elwardianschool
مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 282511_266363923390799_100000515812319_1108688_1944685_n
elwardianschool
مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 282511_266363923390799_100000515812319_1108688_1944685_n
elwardianschool
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

elwardianschool

مـنـتـدى مـــكـتـبــة مـدرسـة الـورديـان الـثـانـويـة * بـنـيـن...( تعليمى.متنوع.متطور )

 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
نتمنى لكم قضاء وقت ممتعا و مفيدا فى المنتدى

 

 مقتطفات من مجلة العربى .. العدد السبت 1 مايو 2010 18/5/1431هـ / العدد 618

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: مقتطفات من مجلة العربى .. العدد السبت 1 مايو 2010 18/5/1431هـ / العدد 618   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالخميس 10 يونيو 2010, 9:54 pm


مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Media_93806_TMB
حديث الشهر




النقل من علوم ومعارف الآخرين

الترجمةوالنقل من علوم الحضارات الأجنبية المختلفة إلى اللغة العربية, عبر إنشاء مؤسساتحكومية، أو خاصة، مختصة بالترجمة، وإصدار العديد من الكتب المترجمة في مجال الفكروالسياسة والعلوم الحديثة والآداب، هي ظاهرة تستحق الإشادة والرعاية والدعم، وتعكسنوعا من الوعي بضرورة اللحاق بما ينتج في العالم من أفكار وإبداع وعلوم، وغير ذلك،لكن الظاهرة، أيضاً، وعبر ما أنتج أخيراً من ترجمات تحتاج إلى التأمل، لرصد العديدمن المعوقات والسلبيات التي قد تعطل نتائجها بشكل أو بآخر، أو تؤخر أهدافها على أقلتقدير


عدل سابقا من قبل mohammed_hmmad في الأربعاء 23 يونيو 2010, 11:49 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقتطفات من مجلة العربى .. العدد السبت 1 مايو 2010 18/5/1431هـ / العدد 618   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالخميس 10 يونيو 2010, 10:37 pm


ساديزم.. «لا يستطيع أحدٌ ركوب ظهرك.. إلا إذا كنتَ منحنيًا» مارتن لوثر كينج
أحمد عبد المنعم رمضان (مصر)


قصة جيدة تم توظيف السرد والحوار فيها بشكل جيد أكد ارتباط عنوانها "ساديزم" بفكرة الابتهاج بالقسوة وتعذيب الآخر، وتمتعت بقدرات وصفية مميزة ولغة جيدة، إضافة الى نضج الرمز في إشارته لحركة الصراع داخل الطبقات في المجتمع.



استيقظ السيد محمد فجأة بعد نومة طويلة, وكلمة «السيد» المذكورة سلفا ما هى إلا لقب أو أداة تعريف لا علاقة لها بالواقع, فهو لا سيد ولا نيلة... هو عبد... ومهنته عبد... فهو يقوم صباحًا من على سريره المتهالك إن وجد, يغسل وجهه إن وجد الماء, يأكل الفول، إن زرع الفول, وبعض الخبز، إن استورد القمح... يفتح عينيه إن وجدت عيناه... غالبا لا يقوم بتغيير ملابسه إلا مع تغيير الفصول, كما أنه لا يشرب إلا أيام الفيضان ولا يأكل إلا فى موسم الحصاد... ومع الأسف إن حق لنا أن نأسف فإن تلك المواسم لم تعد تطل بشمسها على أراضينا منذ سنوات عدة.

يخرج محمد بملابسه البالية وعينه موصدة الأبواب... يمشى فى الشوارع, لا تكاد أن تفرقه عن أى بهيمة أو ماشية فى الشارع. ثم يذهب إلى عمله, وعمل محمد قد يبدو عاديًّا, ماسح أحذية... كان محمد منذ سنين يقف فى الشوارع وفى المقاهى ليمسح أحذية المارة وعابرى السبيل. ولكن بمرور الوقت, غير محمد مهنته لأنه أيقن أن رواد المقاهى والموظفين وعابرى السبيل إن وجد السبيل ليس لديهم ما يدفعونه له مقابل مسح أحذيتهم... بل إن معظمهم بلا أحذية, حفاة... أرجلهم سميكة وخشنة تشبه أخفاف الجمال... بل إن أكثرهم بلا ثياب, عراة, دون أى زينة بلهاء تغطى أجسادهم البالية... فهم لا يشعرون لا بالحر ولا بالبرد... ولا بأى شىء آخر... لا يشعرون بالخجل من مشيهم عراة... و طبعًا السؤال عن أى نشوة أو رغبة جنسية ناتجة عن هذا العرى, هو درب من دروب العبث... فقد ماتت الحياة بداخلهم وشيعت جنازة الأحاسيس والمشاعر.

لذلك فقد قرر محمد أن يغير من طبيعة عمله... فبدا له أن يذهب إلى المسئولين وعلية القوم و(الكُبّارات) كما اعتاد أن يلقبهم... هندم نفسه وحمل عدته وتوجه ذاهبًا إلى أحدهم, وكان صاحب عز وجاه, ملابسه مرصعة بأشياء تلمع يلقبونها بالمجوهرات... عيناه مفتوحتان, وهو أغرب ما فى الأمر... فلم ير محمد أحدًا وعيناه مفتوحتان منذ سنين.

ألقى محمد بجسده الهزيل على الأرض, مادًّا فمه ليقبل حذاء السيد اللامع... وبدأ يحكى له وهو متمدد على الأرض حكايته منذ أن كان ماسحًا للأحذية، وكيف أصبحت وظيفته بلا زبائن حتى جاءه آملاً أن يجعله ماسح أحذيته الخاص.

ضحك السيد ضحكة (تمثيلية) مثل ضحكة الشرير فى الأفلام الأبيض والأسود, وقال له والسيجار محشور فى فمه:

يا أبله, هل عمرك رأيت حذائى متربًا فى أى صورة صحفية أو فى أى لقاء تليفزيونى؟؟ أنا إذا اتسخ حذائى هذا, ألقيه من الشباك وسوف يجيئون فى الحال بأفضل منه... أنا لا أشغل بالى بتلك التفاهات... لا مكان لك عندى.

وركله بحذائه اللامع فى وجهه حتى أنه أصاب أنفه وأسال منه نقطة دم - مما تبقى له من دم - على أرضية المكتب.

يا غبى, ألم يعلمك أهلك أو أيا كان من رباك, ألم يعلموك أن تتحكم فى نفسك وتمنع دماءك من الهطول هكذا على أرضية مكتبى أنا وتصيبه بالاتساخ؟ اخرج سريعًا قبل أن أخرجك محمولاً أو أن أدفنك مكانك.

فتوجه محمد ناحية الباب زاحفًا سريعًا, خائفًا أن تسقط منه قطرة دم أخرى وتكون نهاية عمره. ثم عاد السيد وناداه وهو مازال ناحية الباب:

يا هذا... لقد وجدت لك مهنة عندى.

فتبسم محمد وتوجه إليه بجسده منفرجة أساريره وكاد أن يفتح فمه معبرا عن فرحته إلا أن السيد لم يمهله أن يتكلم قائلا:

ستجيئنى هنا كل يوم... تجلس راكعًا تحت قدمى... كأنك تعبدنى... أو لعلك ستعبدنى بالفعل... تلحس التراب, بل الهواء, من على سطح حذائى الناعم... تقبل قدمى أمام الغرباء... أريح قدمى على رأسك عند اللزوم... أضربك حين أكون عصبيًّا... أقتلك إن أردت... ثم ألقى لك بعض القروش فى نهاية اليوم, تجرى وراءها زاحفًا على الأرض, تلملمها بفمك... أعرف أنك لا تستحق تلك النعمة ولكنى سأنعم عليك بهذه الوظيفة العظيمة.

لم يعلم محمد ماذا يفعل ولكنه أيقن أنه لا مفر من أن يأتيه صباحًا كما أمر, وقد كان. وأصبح محمد يتردد على مكتب السيد يوميًا يلبى له أوامره.

وها هو محمد ذاهب إلى عمله, ظهره محنى وعيناه لا تستطيعان تحديد مكانيهما بالضبط بين ملامح وجهه... دخل محمد إلى مكتب السيد زاحفًا كما هى العادة وقبل قدميه وركع له ونظف حذاءه بلسانه، ثم أمره السيد أن يعتدل فى نومته على الأرض حتى يتمكن من إسناد قدميه على رقبته.

فامتثل محمد لأوامر سيده ونام كما أمر وأسند السيد قدميه على رقبة محمد. ولكن يبدو أن السيد استرخى أكثر من اللازم أو ما شابه فكسر عظمة برقبة محمد... فمات... مات وهو مطأطئ الرأس, ملصقًا إياه بالأرض, تحت أرجل السيد.

اكتشف السيد أن عبده قد مات, لم ينتبه إلى ذلك كثيرًا ونادى على أحد الخدم وقال له: «لقد مات محمد»... فأجاب الخادم دون تأثر واضح: «هل نأخذه وندفنه فى أى مكان؟؟»...

لا داعى لهذا... فقط احفروا له حفرة صغيرة تحت مكانه هذا وألقوه فيها وأغلقوها عليه... حتى يقضى بقية الزمن خاضعًا هنا تحت قدمى. آه... ولا تنسوا أن تأتونى ببديل عنه... لقد كان مريحًا حقَّا.

ملحق:

يشاع أن أحدهم قد انتفض من تحت الأقدام وقتل السيد... ولكن لا أحد يعلم هل حدث هذا فعلا أم لا.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقتطفات من مجلة العربى .. العدد السبت 1 مايو 2010 18/5/1431هـ / العدد 618   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالخميس 10 يونيو 2010, 11:55 pm



مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 260983



الإبداع وسياسة الرقمنة.. د. أحمد أبوزيد


تعتبر المعرفة الرقمية الآن واحدة من أبرز خصائص المجتمع المعاصر ووسيلة فعالة في تحقيق تطلعاته إلى المستقبل عن طريق استخدام التكنولوجيات الإلكترونية المتقدمة، وبوجه أخص الكمبيوتر والإنترنت, مما يؤدى إلى حدوث تغيرات واضحة ليس فقط في إمكانات التواصل وتداول المعلومات, ولكن أيضا في منظومة القيم المتوارثة والعلاقات بين الناس. ومع تعقد الحياة وتشعب متطلباتها تزداد الحاجة إلى الاستفادة من قوى الإنسان الإبداعية وتنميتها للتغلب على الصعوبات الناجمة عن هذه الأوضاع المعقدة التي لم يكن له يدٌ في حدوثها، مما يعني ضمنا اتساع مفهوم الإبداع, بحيث لم يعد مقصوراً على مجالات النشاط الفكري والثقافي, وإنما يمتد إلى كثير من جوانب الحياة اليومية ومواجهة الاحتياجات المادية.

تتيح تكنولوجيا الشبكات الرقمية الفرصة لارتياد مجالات علمية وثقافية كثيرة وشديدة التنوع، وكثيرا ماتكون متضاربة بل ومتناقضة فيما بينها، ولكن هناك أجيالا جديدة تعرف كيف تتعامل بتلقائية شديدة مع هذه الثقافة الرقمية التي تؤلف جزءا من تكوينهم الذهني وسلوكهم الطبيعي، بحيث يطلق عليهم في بعض الكتابات اسم «الناس الرقميين» أو Digital Natives الذين ولدوا وترعرعوا وشبّوا في هذا العالم الرقمي واندمجوا فيه بكل كيانهم، وإن كانت هناك اتجاهات مضادة لاتنظر بعين الارتياح إلى ذلك الاندماج الذي يكاد يصل إلى حد التوحد الذي يسلب الفرد شخصيته وكيانه المتميز.

