتك من هناك وكانت فى منتهى الروعة، لانك وصفت كل بلد زرتها وصفا دقيقا، لدرجة اننى عندما ذهبت انا لليابان لم اشعر انها بلد غريبة نتيجة لوصفك الصادق لها، قرأت لك مؤخرا وصفا للزواج انه كالأكل المسلوق ليس به ملح او فلفل وليس له طعم، فهل هذا وصفا صادقا؟ أنيس: لا.. لم اقل كذلك.. انا قلت ان الزواج كالأكل الصحى.. صحى ولا?طعم له. شادية: قلت انك عندما تكون بمفردك تغنى ماهى اخر اغنية غنتها؟ أنيس: اغنية فايزة احمد «غلطة واحدة» شادية: اكيد صادفك مواقف اثناء سفرك وتجوالك حول العالم احكى لنا موقف ما تتذكره جيدا؟ أنيس: اتذكر موقف يهمك شخصيا، فى «جاكرتا» عاصمة اندونيسيا كان هناك امتحانا للطلبة الاندونسيين الذين يلتحقون بالأزهر، ولجنة الامتحان كانت مكونة من الملحق الثقافى ومنى ومن السفير، وكان الملحق القافى يسأل الطلبة مثلا هل تحفظ شيئا من القرآن فيتلو الطالب بعض الآيات ، والطالب الاخر هل تحفظ شيئا من الاحاديث فيجيب الطالب، حتى صادفنا طالب تم سؤاله هل تحفظ شيئا من التواشيح فقال نعم ثم بدأ يغنى «خمسة فى سته بتلاتين يوم.. اغنيتك». شادية: والطالب نجح؟! أنيس: نجح لانهم اعتقدوا انه يغنى تواشيح!! | |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| موضوع: دعوى قضائية تطالب بـ .. إلغاء الدورى هذا الموسم ! الخميس 03 نوفمبر 2011, 5:47 am | |
|
دعوى قضائية تطالب بـ .. إلغاء الدورى هذا الموسم ! | | | | |
تنظر محكمة القضاء الإدارى فى العشرين من ديسمبر القادم الدعوى القضائية المرفوعة من المحامى عمر عبد الهادى بايقاف وإلغاء مسابقة الدورى هذا الموسم وحل أندية الشركات.. نظرًا للحالة الأمنية غير المستقرة التى تمر بها مصر والتى يتخللها العنف والشغب الزائد على الحد فى جميع مباريات كرة القدم.. بجانب المطالبة بحل أندية الشركات والمؤسسات المختلفة التى تضم أكثر من ناد مثل طلائع الجيش وحرس الحدود وإنبى وبتروجيت والداخلية واتحاد الشرطة وبترول أسيوط وجاسكو والمقاولون العرب مما يعد مخالفًا للمادة (18) من لوائح الاتحاد الدولى لكرة القدم.. بخلاف إنفاق الملايين من ميزانيتها التى تعد فى الأساس أموال الدولة المخصصة لهذه الشركات.. وطالب عبد الهادى خلال دعواه بتخصيص هذه المبالغ لدعم الفقراء والمستشفيات العامة. مشيرًا إلى أنه رفع دعواه من منطلق الحفاظ على الأموال العامة واقتصاد الدولة الذى يتدهور يومًَا بعد يوم! يقول محمود بكر رئيس النادى الأوليمبى السابق إن الحديث عن إيقاف الدورى أو إلغائه غير مقبول ومستبعد ويمكن الوصول لحل بإقامة المباريات بدون شغب بوضع ضوابط حازمة فى الفترة المقبلة ومعاقبة المشاغبين بعقوبات صارمة تكون رادعة. وأشار بكر إلى أن الدعوى المقامة بشأن إمكانية إلغاء الدورى وكل أندية الشركات هى تحذير مبكر لاتحاد الكرة لتطبيق نهاية الموسم الحالى وإلا سنعاقب من الاتحاد الدولى لكرة القدم باعتبارنا دورى هواة وليس محترفين.. والمشكلة تحتاج لعملية تنظيم مع الوضع فى الاعتبار التفكير فى كل الحلول التى تساعدنا على الخروج من ظاهرة الشغب لأن الإلغاء يضر بمصالح كل الأندية ويزيد من حجم الخسائر المالية ومصالح الأندية. فى حين مال ربيع ياسين نجم الأهلى السابق للرأى المؤيد لانتظام بطولة الدورى العام وأن الأحداث التى شهدتها مصر شغب جماهيرى مفتعل ويمكن السيطرة عليه وعلى من يخطىء يعاقب. موضحًا أن المشكلة هى فى اتحاد الكرة الذى لم يستخدم سياسة الحسم وإنما سياسة المماطلة والتسكين فى ظل اقتراب الموعد المحدد والنهائى لتطبيق دورى المحترفين، لذا فالمطلوب اتحاد قوى ومجلس قومى للرياضة قوى فاهم لأصول اللعبة. واختتم ربيع كلامه إن ألغى الدورى سيضر بسمعة مصر لأن العالم وقتها سيشعر بأن مصر تفقد بالفعل الأمان، وبالتالى ستتأثر الرياضة التى بدأت تعود تدريجيا بعد الثورة. محمد حلمى لاعب الزمالك الأسبق يؤكد انه لا حاجة لإلغائه، لكن إذا تعارضت إقامة البطولة مع الأحداث الحالية من تجاوزات وفتن موجودة داخل الملاعب وخارجها سيكون من الأفضل وقتها إيقاف البطولة.. أما عن أندية الشركات والاتهام الموجه لها بالصرف من أموال الدولة فهذا ينطبق أيضًا على أندية الاهلى والزمالك والإسماعيلى وباقى الأندية الجماهيرية التى تتجه معظمها للحصول على أموال من الدولة وكان من الأولى إلغاء دورى الموسم الماضى لأن اتحاد الكرة قام بتغيير لوائحه المنظمة للمسابقة الموسم الماضى والتى حدثت فيها مهزلة كبرى بإلغاء الهبوط بدون إخطار الجمعية العمومية، وكذلك مسابقة الكاس فهى غير شرعية لأنها كانت تخص الموسم الماضى. |
| |
|
| |
mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 58
| |
| |
| مقتطفات من مجلة أكتوبر : No1827-30/10/2011 | |
|