ففى كتابه الشهير The Act of Creation الذي صدر بالإنجليزية عام 1964 يقول آرتور كويستلرArtur Koestler إن «الإنسان خلاّق ومبدع بطبعه ولكن قواعد السلوك ومبادئ التفكير السائدة في المجتمع كثيرا ماتفرض قيودا تحد من انطلاق تلك الملكات والقدرات». فالإبداع عملية ذهنية واجتماعية في وقت واحد ولكنها تتضمن تصورات وأفكارا تعبر عن رؤية ثورية غير مسبوقة، وتعتمد على صياغات جديدة تماما للأشياء. وقد تكون هناك جوانب غريزية أو فطرية أصيلة في التكوين الذهني للإنسان المبدع.. ولكن لابد من وجود عناصر خارجية في العالم المحيط به تؤلف مادة هذا الإبداع.

ولقد كانت الثقافة والإبداع مرتبطين منذ أقدم العصور بالتطورات التكنولوجية التي حققها المجتمع في كل عصر من تلك العصور. فالرسوم والتصاوير الجدارية في كهوف العصر الحجري مثلا لم تكن لتتم لولا توافر العناصر والمكونات المادية والأدوات والآلات التي استخدمها الإنسان المبكر في إنجاز عمله، وذلك إلى جانب امتلاكه هو نفسه للقدرة الإبداعية الفنية من ناحية، ووجود الإنسان المتلقى الذي يدرك معنى تلك الرسوم ويستمتع جماليا بها من ناحية أخرى. وقد أدت الثورة التكنولوجية الرقمية في أواخر القرن العشرين إلى قيام نماذج جديدة ومعقدة من الإبداع الذي بلغ ذروته في العقود الثلاثة الأخيرة. وقد أتاحت هذه الثورة مجالات واسعة جدا للتجديد والابتكار والاستفادة من العناصر المادية والفكرية المتاحة في الإنتاج المبتكر وتداوله ونشره والدعوة إلى المشاركة فيه عن طريق التذوق والتقييم والتعديل أوالإضافة إليه. وساعد ذلك على الكشف عن المواهب الدفينة لدى أشخاص لم تكن لديهم في الأغلب مثل هذه الفرص أو الإمكانات من قبل، فالتكنولوجيا الرقمية تتيح كل الإمكانات أمام الفرد للاتصال بالعالم الواسع الفسيح والتعرّف على مايدور فيه من أحداث وأفكار وإنجازات علمية وأدبية وفنية, وتترك له المجال واسعاً للاستفادة منها وحرية التعامل معها سواء بالاستعارة الصريحة، أو بالمزج بين أشكالها المختلفة، أو إعادة ترتيب عناصرها وتشكيلها وصياغتها في نماذج جديدة. ولذا فقد يكون من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه الوضع بالنسبة للإبداع في المستقبل. وعلى أية حال فإن استخدام هذه التكنولوجيات الرقمية الحديثة يؤدى إلى اتساع نطاق مصادر المعرفة وتبادل المعلومات والتأثر والتأثير المتبادل بين الثقافات وإلى تذليل الصعوبات، وإتاحة الفرصة للكثيرين في إنتاج أشكال جديدة وأعمال مبتكرة من الأدب والفن وبخاصة في مجال التصوير والموسيقى بطريقة تلقائية بعيداً عن القيود والقواعد والإرشادات المتزمتة, كما يعمل على توسيع الخيال وفتح مجالات عدة ومتنوعة للابتكار عن طريق التفاعل بين الإنسان والأجهزة وتسخيرها في تحقيق هذه الإبداعات، مع إمكان الاحتفاظ بنسخ منها ونشرها وتبادلها على أوسع نطاق. ومن شأن ذلك توسيع دائرة المهتمين بالإبداع في مختلف صوره وأشكاله ومجالاته مع تنمية ملكة التذوق والتقدير والنقد وتشجيع العديدين على ارتياد مجال الإبداع الشخصي في الفن والكتابة.

مبالغة وإدمان ضد الإبداع

وإذا كان هناك مَن يشكو من الآثار السلبية المترتبة على المبالغة في الارتباط بالكمبيوتر إلى حد الإدمان واعتبار ذلك مسئولاً عن تدهور القدرات الذهنية والفكرالمستقل والانقياد وراء الآخرين ومحاكاة إنجازهم وبالتالي تراجع الشخصية الإبداعية لدى الفرد، فإن هناك على الجانب الآخر من يرى أن ذلك الارتباط يساعد على تنشيط التفكير والخيال والإبداع والتوصل إلى اكتشافات وارتيادات مثيرة، كثيراً ماتتحقق عن طريق إعادة تنظيم وترتيب العلاقة بين الأشياء والأفكار والكلمات والألوان والأصوات وما إليها من عناصر الإبدع المتوافرة بالفعل والتي يسهل الحصول عليها من خلال تلك الوسائل الرقمية التي أسهمت في إزالة الفوارق بين ماهو افتراضي أو غير حقيقي وما هو معروف ومألوف ووسّعت المجال أمام التفكير المتسامي عن الواقع المحسوس والمحدود كما أنها تعمل على توسيع نطاق الابتكار وظهورمبتكرين ومبدعين جدد لهم القدرة على مزج أساليب ووسائل التعبير المختلفة في وحدة معقدة ولكن تتكامل فيها عناصر اللغة والرسم والعمارة والموسيقى والنحت وغيرها بشكل تعجز عنه وسائل الإبداع القديمة. ومن الصعب فرض قيود على قوة انتشار الرقمنة و تحديد تأثيراتها أو حصر ذلك التأثير في نطاق محدد يمنع من انتشارها على مستوى العالم. وثمة عبارة طريفة تقول إن محاولة جعل الملفات الرقمية غير قابلة للانتشار بالنقل والنسخ تشبه محاولة جعل الماء خاليا من البلل not wet.

وداعاً للملكات الاستثنائية

وهذا يغير إلى حد كبير الفكرة التقليدية عن الإبداع والأصالة وارتباطهما بقوى وملكات استثنائية لاتتوافر إلا للقلائل، كما يغير النظرة إلى الكمبيوتر والإنترنت واعتبارهما شريكين كاملين في عملية الإبداع وليس مجرد وسيلتين لإنجاز الإبداع. فالتكنولوجيا الرقمية تؤدى إلى تغييرالعلاقة بين الإنسان ومفهوم الإبداع والإنتاج والتوزيع والانتشار وإن كانت تؤدي في الوقت ذاته إلى تراجع معنى الأصالة الفردية وازدياد درجات التشابه بين إنتاج الكثيرين من المبدعين، كما هو واضح الآن في الإنتاج الموسيقي في كثير من دول العالم بما في ذلك عالمنا العربي نتيجة التأثر بإبداعات الآخرين في الثقافات المختلفة التي تنقلها التكنولوجيا الرقمية.

وإذا كان التصور القديم أو السائد لدى الكثيرين أن الإبداع يتطلب حياة العزلة والتباعد والتسامي عن المؤثرات الاجتماعية والترفع عن الانشغال بالمشكلات الحياتية العادية وبالتالي عدم الالتزام بالقيم والمعايير الاجتماعية بل والتحرر منها كليّة فإن هذا التصور بدأ يتراجع وتظهرالدعاوى بضرورة الالتزام بمقومات المجتمع ومبادئه وقيمه، نتيجة لاتساع المفهوم وعدم اقتصاره على الإنجاز والتجديد في مجالات محددة بالذات، فمواقف الحياة اليومية مصدر للإبداع الذي هو, على أية حال, قوة كامنة تحتاج إلى مثير فكري داخلي أو مادي خارجي يدعو إلى التأمل والإحساس به والتجاوب معه والتعبير عنه بالكلام أو الحركة أو الصوت أو اللون أو غير ذلك من الوسائل.

توافر العنصر أو العامل المثير الداخلي أو الخارجي أمر مهم إذن في الإبداع الذي لا ينتج من لاشيء.. ولا يوجد في فضاء لأنه في آخر الأمر نظرة جديدة إلى أمور أو أشياء موجودة فعلا. وتعتمد هذه النظرة الجديدة أو تستوجب إعادة تنظيم العناصر والوحدات المكونة لتلك الأمور أو الأشياء المتاحة، بحيث ينجم عن إعادة التنظيم والتشكيل إنتاج جديد أو إبداع قد يثير الدهشة والإعجاب، نظرا لابتعاده وتميزه عن القديم ومخالفته للمألوف. أي أنه مهما تكن من غرابة الإبداع الجديد أو تفرّده فإنه يستمد عناصره مما هو موجود بالفعل، بل وقد يعتمد في ذلك على إبداع قديم يستمد منه عناصره. والتكنولوجيات الرقمية تتيح ذلك على أوسع نطاق وبغير حدود مما يجعل البعض يقول إن الإبداع الآن يقوم على «القرصنة» - دون أن يكون لهذه الكلمة أية أبعاد تقويمية أو أخلاقية سلبية. وانتشارالتكنولوجيا الرقمية يساعد على انتشار هذه القرصنة. فالمجالات واسعة ومتعددة والثروات الفنية والأدبية وفيرة ومتنوعة والمجال مفتوح ومباح للقراصنة للإغارة والاغتراف بغير حساب.

الإبداع للجميع عبر الرقمنة

ولكن هذا يثير التساؤل عما إذا كانت الوسائل الرقمية توفر العناصر التي تستخدم في الإبداع عن طريق إتاحة الحصول عليها من شبكات الإنترنت الميسورة للجميع بغير قيود أو حدود في أغلب الأحيان, كما تتولى عملية مزج تلك العناصر وإعادة ترتيبها حسب تصورات ذاتية خاصة وصياغتها وتشكيلها في قوالب جديدة يعتبر إبداعا بالمعنى التقليدي الدقيق للكلمة, وذلك بصرف النظر عما يقال عن التغيرات التي طرأت على أبعاد ذلك المفهوم والتوسع في استعمال الكلمة في الحياة اليومية. فهى عن طريق تيسير التعرف والاتصال بإبداعات الآخرين وتسهيل إعادة ترتيب العناصر الفكرية والمادية بغير حدود تساعد على ظهور إبداعات جديدة وإضفاء ملامح وعناصر وسمات شخصية متميزة على الإبداع الجديد. وجزء كبير من الإبداع الفني بالذات يعتمد الآن على الاختيار والانتقاء من أعمال مبدعين آخرين من مختلف أنحاء العالم ومصادر لم يكن الاتصال بها أو حتى مجرد المعرفة بوجودها أمرا ميسورا قبل الثورة الإلكترونية والاتجاه نحو رقمنة المنتجات الثقافية والعمل على تداولها ونشرها على أوسع نطاق.

الواقع أن الكثيرين يرفضون اعتبار هذه الأعمال إبداعاً لافتقارها إلى الأصالة نظرا لأن العناصر المستخدمة في تكوينها وتشكيلها هي من (صنع) وجهد الآخرين. وينطبق هذا الرفض بوجه خاص على مايعرف باسم الموسيقى الرقمية التي يعتمد أصحابها في تأليفها على نغمات (مقتبسة) من أعمال الآخرين والتلاعب في ترتيبها وإعادة توزيعها ومزجها عن طريق الكمبيوتر الذي ينفذ ما يصدر إليه من أوامر بكل دقة وكفاءة يعجز عنها البشر، بل إن هذا يصدق على جانب كبير جدا من الإنتاج العلمي والأدبي والثقافي. فالتكنولوجيا الرقمية تساعد دون قصد على اللجوء إلى (القرصنة) وتتستر عليها - إن صحّ القول - وتخفي معالمها تماما بقدرتها الفائقة على المزج وإعادة الترتيب والتشكيل بحيث يبدو العمل في آخر الأمر كما لو كان إبداعا أصيلا. (وقد سبق لنا أن تعرضنا لهذه المسألة في مقالنا عن «التكنولوجيا والثقافة الرقمية» - مجلة العربي نوفمبر 2008).

والسؤال الثاني الذي تثيره معظم الكتابات التي تتناول دور الرقمنة في الإبداع هو إلى أي حد وكيف يمكن استخدام التكنولوجيا الرقمية في تنمية القدرات الإبداعية، بالرغم مماقد يبدو من تناقض بين هذا التساؤل وما قيل عن رفض الكثيرين اعتبار هذا النوع من الإنتاج إبداعاً؟

الإجابة عن هذا السؤال تقتضي الاحتكام إلى أساليب التربية والتعليم والتنشئة المتبعة في المجتمع. ولكن الملاحظ بوجه عام أنه في المراحل الأولى من نظم التعليم في الخارج يميل الاتجاه نحو ترك الحرية مطلقة أمام الأطفال الصغار في المدارس لاستخدام الكمبيوتر دون قيود على اعتبار أن ذلك يساعد على انطلاق أخيلتهم بغير قيود، والكشف عن إمكاناتهم وقدراتهم على الارتياد وبالتالي تنمية مواهبهم الإبداعية ليس فقط في الفنون، ولكن أيضا في مجال التعبير عن الذات بالكلمات والكتابة. وقد أجريت بعض التجارب حول استخدام التلاميذ الصغار لقوى وإمكانات الإبداع عندهم في الكتابة والموسيقى والرسم، وعلى الرغم من أن هذه البحوث لم تتوصل إلى نتائج قاطعة تماما فإنه يتم الاسترشاد بها في تطوير الاستخدام التربوي والتعليمي للتكنولوجيا الرقمية في وضع المناهج والمقررات الدراسية، حتى في الموضوعات غير الإبداعية أو غير الكمبيوترية. وبالمثل يرى الكثيرون أن ممارسة الألعاب على الكمبيوتر تثري الخيال والقدرة على الإبداع. وكثير من المبدعين في مجال الفنون بالذات يقبلون على تعلم الإلكترونيات والاستعانة بها في إنتاجهم، كما هي الحال بالنسبة للتأليف الموسيقي أو الحيل

ماذا يهدد قوى الإبداع؟

ماذا يهدد قوى الإبداع؟

لذلك تعتبرالقيود المفروضة الآن، والتي تتزايد بشكل غير مسبوق على حرية تداول الأفكار باسم الملكية الفكرية تهديدا لقوى الإبداع في المستقبل. ومهما تكن المبررات الأخلاقية والقانونية والاقتصادية وراء ممارسسة حق الملكية الفكرية على الإنتاج والإبداع الرقمي فالواضح أن القيود المفروضة الآن على تداول الفكر تتعارض مع المبادئ التي تقوم عليها الحضارة الحديثة التي تنادي بحرية التفكير والتعبير ونشر الثقافة وإزالة العقبات التي تعترض الكشف عن المواهب وتنمية القدرات على الإبداع.

ولكن يوجد الآن في كثير من الدول المتقدمة اتجاه متزايد نحو رقمنة الأعمال الثقافية والإبداعية المهمة، والتي تعتبر من المعالم الدّالة على التطور الفكري ورقي الملكات والقوى الإبداعية. وتخصص هذه الدول مبالغ طائلة لتحقيق ذلك الهدف الذي تشارك بعض الدول العربية في العمل على تحقيقه للحفاظ على ذاكرة مجتمعاتها الثقافية وإسهاما منها في نشر المعلومات عن مكانتها التاريخية والحضارية وتبادل المعلومات مع الآخرى. فالتكنولوجيا الرقمية تضفي على الإنتاج الثقافي والحضاري معنى جديدا، خصوصا إذا كان ذلك الإنتاج إنجازاً تراثياً تقليدياً معرّضاً للضياع تحت نظم التدوين والحفظ التقليدية.

كذلك تُعنى بعض الهيئات والمؤسسات الثقافية بنشرالأعمال الكبرى على الشبكات الدولية، وإتاحة الفرصة للنسخ المجاني. وعلى الرغم من الأهمية البالغة لمعظم هذه الأعمال فإنها تنتمي في الأغلب للفئة المعروفة باسم «الأعمال اليتيمة» Orphan Works التي لم تعد خاضعة لقوانين الملكية الفكرية. وتقدر المكتبة البريطانيةBritish Library هذه الأعمال اليتيمة بحوالي أربعين في المائة من كل الإنتاج الثقافي المتاح وهي نسبة غير قليلة وكفيلة بأن تلعب دورا مؤثرا للغاية في تكوين مفكرين ومبدعين جدد طوال الوقت. وعلى أية حال فإنه على الرغم من أن حق الملكية الفكرية أصبح مقبولا بشكل أو بآخر ومعترفا به، فإن هناك في الخارج من لايزال يرى ضرورة وضع حدود على ذلك الحق وقصر العمل به على فترة معينة تختلف الآراء حول تحديدها، ثم إطلاق الحرية بعد ذلك لتداول تلك الأعمال المحظورة وإتاحتها على الشبكة الدولية للتعرف عليها والاستفادة منها في إثراء الفكر والثقافة الإنسانية، وتكوين مفكرين ومبدعين يضيفون إلى التراث الإنساني. ولن يضار المبدعون الأصليون كثيرا من جراء ذلك، لأن معظم المكاسب المادية التي تدرها عليهم أعمالهم تتحقق في السنوات الأولى من ظهور ذلك الإنتاج. ويجب من أجل الازدهار الثقافي والإبداعي ألا ننظر إلى أي عمل على أنه دجاجة تبيض ذهبا إلى مالا نهاية. وقد تكون هذه نظرة مثالية ولكنها جديرة بالتأمل والتفكير.

والمهم على أية حال هو أن العصر الرقمي والاتجاه نحو رقمنة كثير من الإنتاج الفكري والثقافي وما تتيحه هذه الرقمنة من حرية التداول والاستعارة أو «القرصنة» - لو فضّلنا استخدام هذه الكلمة الدقيقة والكاشفة تلقي أضواء جديدة على مفهوم الإبداع القائم على الانتقاء والاختيار والمزج وإعادة الترتيب والخروج بتشكيلات جديدة لعناصر قديمة. ولذا يرى الكثيرون الآن أن مبدأ الملكية الفكرية ليس له معنى، ولم يعد مجدياً تماماً في هذا العصر الرقمي، وأن المبالغة في التمسك به سوف تكون لها نتائج عكسية على الإبداع والابتكار والتجديد، مما يعوق التقدم نحو مستقبل أكثر نجاحاً وازدهاراً.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقتطفات من مجلة العربى .. العدد السبت 1 مايو 2010 18/5/1431هـ / العدد 618   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالجمعة 11 يونيو 2010, 12:21 am



الفضاء على شاشات الكمبيوتر.. إبراهيم فرغلي


قبل نحو عام تقريبا، تناولت هذه الزاوية عددا من المواقع غيرالاعتيادية على شبكة الإنترنت التي أثبتت مدى الفجوة الواسعة بين محتويات الشبكة منالمواقع والمدونات على المستوى العربي مقارنة بالمحتوى المكتوب باللغات اللاتينيةوخصوصا الإنجليزية، وكان من بين ما تناولناه هنا مقتطف من مدونة أول سائحة إلىالفضاء الخارجي وهي الأمريكية الإيرانية أنوشه أنساري، التي كتبت يوميات رحلتها إلىالفضاء الخارجي قبل عدة أعوام.

هذه المدونة هي واحدة فقط من بين عدد كبير جدا من المواقع الأجنبية المهتمة بالفضاء الخارجي، سواء برصد أهم وأحدث اكتشافات علماء الفضاء من خلال رحلات المركبات الفضائية العلمية القريبة من الكواكب الأخرى، أو من خلال رصد المحطات الأرضية للكثير من الظواهر الفضائية، أو من خلال المدونات المهتمة بفنون الخيال العلمي باعتبارها أحد الروافد المهمة التي ألهمت العلماء لاكتشاف العديد من الحقائق العلمية التي حركها الخيال الفني والقصصي. وبينها اليوم ما يعرف باسم محاولات اختراع أول مصعد فضائي، وله العديد من المواقع المهتمة بفكرته ليس في الولايات المتحدة فقط بل وفي أوربا واليابان وغيرهما.

هذا النوع من المواقع في الحقيقة يعد بعيدا تماما عن المحتوى العربي، فعلوم الفضاء بعيدة بشكل كبير عن اهتمامات العرب، والاهتمام الوحيد الموجود، كما تشير بعض المنتديات هو الاهتمام بإعجاز القرآن في إثبات بعض الظواهر الطبيعية.

هذه المواقع تقدم نوعا مختلفا تماما عن الكثير من المواقع الإلكترونية الأخرى لأنها تفتح الباب على أفق آخر مختلف ومدهش وفريد من نوعه، فبالإضافة للجانب المعلوماتي عن الكواكب والنجوم والمجرات واحتمالات الحياة في تلك المجرات ووجود كائنات أخرى تعيش فيها، والأجرام السماوية وقوانين الجاذبية والثقوب السوداء ومعنى الزمن وغيرها من الأفكار المتعلقة بموضوع الفضاء الخارجي، وهي جميعا موضوعات مشوقة، لكن تجاورها آفاق أخرى تتعلق مثلا بالأفكار الخيالية التي تبدو عجائبية مثل فكرة ابتكار مصعد فضائي الذي يعتبر نوعا من الأحلام لكنه موضوع دراسة واهتمام كبير في الغرب الآن.

كما أن الموضوع له أبعاد أخرى سياسية وبينها فكرة حقوق السيطرة على الفضاء، فلا شك أن الدول التي تنفق بليارات الدولارات لأجل البحث وتوفير المعدات والبشر لارتياد الفضاء تتصور أن لها حقوقا كبيرة في حالة الوصول إلى أية بقعة في الفضاء، وما يستتبعه ذلك من افتراضات احتمالية السيطرة على كواكب أخرى إذا افترضت إمكان إيجاد بقعة أخرى في الفضاء قابلة للحياة البشرية.

إضافة إلى إمكانات إيجاد بدائل للطاقة اللازمة لدفع الصواريخ والمركبات الفضائية خارج حدود الجاذبية في الفضاء الخارجي لأبعد مدى ممكن، وحل المشكلات التي تواجه تلك المركبات خلال رحلاتها الطويلة في الفضاء الخارجي، وتدريب الكوادر التي يمكنها احتمال الظروف غير الطبيعية التي تقتضيها الحياة في تلك المركبات، وغير ذلك من تفاصيل.

ثم هناك جوانب إنسانية شديدة الدقة تتعلق بحياة البشر من رواد الفضاء، وأفكارهم حول مهماتهم وظروف حياتهم، وهو ما يمكن أن نراه بشكل أكثر إنسانية من خلال تجربة الإيرانية أنوشه أنساري التي كتبت يومياتها في الفضاء ووصفتها وصفا بديعا وقدمت تجربة دونتها في مدونة خاصة عنوانها هو
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]


وفيما يلي بعض المواقع التي يمكن التعرف منها على الكثير عما يحدث في الفضاء الخارجي، وفي مجال الأبحاث الخاصة بالفضاء.

أن تشاهد العالم يدور أمامك!

أعتقد بشكل شخصي أن مدونة أنوشه أنساري، حول تجربتها في كتابة يومياتها في الفضاء تعد واحدة من أكثر المدونات إمتاعا وثراء وعمقا، ليس فقط لأنها تقدم تجربة مختلفة وثرية حول مشاهدة الأرض من الفضاء، أو لكونها رحلة استثنائية لأول امرأة قررت أن تقوم برحلة سياحية للفضاء، لكن أيضا للطابع الإنساني العميق لهذه المدونات من خلال خبرة المدونة ووصفها الإنساني لمشاعرها وهي تراقب تلك الكرة الزرقاء الجميلة وهي تدور من بعيد، فتبدو مجرد لوحة من الجمال الخالص بلا حروب ولا فقر ولا مجاعات ولاكوارث، ولا قتل أو دمار.

ففي يوميات أنساري حين تقدم وصفا تفصيليا لهذه المشاهد للفضاء الخارجي، تذكرنا ملاحظاتها بأن فكرة العولمة تقتضي اليوم أكثر من أي وقت مضى النظر لمشكلات كوكبنا من هذا المنظور الكلي لعالم واحد يبدو فاتنا من البعد، كأن جماله الخالص يتحقق في وحدته هذه بعيدا عن الأفكار الجزئية وما ينبثق عنها من تجزيئات تقوم على الحدود الجغرافية القومية ثم العقيدية والمذهبية، والعرقية، ثم الطائفية والعشائرية والقبائلية إلخ.

كأنها تقدم رسالة بالغة الأهمية تشير إلى أن مفاتيح الدمار البشري تحفزها هذه الاختلافات المصطنعة التي صنعتها البشرية على مدى تاريخها تحت دعاوى عديدة وغذتها بقوة التقاليد والأعراق وأحاطتها بهالات القداسة وصنعت أسلحة الدمار الشامل لحمايتها كتهديد مستمر لأي فكرة تنزع لتوحيد الكائنات البشرية التي تعيش في عالم واحد.

أقرأ المدونة وأتأمل حياتنا بكل صغائرها ومصاعبها وأزماتها، وأتأمل حياتي، وأتذكر الكثير من الصغائر التي يمر بها الفرد منا، بل وأمر بها، واضطر بسببها لممارسة رد فعل غبي أو ضيق الأفق، وأتأمل مدى ضيق الأفق البشري في الالتصاق بذاته وما يولده هذه الالتصاق بالذات من تكبير لأفكار بالغة الضيق والصغر. وأفيض امتنانا لأنوشه التي تقدم درسا بليغا في كشف الزيف الذي نحياه جميعا باسم مسميات وتقاليد وأعراف ومنظومات اجتماعية تخترقنا في العمق ولا تمنحنا الفرصة لنفكر فيها ونتدبرها.

إعدادات أساسية

في يوميات أنساري تبدأ من بداية اقتناعها بالفكرة وقرارها بالسفر في رحلة سياحية للفضاء الخارجي، بكل ما يحيط بهذا القرار من ظروف، مع توافر الإمكانات التي مكنتها من اتخاذ هذا القرار، لكن الأهم هو تأكدها من قدرتها البدنية والنفسية لاجتياز هذه المغامرة، ثم تمر على تفاصيل الإعداد البدني التي مرت بها لكي تتأهل لمواجهة الظروف غير الاعتيادية التي سوف تمر بها من تغير في ظروف الضغط الجوي والسفر بسرعات كبيرة جدا، وصولا إلى منطقة انعدام الجاذبية وتأثير هذه التغيرات على أجهزة الجسم وكيفية التعامل معها، والطريقة التي ستعيش بها خلال تلك الفترة في كبسولة خاصة للجلوس والنوم والطريقة التي ستتناول بها طعامها وغيرها.

كما تقدم تفاصيل كثيرة عن يوم الإطلاق والإثارة التي كانت تشعر بها، والإعدادات التي مرت بها مع الفريق المكون منها مع شخصين آخرين، قبل الدخول لمركبة الفضاء واتخاذ الأماكن المخصصة لهم، ووصف حركة الصاروخ والانطلاق وصولا لمرحلة انعدام الجاذبية ووصف ذلك الشعور المدهش بالخفة التي تجعل أي فرد يتعرض لها ترتسم على وجهه ابتسامة طفولية تلقائية مبهورا من فكرة الخفة، والسباحة داخل المركبة بدلا من الطريقة التقليدية التي اعتاد عليها كوسيلة للحركة وهي المشي، وهو ما يمنح الإنسان فكرة باهرة عن إمكانات أخرى كثيرة للحياة بغير الطريقة الوحيدة التي عرفها ونشأ عليها.

تتعرض للإعياء الشديد الذي مرت به أيضا نتيجة لهذه الاختلافات في الظروف عما يعتاده الجسم رغم كل التجهيزات التي استغرقت أسابيع، وكيفية مواجهتها.

وهناك الكثير من المشاهد الحساسة التي تقدمها أنوشه أنساري بوصفها للنجوم والفضاء، لحركة الأرض التي تبدو من المركبة وكأنها تتحرك عكس الاتجاه الذي تتحرك فيه المركبة، وهذا ما يصوره وعي الفرد، بينما الحقيقة أن المركبة تدور حول الأرض في اتجاه حركتها نفسه، بينما يحدث ذلك بسرعة تفوق سرعة دوران الأرض 20 مرة وهو ما يسبب الانطباع بأن الارض تدور في الاتجاه العكسي!

كائن عالمي

كما تشرع في البكاء عندما تلوح لها الأرض لأول مرة من بعيد ككرة زرقاء جميلة، بلا كوارث ولا دمار أو قتل، وينتابها شعور غريب بأنها كائن إنساني عالمي ينتمي لتلك الكتلة الزرقاء بلا قومية خاصة أو عقيدة مميزة.

كما تصف، في يومية من اليوميات، الكون في الليل، حيث تتناثر ملايين النجوم من حولها فتبدو ككويرات ذهبية تفترش مساحة شاسعة من المخمل الأسود، أو كيف ترى العواصف فوق الأرض كأطياف قزحية تطفو فوق الكرة الزرقاء.

كما أنها خلال ساعات من التحديق في الكون خارج المركبة الفضائية تصف تعاقب الضوء والظلام حسب مسار المركبة وحسب حركة الارض أمام الشمس أو خلفها. كما تصف بدقة مراحل العودة للأرض، تغير مواعيد النوم، الإعدادات، الأكل بحساب، لأن رحلة العودة تقتضي البقاء في كبسولتها بلا حركة لمدة ثماني ساعات، المشاعر المضطربة، الدخول إلى الغلاف الجوي والإحساس بالحرارة، ثم بدأ الإحساس بالضغط الذي تمثله بإحساسها بأن فيلاً يرقد على صدرها، وان أكتافها كأنها دقت بعنف حيث ترقد، وكيف أنها كانت تدعو لاهثة أن تتمكن من الاحتمال قبل أن تموت، وصولا لمرحلة تخف فيها سرعة المركبة حتى يتماثل الجميع لنوع من الشعور الاعتيادي مرة أخرى.

بإمكانكم متابعة هذه اليوميات المستفيضة عبر الموقع الإلكتروني، ومع الأسف لم تترجم سوى للفارسية حتى الآن، لكنها موجودة بالإنجليزية لمن يرغب، على هذا الموقع:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]


المصعد الفضائي

تبدو فكرة المصعد الفضائي واحدة من أفكار الكارتون والرسوم المتحركة، المستلهمة من قصص الخيال العلمي، لكنها على أرض الواقع تحظى باهتمام بحثي كبير، من خلال اهتمام العلماء المتخصصين في الفضاء، ووكالات الفضاء، ليس في الولايات المتحدة فقط، بل وفي بعض الدول الأخرى المهتمة بالفضاء وعلومه وبينها اليابان، وهو ما ترصده مواقع متخصصة في الموضوع لكنها متوافرة فقط باللغة اليابانية.

ومن بين العديد من المواقع المهتمة بهذا الموضوع أنشأ تيد سيمون، وهو مهندس كمبيوتر متقاعد، موقعا بعنوان المصعد الفضائي أو The Space Elevator، يهتم بتجميع أي مادة منشورة حول الموضوع في أي مجلة علمية أو مقابلة صحفية أو تلفزيونية، ليبثها في هذا الموقع الإلكتروني وعنوانه:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]


يعرض الموقع بين ما يعرض تقريرا عن فيلم تلفزيوني من الصور المتحركة أنتجته اليابان حول المصعد الفضائي، متاح بترجمة للإنجليزية، ومقابلة تلفزيونية مع أحد علماء الفضاء الذين يتناولون أشكاليات ابتكار مصعد فضائي، فيما يتعلق بالمراحل المتعددة للفضاء (داخل الغلاف الجوي، وخارجه).

كما يعرض تقريرا لاجتماع مشترك بين إحدى اللجان البحثية من وكالة ناسا للفضاء وبين المسئولين عن إنتاج إحدى المسابقات الإلكترونية التي تستلهم فكرة مصد الفضاء.

ويضع نص مسابقة أنشئت في شهر مارس 2010 الماضي لأفضل تصميم لمصعد فضائي، والتي أنشأتها المؤسسة الدولية لبحوث مصاعد الفضاء، تتعلق بتقديم أفضل بحث حول تصميم يتلافى جميع المعوقات المتوقعة في الفضاء، وبحث المواد المناسبة للتصميم.

ولمن يرغب أن يشاهد تصورا دقيقا للفكرة بإمكانه مشاهدة فيلم مصور، لمعرض فنان أمريكي هو فرانك تشيس،Franck Chase، يقدم فيه تصويرا باستخدام الجرافيك لتصميمات مختلفة عن المصعد الفضائي.

هذا الموقع يقدم درسا بليغا في يقين الفرد صاحب التفكير العلمي بأن كل ما هو موجود في خيالنا البشري قابل للتحقق على الأرض، تماما كما كان يقين الإنسان بقدرته على التحليق في الفضاء والذي كان مجرد حلم خيالي يصلح فقط للحكايات الخرافية، لكنه اليوم أصبح واقعا، تماما كما هو يقين البشر اليوم، بل هو موضوع للتنافس في من يمكن أن ينفذه أولا، والذي تتوقع بعض البرامج الوثائقية التي تبثها قناة ديسكوفلاي، أن يكون أحد إنجازات البشرية بحلول العام 2050.

العالم الجديد

هناك العديد من الدوريات العلمية المتخصصة في العلوم، وبينها مجلة New Scientist، التي تصدر باللغة الإنجليزية، وهي تخصص موقعا على الإنترنت لمدونة تختص فقط بتجميع المواد العلمية المتعلقة بعلوم الفضاء وأحدث الاختبارات التي تقوم بها وكالات الفضاء في بحوث الفضاء، وأهم الأحداث العلمية ذات الصلة.

تتنوع المادة المشوقة التي يقدمها هذا الموقع
ww.newscientist.com/blog/space


ما بين الاكتشافات العلمية المحضة كما هو شأن التحليلات الخاصة بجهاز «سيرن» الجديد في سويسرا الذي يشهد أول محاولة لتوليد طاقة تماثل الانفجار الهائل الذي عرف باسم الانفجار الكبير، والذي يعتقد العلماء أنه تسبب في تكون الكون، مرورا بأحدث الرحلات المكوكية الاستكشافية للمريخ، أو حول الإجراءات الاحتياطية التي تتخذها وكالة ناسا بوضع حدود للمدى الزمني لعمل فرق رواد الفضاء الذين يعملون على متن المركبات المكوكية التي تقوم بأعمال استكشافية في الفضاء لضمان المحافظة على اللياقة البدنية والنفسية والصحية الواجب أن يتمتع بها رائد الفضاء. ومن جهة أخرى الكشف عن خطط ناسا في إحلال مركبات فضائية جديدة محل المركبات التي تتعرض للتقادم أو تفقد الشروط القياسية المناسبة لاستمرار قدراتها على الدوران حول الأرض في الفضاء الخارجي، والميزانية الباهظة التي تتكلفها مثل هذه الخطط، ما يقدم لنا رصدا مهما للأهمية الكبيرة التي توليها الدول المتقدمة للبحث العلمي بكل ألوانه.

كما يوجد على الموقع ذاته عدد من التقارير الإخبارية والتحليلية حول البرنامج الانتخابي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، وما تضمنه من رؤى حول مستقبل البحث العلمي في الولايات المتحدة والدعم الذي خططه لهذا المجال كواحد من الوعود الانتخابية التي كان لها أثر في حصوله على الشعبية اللازمة لوصوله للبيت الأبيض.

السمة المهمة التي يتمتع بها هذا الموقع هو قدرته على الربط بين الواقع اليومي والعلم من جهة، وبين تبسيط العلوم ونزعها من إطارها المجرد لإيجادها في متناول وعي القاريء المهتم بالعلوم.

هذا المحتوى الافتراضي يقدم جولات مدهشة للفضاء الخارجي وكل ما يتعلق به بشكل شديد التخصص والابتكار معا.

ناسا.. وكالة فضاء بحجم دولة

تعد وكالة الفضاء الأمريكية ناسا Nasa واحدة من أشهر وأهم وكالات الفضاء العالمية التي تعمل في مجال بحوث واستكشافات الفضاء، والتي تتبع الحكومة الأمريكية، واسمها اختصار National Aeronautics and Space Administration، وترجمتها: الإدارة الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء والتي أنشئت في العام 1958، في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق آيزنهاور، كوكالة مسئولة عن تخطيط وتنفيذ برامج الفضاء ذات الطابع المدني، لكن تخصصاتها تتفرع إلى مهام مدنية وعلمية وعسكرية واستكشافية.

وقد جاء القرار الأمريكي بإنشاء هذه الوكالة في إطار التنافس الأمريكي السوفييتي في الخروج للفضاء الذي كان أحد مظاهر مرحلة الحرب الباردة التي خلفت الحرب العالمية الثانية والتي تكللت ببروز كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق كقوتين عظميين في العالم.

فعقب إطلاق الاتحاد السوفييتي لسبوتنك-1 في 4 أكتوبر من العام 1957، هذا القمر الذي كان أول قمر صناعي مصنوع بيدي الإنسان. اتجهت الولايات المتحدة لتجد نفسها متأخرة في هذا المجال. أفزع الكونجرس الأمريكي وجود خطر يهدد ريادة الولايات المتحدة التقنية حيث إن إطلاق سبوتنك-1 للفضاء سمي لدى الأمريكيين بـ «صدمة سبوتنك». برنامج Mercury الذي ابتدأ في عام 1958م، جعل وكالة ناسا تقترب من التوصل إلى إمكان سفر الإنسان إلى الفضاء بواسطة مهمات مصممة لمعرفة إن كان بمقدور الإنسان أن ينجو ويعيش في الفضاء. تم اختيار ممثلين من الجيش الأمريكي وطُلبوا لتقديم المساعدة لمجموعة مهمات ناسا الفضائية من خلال التنسيق مع أبحاث جيش الولايات المتحدة الموجودة أصلاً والبنية التحتية الدفاعية للولايات المتحدة، والعون التقني الناتج من الطائرات الاختبارية في الخمسينيات. في 5 مايو 1961م أصبح رائد الفضاء Alan B. Shepard Jr أول أمريكي في الفضاء عندما قاد مركبة Freedom 7 لمدة 15 دقيقة من الطيران في الفضاء. أما John Glenn فقد أصبح أول أمريكي يدور حول الأرض في 20 فبراير عام 1962م أثناء رحلة طيران مدتها خمس ساعات على متن مركبة Friendship 7.

في الوقت الذي أثبت فيه برنامج Mercury أن رحلات البشر إلى الفضاء ممكنة. فإن مشروع Gemini تم إطلاقه لإجراء تجارب ولحل مشكلات متعلقة بمهمة محتملة إلى القمر. أول رحلة لمشروع Gemini حاملة رواد فضاء كانت مهمة بدأت في 23 مارس عام 1965م. وتبع هذه المهمة تسع مهمات أخرى، لتظهر أن رحلات الفضاء البشرية طويلة الأمد من الممكن تنفيذها، وأن من الممكن التقاء مركبتي فضاء وربطهما-وصلهما- معاً، كما جمعت هذه المهمات بيانات طبية حول تأثير انعدام الوزن على صحة الإنسان.

واليوم تقوم الوكالة بعدد كبير من أنشطة البحث والكشوف على متن عدد من المكوكات والتي يمكن القراءة عنها بشكل تفصيلي على الموقع الإلكتروني للوكالة:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]




مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Media_93873_TMB

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Media_93874_TMB
أنساري في خلال فترة الإعداد للانطلاق إلى الفضاء]
مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Media_93875_TMB


مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Media_93876_TMB

المصعد الفضائى
مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Media_93877_TMB

شروق الشمس كما يبدو من الفضاء الخارجى




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: مقتطفات من مجلة العربى ... الثلاثاء 1 يونيو 2010 19/6/1431هـ / العدد 619    مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالأربعاء 23 يونيو 2010, 12:22 pm


الطاقة المظلمة.. طاقة مجهولة تحكم الكون!






تفاجأ العلماء سنة 1998 باكتشاف علمي غير متوقع غيَّر نظرتنا للكون، هذا الاكتشاف هو أن الكون يتسارع في تمدده. إن السبب في المفاجأة أنه كانت النظرة للتمدد في الكون أنه سيتباطأ وبعدها سينكمش الكون على نفسه ولكن هذا الاكتشاف جاء ليغير الأمور ويرجع العلماء إلى المربع الأول في معرفة الكون.



واجهت العلماء مشكلة تفسير هذه الظاهرة والمشكلة الثانية هي ما الذي يسبب هذا التسارع؟ أخيرا قالوا إن هناك طاقة تسبب هذا التمدد المتسارع! لكن ما هي هذه الطاقة؟ أسموها الطاقة المظلمة! لماذا أطلقوا عليها هذه التسمية الغريبة؟ السبب بسيط أنهم لا يعرفونها! بعد مرور أكثر من عقد من الزمان ما زال العلماء في حيرة من هذا المجهول، والمشكلة أنه تبين لهم أن هذا المجهول يُشكل أغلبية الكون! كل هذا المجهول ونحن على أبواب القرن الواحد والعشرين وبعد كل هذا التطور الهائل في الإمكانيات العلمية والتكنولوجية التي يملكها الإنسان في عصرنا وما زلنا في ألف باء معرفة الكون؟! إنها الأسرار وما أكثرها في الكون!



صورة تقريبية لمفاجأة الطاقة المظلمة



ماذا لو أردت معرفة عدد المنازل في منطقة في منتصف الليل وأنت لا تتمكن من مغادرة مكانك؟



المكان مظلم وأنت محدد في المكان الذي تراقب فيه المنازل فتتوقع أن عدد المصابيح التي تضيء من المنازل تعطيك فكرة عن عدد المنازل. بناء على هذا تقدر عدد المنازل على أساس أنه أقرب إلى العدد الحقيقي، ولكن تفاجأ عند النهار أن المنازل التي كانت مضاءة كانت لا تمثل إلا عددا بسيطا جدا من عدد المنازل الحقيقية في المنطقة!



هذا ما حدث بالنسبة للعلماء عندما عرفوا أنهم قد جهلوا أكثر الكون بسبب اعتمادهم على أن المادة العادية هي المكون الأساسي للكون بينما عرفوا بعد ذلك أن المادة العادية ما هي إلا جزء بسيط من الكون. أيضا توقع العلماء أنه بعد تمدد الكون لمدة أكثر من 13 ألف مليون سنة لابد أن يرجع لينكمش على نفسه بسبب قوة الجاذبية بين المادة في الكون لكن الذي تم اكتشافه أن الكون، في تمدد متسارع كان عكس ما توقعه العلماء. كمثال لتوضيح الفكرة تصور انك رميت كرة إلى الأعلى فإنك تتوقع بعد فترة قصيرة أن ترجع الكرة إليك بسبب الجاذبية ولكنك تفاجأ بأن الكرة زادت من سرعتها وانطلقت في السماء! كذلك الكون كان المتوقع بعد فترة من التمدد أن ينكمش ولكن المفاجأة أن التمدد فاق المتوقع مثل الكرة التي انطلقت في السماء على غير ما يتوقعه أحدنا.



كيف يمكن حل هذه المشكلة المعقدة؟



الذي يحل مشكلة الطاقة المظلمة لاشك أنه سيحصل على جائزة نوبل في الفيزياء فاكتشاف المجهول يتطلب الكثير من الوقت والصبر وأفكارا جديدة، ومن الممكن أن يأتي حل مشكلة الطاقة المظلمة من طرفين حسب الظاهر لا علاقة بينهما ولكن الحقيقة أن هناك علاقة قوية بين هذين الطرفين. الطرف الأول دراسة الجسيمات الأولية أي الجسيمات على مستوى أصغر من حجم الذرة ويتم البحث عن هذه الجسيمات باستخدام المسرعات (مثل ما هو موجود في مختبر فيرمي في الولايات المتحدة أو الموجود في مختبر سيرن على الحدود السويسرية الفرنسية وغيرها في دول أخرى). أما الطرف الثاني فهو البحث في هذا الكون الواسع باستخدام التلسكوبات الفضائية والأرضية. إنها من عجائب هذا الخلق أنه لكي تعرف الكون بهذا الحجم الضخم يجب أن تعرف ما هو أصغر من الذرة! إن التقاء هذين الطرفين في حل مشكلة الطاقة المظلمة يفتح على الإنسان معرفة المزيد من أسرار الكون، وليس بعيدا أن تولد ثورة في معرفتنا عن الكون والمادة كما حدثت ثورة في معرفة المادة في بدايات القرن العشرين من نظرية نسبية آينشتين وميكانيكا الكم.



في مقال بمجلة العربي عدد سبتمبر 2009 بعنوان «المادة المظلمة- أحد أسرار الكون التي لم تُكشف بعد» ذُكر أنه تم معرفة مكونات الكون بدقة من نتائج التلسكوب الفضائي دبليو ماب WMAP والذي أطلق سنة 2001. موضوع هذا العدد هو الطاقة المظلمة المكون الأكبر لمكونات الكون كما تبين من نتائج دراسة دبليو ماب. إن المخفي من الكون عن أعيننا هو أكبر بكثير مما نراه وكذلك عن أنفسنا إن وجدنا التلسكوب المناسب لننظر في أعماقنا فالأسرار محاطة بالإنسان من كل جانب وما نعلم إلا القليل القليل!



أهمية معرفة الطاقة المظلمة



مكونات الكون ثلاثة: مادة عادية ومادة مظلمة وطاقة مظلمة، ومن هذه التقسيمة للكون الذي يعرفه الإنسان في القرن الواحد والعشرين بعد كل هذا الجهد من الإنسان خلال تاريخه الطويل هو أقل من الـ 5% من الكون، والـ25% والتي تشكل المادة المظلمة محيرة إلى الآن، والأكثر تحييرا هو الـ 70% والتي تشكل الطاقة المظلمة. إن معرفة الطاقة المظلمة هي أهم موضوع في أبحاث علم الكون والفيزياء الفلكية



الثابت الكوزمولوجي - أو الثابت الكوني



لمعرفة الثابت الكوزمولوجي لنأخذ رحلة في تاريخ معرفة الإنسان عن هذا الثابت ففي سنة 1915 أطلق آينشتين النسبية العامة وبعد حل المعادلات خرج بنتيجة أن المعادلات تخبره بعدم ثبات الكون بحالة مستقرة كما كان معروفا من قبل وإلى زمان آينشتين، لذلك أضاف في حل المعادلات ثابتا سماه الثابت الكوزمولوجي لكي يتفق حل المعادلات مع المفهوم السائد آنذاك عن الكون. كانت فكرة الثابت الكوزمولوجي إيجاد قوة تنافر تتزن مع قوة الجذب ليظل الكون في حالة سكون. بعد سنوات رجع هذا الثابت على أساس أن له علاقة مع الطاقة المظلمة لتفسير التمدد في الكون.



لقد حاول عمل إتزان بين قوة الجذب بين المجرات مع قوة التنافر ليصل إلى الكون المستقر.



تمدد الكون



في نهاية عشرينيات القرن الماضي ثبت لعلماء الفلك أن الكون في حالة تمدد وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي إكتشف العلماء أن معدل تمدد الكون ليس ثابتا ولكن في تصاعد. المعروف أن الأجسام في الكون تتجاذب حسب قانون نيوتن في الجاذبية ولو طبق هذا القانون على الكون كله لوجب أن تتجمع كل أجسام الكون في نقطة! فما السبب الذي يدعو أجزاء الكون إلى التباعد! هل هناك قوة تنافر بين المادة كما هو الحال مثلا بين الأقطاب المغناطيسية المتشابهة أو بين الشحنات الكهربائية المتشابهة؟



الغريب في التمدد في الكون أنه كلما كبر الكون إنفصلت الأجسام وأحست بقوة تنافر أكبر! ولا يمكن قياس هذه القوة في المختبر لأن المسافات تكون قصيرة والمطلوب مسافات شاسعة كما هو في الكون.



الطاقة المظلمة تفسر تمدد الكون



لقد ظهر مصطلح الطاقة المظلمة من سنوات قليلة لتمييزها عن المادة المظلمة والتي عرفها العلماء قبل أن يعرفوا الطاقة المظلمة (انظر عدد سبتمبر 2009). ليست الغرابة فقط أن الكون يتألف من أكثر من 70% من الطاقة المظلمة التي لا يمكننا أن نراها ولكن أن تكون لهذه الطاقة قدرة لدفع أجزاء الكون باتجاه معاكس للجاذبية الموجودة بين أجزاء الكون فهذا هو المدهش فعلا فهذه الطاقة تسوق المجرات لتبعدها عن بعضها البعض! الطاقة المظلمة طاقة مجهولة يقول الدكتور ليفيو Livio أحد الفيزيائيين النظريين إن الكون الذي يتألف حوالي 70% منه من الطاقة المظلمة والتي تعتبر مجهولة بالنسبة لنا هذا يشبه الوضع كما لو قلنا إن الماء الذي يشكل 70% من الأرض لا نعلم عنه شيئا. بالنسبة للماء فقد تطلب من الإنسان عدة قرون أن يتعرف على صفات ومميزات الماء، والبشرية اليوم على أبواب تحديد خصائص الطاقة المظلمة.



تفسير الطاقة المظلمة



أحد التفاسير للطاقة المظلمة أنها خاصية للفضاء وبما أن هذه الطاقة خاصية للفضاء فإذن لا يمكن أن تقل مع تمدد الكون! لأنه في حالة تمدد الكون يُخلق فضاء جديد وبما أن لكل فضاء طاقة خاصة به إذن الطاقة في الفضاء لا تقل بل تزيد مع التمدد، وهذه من الغرائب الصعبة على فهمنا! النتيجة أن هذا الشكل من الطاقة تسبب في تمدد الكون أسرع وأسرع!



علاقة الطاقة المظلمة بنهاية الكون



تطور الكون من بعد الانفجار العظيم إلى ما نراه اليوم له علاقة بكمية المادة العادية والمادة المظلمة والطاقة المظلمة في الكون، فلو كانت المادة العادية والمادة المظلمة أكبر من الطاقة المظلمة لانكمش الكون على نفسه، ولو تغلبت الطاقة المظلمة لتمدد الكون وتمزق في الفضاء الواسع. إذن مستقبل الكون مرتبط بهذه العلاقة بين المادة والطاقة المظلمة، ففي هذه الحالة معرفة الكون تعني أنه لابد أن نعرف المادة المظلمة والطاقة المظلمة.



خريطة لتوزيع الطاقة المظلمة في الكون



قام فريق عالمي من 24 مؤسسة علمية من الفلكيين (51) مستخدمين مرصدا لتلسكوب أوربي ضخم بجمع الضوء من أكثر من 13000 مجرة من حجم الكون يقدر بـ 25 مليون سنة ضوئية مكعب (المقصود بالسنة الضوئية مكعب أي جزء من الكون بثلاثة أبعاد مثال لو أخذنا مسافة 500 سنة ضوئية طولا، وعرضا 500 سنة ضوئية، وارتفاعا 100 سنة ضوئية لحصلنا على الحجم المذكور). بأخذ هذا المسح لهذه المجرات وسط هذا الحجم من الكون تمكنوا من عمل خريطة تبين تركيبة الكون من هذه المجرات وطريقة توزيعها. وبقياس سرعات ابتعاد المجرات عن الأرض تمكنوا من قياس تأثير الطاقة المظلمة على سرعة المجرات. لكن يقول هؤلاء إنهم يحتاجون إلى دراسة تغطي حجما أكبر من الكون لكي يصلوا إلى تفاصيل أكثر عن الطاقة المظلمة.



الطاقة المظلمة وشكل الكون



يقول Pedro Ferreira إننا نعيش في فترة مهمة فقد كنا قبل عقدين من الزمان نقوم بالأبحاث على أساس فرضية أننا عرفنا مكونات الكون من مادة وطاقة, ونعرف أن شكل الكون مسطح, وكنا نعرف تاريخ الكون منذ بداية نشأة الكون بعد الانفجار العظيم وحتى كنا نتنبأ بكيفية انتهاء الكون أو على الأقل كنا نقول إنه بإمكاننا ذلك. لماذا كنا إلى هذه الدرجة واثقين؟ كانت النتائج التي حصلنا عليها من تحليل الخلفية الإشعاعية هي التي أخذنا منها معلومات كثيرة عن الكون. لكن كنت قلقا من التشابك الموجود بين الشكل الهندسي للكون والطاقة المظلمة لكن مع اكتشاف الطاقة المظلمة انفتحت الأسئلة مرة ثانية عن الكون.



هل تتغير قوة التنافر للطاقة المظلمة؟



هذا ما يبحثه بعض العلماء فإذا كانت قوة التنافر تتناقص مع مرور الزمن فإن الكون في النهاية سينهار على نفسه. أما إذا صارت قوة التنافر للطاقة المظلمة أقوى مع مرور الزمن فإن الكون سيتناثر ويتشتت إلى درجة أنه في النهاية تتفتت حتى الذرات! والنتيجة تمزق الكون فيما يسميه العلماء بالتمزق العظيم على وزن الانفجارالعظيم الذي أوجد الكون من البداية! لكن، يمكن قوله إنه لايزال. من الصعوبة بمكان الحكم على مستقبل الكون بشكل مؤكد فالإنسان في معرفته للطاقة المظلمة ما زال في بداياته الأولية البسيطة هذا إن قلنا إنه قد علم شيئا!



مشاريع لدراسة الطاقة المظلمة



هناك مشاريع متعددة لدراسة الطاقة المظلمة في السنوات القادمة ولكن سأتعرض لمشروعين من هذه المشاريع مع الأخذ في الاعتبار إن أي مشروع يحل مشكلة الطاقة المظلمة سينال الشهرة والجوائز وسيترك أثرا في التاريخ العلمي بل حتى في التاريخ البشري كله. لذلك يقوم العلماء باستخدام التلسكوبات الفضائية والأرضية لمعرفة هذا المجهول الذي سيحدد مستقبل الكون الذي نعيش فيه! إننا في هذه الأيام نعيش بداية لاكتشافات قد تكون مؤثرة على المستقبل العلمي للإنسان وللأسف الشديد أن الدول النامية بعيدة عن مثل هذا السباق وهذه مشكلة ولكن المشكلة الأكبر ألا نشعر بمدى التخلف العلمي والفكري والتكنولوجي الذي نعيشه!



أولا: مشروع LSST - مسح للطاقة المظلمة



سيقوم فريق عالمي باستخدام تقنيات دقيقة وباستخدام أكبر كاميرا رقمية في العالم مرتبطة بتلسكوب وكومبيوتر فائق أي Super Computer ويتواجد هذا التلسكوب في تشيلي وتم اختيار هذا المكان لأنه المكان المناسب للتلسكوب.



سوف يجري مسح لمجموعات المجرات للوصول إلى كتلة المجرات مع كتلة المادة المظلمة وكذلك طريقة توزيع هذه المجموعات للمجرات في الكون. هناك (نظريا) عدد كبير من نماذج توزيع هذه المجاميع للمجرات فالحصول على التوزيع من خلال هذا المسح سيعزز أحد النماذج النظرية التي تتطابق أو تكون أقرب ما يمكن من الواقع الذي حصل عليه العلماء من هذا المسح.



التلسكوب الذي سيستخدم في مشروع LSST له خاصية لا تتوافر لأي من التلسكوبات الموجودة حاليا وهي أن التلسكوب بإمكانه تصوير كل السماء في مسح واحد، بالإضافة إلى أنه يمكنه أخذ صور للأجسام الخافتة والتي لم يسبق أن تم تصويرها بوضوح وكذلك سرعة التصوير لذلك سيتم اكتشافات خاصة بهذا المشروع. سيتم مسح كل جزء من السماء 1000 مرة خلال العشر سنوات التي سيعمل بها التلسكوب سوف يتم تصوير كل السماء كل ثلاث ليالي لمراقبة أي تغيير في السماء ومن خلال تجميع المشاهدات لمدة 10 سنوات!! سوف يتحول إلى فيلم فيديو وسيكون أعظم فيلم! هناك بلايين الأجسام في الكون والتي ستشاهد لأول مرة ومع التطور خلال السنوات القادمة سيحدث هذا التلسكوب وهذا المسح في علم الفيزياء والفلك تطورا غير متوقع! إن أول ضوء سوف تتم رؤيته في التلسكوب سيكون في سنة 2014 وستبدأ الأبحاث العلمية في سنة 2015 وسيكون في كامل طاقته التشغيلية في سنة 2016 وكل هذا يعتمد على أمور كثيرة وخاصة التموين. هذا التلسكوب ذو ميزات خاصة ليس محل شرحها هنا فهو أكبر من أن يكون فقط تلسكوبا عاديا حيث الكاميرا الضخمة والكومبيوتر الفائق ومن هذه التركيبة سوف يعرف الإنسان الكثير عن الكون ومن الممكن أن تتغير نظرتنا للكون بسبب هذا التلسكوب خلال السنوات القادمة.



أكبر كاميرا رقمية في العالم لدراسة الطاقة المظلمة



يقول العلماء إن الطاقة المظلمة قابلة للكشف لذلك فهم يبنون كاميرا ضخمة صممت خصيصا لهذا الغرض ويعمل علماء الفلك في بريطانيا كجزء من مجموعة دولية في طور بناء أكبر آلات التصوير للكشف عن الطاقة المظلمة. تتألف هذه الكاميرا من 5 عدسات ضخمة أكبرها يبلغ قطرها 1 متر! هذا الزجاج الخاص بالعدسات تم صقله في فرنسا وتبلغ الدقة جزءا من السنتيمتر من المليون. سوف يتم مسح 300 مليون مجرة في دراسة خاصة باستخدام هذه الكاميرا الضخمة مع تلسكوب قطره 4 أمتار للكشف عن الطاقة المظلمة. هذا الجهاز ذا حساسية عالية جدا بدرجة أنه يمكن تسجيل صورة كل 17 ثانية! سيتم البدء في العمل بهذا المشروع في سنة 2011 وسيستمر العمل إلى 2016. لقد تم شحن قطع الزجاج الخاصة لصناعة 5 عدسات لآلات التصوير إلى فرنسا وذلك لصقلها في شكلها النهائي بدقة تصل إلى جزء من المليون، جزء من السنتيمتر!



ولا شك أن مثل هذا العمل يتطلب تكنولوجيا راقية. سوف ترصد هذه الكاميرا باستخدام تلسكوب بقطر 4 أمتار, 300 مليون مجرة!! في الفترة من سنة 2011 إلى 2016. وسوف يعمل في هذا المشروع 100 عالم من أمريكا وبريطانيا وإسبانيا والبرازيل.



ثانيا مشروع JDEM



JDEM الاسم المختصر لمشروع مشترك للبحث عن الطاقة المظلمة واختصار Joint Dark Energy Mission بمعنى المشروع المشترك للطاقة المظلمة. هذا المشروع سيتم بالتعاون بين وكالة ناسا NASA وقسم الطاقة في الولايات المتحدة لصنع قمر صناعي لقياس الطاقة المظلمة من الفضاء الخارجي تلسكوب فضائي في المستقبل يعمل هذا التلسكوب الخاص بالمشروع في مجال الضوء العادي والأشعة تحت الحمراء، وهذا المشروع الآن قيد الدراسة والتصميم ومن المتوقع أن يبدأ العمل به في سنة 2017.



نتائج الأبحاث



إن العلماء المهتمين بهذه الأبحاث يعلقون على نتائجها أمالاً كبيرة إذ إن المتوقع أن تكون نتائج هذه الأبحاث بمنزلة ثورة في نظرتنا للكون والمادة كما كانت نتائج اكتشافات علمية سابقة مثل نسبية آينشتين وميكانيكا الكم في القرن العشرين والتي فتحت لنا وللإنسانية الخير الكثير.



العلاقة بين وجودنا والطاقة المظلمة



تمدد الكون له علاقة مع الطاقة المظلمة, فلو تمدد الكون إلى الأبد فإن المجرات تتفكك عن بعضها البعض أكثر وأكثر، ويقول العلماء إن الكون يصل إلى مرحلة لا أمل في نشأة نجوم جديدة والنجوم القديمة تموت، لذلك لا يمكن خلق جزيئات معقدة. الحياة معتمدة على الجزيئات المعقدة المعتمدة على عنصر الكربون وتكوين الكربون معتمد على وجود النجوم, وقد تكونت النجوم في السابق ومنها شمسنا, ومستقبلا لا يمكن تكوين النجوم حسب السيناريو المعتمد على الطاقة المظلمة في تمدد الكون، معنى هذا أن هناك فترة زمنية لوجود الحياة تقع بين بداية تمدد الكون والتمدد في المستقبل وكل هذا مرتبط بالطاقة المظلمة، فإن كانت بالقدر الكافي أن تؤدي إلى تفكك الكون كانت نهاية الكون بالتفكك والموت البارد إن صح التعبير، أما إن لم تكن الطاقة المظلمة بالقدر الكافي وتغير معدل التمدد في الكون وبدأ بالتناقص بدلا من التسارع ففي هذه الحالة يكون الموت الساخن والذي أقصد فيه أن الكون سينهار على نفسه بالتحطم العظيم! كل هذا مرتبط بفهمنا للطاقة المظلمة ودورها في تمدد الكون. ألا ما أضعفنا إن اعتمدنا على قوتنا وأحجامنا وما أكبرنا إن إرتبطنا بالذي خلق الطاقة المظلمة التي تحرك الكون, فهو سبحانه الملاذ لنا سواء انتهى الكون بالموت البارد أم الساخن وهو سبحانه المستعان في جميع الأحوال!


مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 091119-abell-02




مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 10%20facts%20110



مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 42941_1198077769

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: كوبنهاجن - ميونيخ.. القرن الحادي والعشرين   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالخميس 24 يونيو 2010, 1:12 am



كوبنهاجن - ميونيخ.. القرن الحادي والعشرين


سيذكر التاريخ دائما «معاهدة ميونيخ» باعتبارها واحدة من أكبر الأخطاء التاريخية في تاريخ البشرية، وفشلا ذريعا للقيادات الأوربية في ردع أطماع هتلر التوسعية، ورغبته الجشعة في ابتلاع ثروات وموارد الدول المجاورة. واليوم يكرر قادة العالم الخطأ التاريخي نفسه بتوقيعهم على اتفاقية كوبنهاجن، التي لا تنص على شيء سوى على استمرار الأمر الواقع، الذي تواصل فيه قوى متجبرة تلويث الكوكب، مستهينة في ذلك بالعواقب الوخيمة التي ستقع على البشرية جمعاء، خاصة الأمم الفقيرة التي سيدفع أبناؤها ثمنا فادحا إذا انطلق قطار تغير المناخ، الذي لن يتوقف أبدا في طريقه ذي الاتجاه الواحد.



كانت اتفاقية كوبنهاجن المناخية فشلا كبيرا ذا أبعاد تاريخية خطيرة على نحو يجعلها أقل قيمة حتى من الورق الذي طبعت عليه. والحقيقة أن مفاوضات المناخ تحتاج إلى تبني مقاربة جديدة يمكنها التغلب على عوائق مثل المصالح الوطنية الذاتية الضيقة.



والمؤسف أن مفاوضات المناخ لن تكون نفسها ثانية بعد قمة كوبنهاجن المناخية، وستثبت الأيام أن الاتفاقية التي تم التوصل إليها في العاصمة الدنمركية لم تكن سوى معاهدة ميونيخ القرن الحادي والعشرين.



فقد كانت وثيقة الاتفاق «استرضاء» على حساب بيئتنا لكبار ملوثي كوكبنا وسيحكم على العالم بتغير متواصل للمناخ ويعلن الحرب على أطفالنا.



وقد انتهت القمة، التي عقدت في ديسمبر الماضي، إلى «اتفاقية» ملتبسة ليس لها أي صفة قانونية.



وجاء في ديباجته أن الحكومات «لاحظت»... ولم يذكر أنها «تبنت» أو «أقرت». ومع ذلك، فإن وجود الاتفاق ذاته من شأنه الآن أن يقوض البناء الذي رسخته اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ (Unfccc) وللتغلب على تغييره على مستوى الكوكب.



وهناك الكثير من العيوب وأوجه القصور في هذا الاتفاق.



فهو ليس ملزما من الناحية القانونية، ولا يتضمن أي أهداف لتخفيض الانبعاثات على المستويين المتوسط أو البعيد، والأخطر أنه لم يحدد السنة الفاصلة لذروة الانبعاثات من أجل الحفاظ على الاحترار الكوني ضمن «الحد الآمن»، وهو عبارة عن درجتين مئويتين أدفأ من درجة الحرارة في عصر ما قبل الصناعة.



كما أخفق الاتفاق أيضا في اتباع الخطوط العامة التي وضعتها الهيئة الحكومية حول تغير المناخ التابعة للأمم المتحدة (Ipcc)، التي تشير إلى ثلاث علامات فارقة Benchmark لتجنب تغير خطير في المناخ، وهي:



- يتعين على الدول المتطورة أن تخفض انبعاثاتها بنسبة 25- 40 في المائة بحلول العام 2020 مقارنة بمستويات انبعاثاتها العام 1990.



- ينبغي أن تصل الانبعاثات على مستوى الكوكب إلى نقطة الذروة في العام 2020 ثم تبدأ في الانخفاض.



- يجب أن تنخفض الانبعاثات على مستوى الكوكب بنسبة 50 في المائة بحلول العام 2050 مقارنة بمستوياتها في العام 1990.



وقد تضمنت اتفاقية كوبنهاجن إشارة إلى مستوى الدرجتين مئويتين، لكنها لم تصادق فعليا على هذا الهدف.



وبالنظر إلى أنها لم تتضمن أهدافا محددة، ولم تحدد سنة الذروة، ولا أي مسار لتخفيض الانبعاثات، ولم تحتو سوى على عبارات طنانة مبهمة، فإن هذا في واقع الأمر ليس سوى اتفاق على أن تبقى الأمور على ما هي عليه.



وكان معهد بوتسدام لبحوث المناخ قد قدر أن اتفاقا على أن تبقى الأمور على ما هي عليه من شأنه أن يضع العالم في مسار سترتفع فيه درجة حرارة الكوكب بين 3 و4 درجات مئوية.



وبما أن هذا مجرد متوسط على مستوى الكوكب، فإن الاحترار الفعلي في العديد من مناطق العالم، خاصة في المرتفعات العالية، سيكون أكبر بكثير.



وتخاف الدول الجزرية الصغيرة من هذا السيناريو منذ فترة ليست بالقليلة، لذا فإنها تناشد العالم ألا يتجاوز الارتفاع في درجة الحرارة حاجز الـ 1.5 درجة مئوية من أجل ضمان بقاء هذه الجزر في حيز الوجود.



لقد كانت اتفاقية كوبنهاجن ضربة موجعة للملايين حول العالم الذين علقوا آمالهم على هؤلاء القادة من أجل توفير الحماية المناخية لنا.



ولم يشهد العالم من قبل هذا التآلف الفريد من الجماعات والمؤسسات التي اتفقت معا: المجتمع المدني، الجماعات الدينية، رجال الأعمال والصناعة، والمجتمع الاستثماري، والعلماء، والمنظمات الهندسية والمهنية.



بل إن الأمم المتحدة ذاتها، التي أدارت حملة واسعة من أجل التوصل لاتفاق، دعت إلى تحرك عاجل.



وقد استجاب معظم قادة العالم لهذه الدعوة، لكنهم في نهاية المطاف لم يفعلوا شيئا.



وهكذا قادت القمة إلى فشل ذي أبعاد تاريخية لأن «العودة» ستكون في غاية الصعوبة.



وهكذا كررت البشرية الخطأ القاتل الذي ارتكبته في معاهدة ميونيخ.



ففي العام 1938، ضحت القوى الأوربية بتشيكوسلوفاكيا أمام عدوانية هتلر، ظنا منها أن هذا سيرضي جوعه لابتلاع الأراضي. وتجلت عواقب هذا الخطأ التاريخي الهائل في الفظائع البشعة التي حدثت في الحرب العالمية الثانية.



ومعاهدة ميونخ، أو «إملاء ميونيخ» كما يحلو للتشيك والسلوفاك تسميتها لغيابهم عنها، هي اتفاقية تمت بين ألمانيا النازية والقوى الأوربية العظمى، وافقت فيها هذه القوى على إشباع أطماع أدولف هتلر التوسعية في أوربا. وكانت نتيجة هذه المعاهدة استيلاء ألمانيا على الجانب الأغنى من تشيكوسلوفاكيا، وذهاب بقيتها إلى بولندا والمجر.



وكان هتلر، في سعيه لتكوين «ألمانيا العظمى» قد تذرع بوجود أغلبية من المواطنين الألمان يعيشون في منطقة السودتنلاند Sudetenland الحدودية الفاصلة بين تشيكوسلوفاكيا وألمانيا للمطالبة بضمها إلى بلاده.



وأقرت المعاهدة في ميونيخ في 30 سبتمبر 1938 بين ألمانيا النازية، وبريطانيا، وفرنسا وإيطاليا، وفي غياب تشيكوسلوفاكيا. وظن إدوارد بينش رئيس تشيكوسلوفاكيا آنذاك أن اتفاقية الدفاع المشترك التي تربطه بفرنسا وتربط فرنسا ببريطانيا سوف تعزز موقف بلاده في النزاع الدائر على السودتنلاند، غير أن موقف الحلفاء جاء مغايراً لتوقعاته حيث لم تمنعهم الاتفاقية من ردع هتلر أو اثنائه عن موقفه، لذا تسمى معاهدة ميونخ بـ(خيانة ميونخ) أيضاً.



ولم تشبع اتفاقية ميونيخ واستيلاء هتلر على جانب كبير من تشيكوسلوفاكيا شهيته العدوانية، كما ظن الحلفاء، بل أطلقت العنان لأطماعه التوسعية. وسرعان ما اجتاح بولندا وفرنسا لتشتعل الحرب العالمية الثانية.



والآن نرتكب خطأ قاتلا آخر عندما نسامح كبار ملوثي كوكبنا في عدم الاكتراث بفقراء العالم وبالمناطق الأكثر هشاشة فيه مقابل «حقهم» في تلويث كوكبنا».



ويحاول هؤلاء إضفاء صبغة إيجابية زائفة على الاتفاق عندما يتحدثون عن أنه ليس سوى مجرد «خطوة أولى»، لكن الحقيقة أنّ بلدانا متباينة، مثل الولايات المتّحدةِ، وكندا والصين والهند وأستراليا والدول المنتجة للنفط، لَيْسَ لَها نيةُ للتعهد بنظام مناخِ كوني ملزم قانونياً،لا الآن ولا في المستقبلِ.



وبدلاً مِن ذلك، أصبح لدينا الآن نظام واهن لـ«الوعود والمراجعة»، يوفر ضمانة قليلة بأن الانبعاثات ستنخفض بالسرعة التي يجب أن تفعل بها ذلك.



أما ما حسمته كوبنهاجن بجلاء فهو أن العالم قد تغير إلى الأبد، وأننا أصبحنا نعيش في عصر جديد ذي جغرافيا سياسية أخرى.



فقد ولت إلى الأبد الأيام التي كان العالم ينقسم فيها إلى بلدان «متطورة» وأخرى «نامية».



وكشفت دول مثل الصين والهند أنها أصبحت ضمن اللاعبين الأقوياء الجدد على الساحة الذين يتصرفون بجلاء وفق مصالحهم الذاتية مثلهم في ذلك مثل الدول الغربية.



وكان مسلكهم المزدوج المعايير، تماما كالولايات المتحدة، هو الذي أوصل إلى هذا الاتفاق، الذي وجد دعما طيعا، إن لم يكن مخزيا بدرجة ما، من البرازيل وجنوب إفريقيا، ومرر إلى بقيّة العالمِ.



ويتمثل الدرس الرئيسي المستفاد مِنْ كوبنهاجن في أنّ النظام العالمي الجديدِ ببساطة يتسق مع الأنظمة والآليات البائدة للأُمم المتّحدةِ.



والمشكلة لَيستْ مع الأُمم المتّحدةِ في ذاتها، لكن مع آلياتها التي عفا عليها الزمن. فسياسات الكتل في الأُمم المتّحدةِ الآن أصبحت منذ عقد على أقل تقدير خارج نطاق الزمن، ولم تسمح بالظهورِ الخلاق لتحالفات هجينةِ بين الشمالِ والجنوبِ.



وكشفت كوبنهاجن بجلاء أن «الواقعيةِ السياسيةِ» فازت على «واقعية المناخِ»، وأن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والصين عاجزة عن توفير قيادةِ للعالمِ. وهو ما يعني أن علينا التفتيش عن حلول في مكان آخر.



فقد تحركت الولايات المتّحدة والصين، بمساعدة آخرين، وفقا لمصالحهما السياسيةِ القصيرة الأمدِ اعتقادا منهما أن بوسعهما «إدارة» مخارجِ لهما مِنْ تغيرِ المناخِ. لكن النظامَ المناخي لا يكترث بالطموحاتِ الجامحة والجائحة للأممِ الزائلة، والطبيعة لها قوانينها الخاصة التي «تعض» من ينتهكها، والعواقب بدأت تظهر بالفعل.



وهؤلاء الذين ناوروا في مؤتمر كوبنهاجن وفقا لمصالحهم الوطنيةِ القصيرة الأمدِ سيجدون أن أفعالهم لم تخدم مصالحهم البعيدة الأمد في عالم مستدام المناخ والموارد الطبيعية. غير أن الأضرار الجانبية لقراراتهم ستقع على كاهل هؤلاء الأقل قدرة على مواجهة تغيرات المناخ.



وهكذا فإن الصورة بعد كوبنهاجن تبدو قاتمة للغاية. لكن هذا لا يمنع من أن هناك بصيصا من أمل يتمثل في أنه لا يوجد شيء يمكن أن يوقف ظهور لا عبين جدد.



والواقع أن ما يحتاجه عالمنا هو ظهور قيادة جديدة. فبدلاً مِنْ تجمّعات عاطلةِ وخاطئة تاريخيا، مثل مجموعة الـ77+الصين، فإننا نحتاج إلى تجمّعات جديدةَ مِنْ الأممِ التي تدرك أخطار تغيرِ المناخِ، والتي نَرى على نحو متزايد أن مصالحَها مترابطة ومتشابكة.



فالعديد مِنْ الأممِ التي تؤمن َبخطط نمو وطنية خضراء وأقل اعتمادا على الكربون، مثل المالديف، وكوستاريكا، والمكسيك، وكوريا الجنوبية، والبرازيل، والاتحاد الأوربي وآخرين، تَحتاجُ الآن لصياغة قضية مشتركة.



وتحتاج أيضا إلى تجاوز خط الشمال/ الجنوب الذي ثبت فشله، وصياغة سياسة جديدة ترمي إلى تحقيق الأمن المناخي المشترك والرخاء الاقتصادي الجَماعي.



وهناك الكثير الذي يمكن تحقيقه في مؤتمر المناخ المقبل المقرر عقده في كنكون بالمكسيك في نوفمبر المقبل. وربما تنجح كنكون في ما فشلت فيه كوبنهاجن.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: مصير اللغة العربية   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالخميس 24 يونيو 2010, 9:18 pm

[size=21]

العربية التي نتكلمها الآن هي لهجة من لهجات العرب لا أكثر!
هناك مَن يرى أن نفوذ اللغة العربية الفصحى يتراجع، وأن نفوذ اللهجات العامية يتزايد مع الوقت، لدرجة التخوّف من تحول هذه اللهجات إلى لغات. ويقول هؤلاء إن اللغة العربية ستواجه المصير نفسه الذي واجهته لغات قديمة عريقة، كاللغة اللاتينية، التي عندما تحولت إلى لغة نخبة وانعزلت عن الحياة، تقدمت العاميات وورثتها، ومن هذه العاميات الفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية.
على أن هناك مَن لا يوافق على هذا التوصيف المتشائم، ويرى أن العربية تعيش اليوم أزهى عصورها. الدكتور علي فهمي خشيم، الأمين العام لمجمع اللغة العربية في طرابلس بالجماهيرية الليبية، من أنصار هذا الرأي. فعنده أن العربية تتطور وتزدهر، وأن لا خوف عليها من اللهجات العامية. فاللهجات العامية موجودة في كل اللغات الحية ومنها الإنجليزية، وهي تتعايش تعايشاً صحياً مع اللغة الأم. ولكنه يدعو إلى مزيد من انفتاح العربية على الحداثة، معتبراً أن مشكلة اللغة العربية هي في النحو والقواعد لا في الألفاظ والمصطلحات. وهو يرى أن أعداد الذين يتكلمون اللغة العربية المشتركة، أي لغة المثقفين، وهي وسط بين الفصحى والعامية، يتكاثرون مع الوقت ولا يقلّون. في هذا الحوار، يتحدث الدكتور علي فهمي خشيم عن دور مجامع اللغة العربية وانفتاحها على العلوم الحديثة وعلى الحياة المعاصرة بوجه عام، وينفي أن يكون أحد مجامع اللغة العربية قد اتخذ يوماً قرراً بتعريب «السندويتش» بعبارة «الشاطر والمشطور وما بينهما الكافح»، معتبراً أنها عبارة عن نكتة للنيل من هذه المجامع.
الدكتور علي فهمي خشيم آراء كثيرة في موضوع اللغة العربية وتأثيرها في اللغات الأجنبية، وكذلك في موضوع اللغات بوجه عام يبسطها في حواره، وله مؤلفات كثيرة تدل على إيمانه بالعربية وبقدرتها على التجدد والنمو منها: «اللاتينية العربية»، «الأكدية العربية»، «العرب والهيروغليفية». كما هو أديب وباحث ومترجم وأستاذ جامعي:
- أنا لست بحالة خوف على مصير العربية. أنا أرى أن العربية تعيش أزهى عصورها. وربما يكون هذا الرأي غريباً. أنت تحدّثني الآن باللغة العربية، ونسمّيها المشتركة، وهذا ما تتبعه الجرائد والمجلات والإذاعات والأخبار. طبيعي أنه لا يمكن إطلاقاً في أي لغة من اللغات أن يُلغى ما يسمى اللهجات، الإنجليزية - مثلاً - لها ما لا يقل عن خمسين لهجة. حتى أنك في لندن نفسها، يمكنك أن تجد ثلاث لهجات لا يفهم الناطقون بها بعضهم بعضاً. أنا درست في مدينة إنجليزية اسمها دِرَم في الشمال، في إنجلترا وليس في سكوتلندا، ولم أكن أفهم ما يقوله أهلها، لأن لهم لهجة خاصة في النطق وبعض المصطلحات والكلمات. شيء طبيعي. إنما هناك لغة مشتركة هي الإنجليزية، في الصحافة، في الإذاعات، وفي المحاضرات والندوات.
اللغة العربية نفسها الآن - بالعكس - أفضل حالاً مما كانت عليه منذ 50 عاماً أو 60 عاماً أو مائة عام. كان عدد الناطقين بالفصحى المشتركة أقل مما هو عليه اليوم. هناك ما يسمى اللغة المشتركة التي أتحدثها الآن، والفصحى وهي لغة الأدب. كل لغة في العالم لها مستويات: لغة العامة ثم اللغة المشتركة التي يتفاهم بها المتعلمون شيئاً فشيئاً، ثم لغة الأدب، لغة الشعر الإنجليزي أو الفرنسي أو الألماني أو الروسي غير لغة الشارع. لغة الشاعر غير لغة الشارع، وهذا أمر طبيعي جداً. إنما الذي يلفتني في هذه الأيام هو أن هناك اتجاهات في بعض الأقطار العربية مندفعة نحو ما يسمى التغريب. شخصياً لست ضد تعلم اللغات الأجنبية. بالعكس أدعو إلى تعلم اللغات الأجنبية، أولادي يتقنون لغتين على الأقل، غير العربية: إنجليزي فرنسي/إنجليزي إيطالي. وأنا أنشأت كلية اللغات في جامعة الفاتح، وأترجم من العربية وإليها إلى آخره.
لكن هناك فرقاً بين الدعوة إلى تعلّم اللغة الأجنبية، وبين أن تستحوذ عليّ هذه اللغة في تفكيري وفي منهج حياتي، وفي تعبيري، والذي لا أفهم له معنى، اتخاذ الكلمات الأجنبية أسماء لمطاعم أو محلات، واعتمادها حتى في لائحة الطعام في المطاعم، هذا أمر غريب.
هناك موضوع آخر هو التعريب في الجامعات، هو نوع من التردد أو من عدم الرغبة في التعريب. يفضّل الأستاذ الجامعي أن يدرّس بالإنجليزية أو بالفرنسية. وهنا تقع المشكلة. إذا استعملنا الإنجليزية في الجامعات، فماذا نفعل بالذي تعلّم في فرنسا، أو في ألمانيا، أو في روسيا؟ هل نجبرهم جميعاً أن يتعلموا الإنجليزية؟ طبعا لا.
ولماذا برأيك تعثّرت عملية التعليم في الوطن العربي؟ لقد جاء وقت، وبخاصة بعد الاستقلال كانت عبارة التعريب، وبخاصة تعريب التعليم على كل شفة ولسان، ولكن النتيجة اختلفت فيما بعد؟!
- أنا أعيد ذلك إلى عدم معرفة أساتذة الجامعات بلغتهم، أي العربية، وإلى استسلامهم للتدريب باللغة التي درسوا بها، وكذلك إلى محاولة الظهور بمظهر العالم، يتعالم الأستاذ على طلبته باستعمال مفردات أو كلمات أو محاضرات باللغة الأجنبية.


  • طبعاً لو اعتمدنا العربية من الأساس كلغة رئيسية للتعليم الثانوي والجامعي لكانت العربية اليوم في وضع أفضل، أي لكان عندنا الآن كيميائيون وفيزيائيون، وعلماء في كل علم وفن يكتبون بالعربية، أي أن العربية كانت قد تطورت أكثر؟
- هذا صحيح. العربية لغة متطورة بذاتها. أي لغة في العالم هي قادرة على التعبير، سواء التعبير المعنوي أو العلمي أو الأدبي أو الفكري أو الاجتماعي. ليس هناك شيء يسمى لغة ناقصة، فلماذا تهاجم العربية بالذات. هذا سؤال جوهري.
أنا لم أسمع أحداً يقول إن البلغارية، أو المجرية، أو الفنلندية، لغة غير قادرة. دعك من الصينية، أو اليابانية، على صعوبتها، كتابة وقراءة. الصيني أو الياباني لابد أن يتعلم لكي يكون عالماً، على الأقل ثلاثة آلاف رمز، في حين أن لدينا ثمانية وعشرين حرفاً!
اللغة العربية تحمل رسالة حضارية بالرغم من كل الهجوم عليها من الداخل والخارج. اللغة العربية كانت باستمرار في حالة مواجهة مع أوربا.
اليابان لم تواجه أوربا، ولا الصين، ولكن العرب واجهوا أوربا في تاريخهم القديم، من أيام حنبعل وما قبل حنبعل وأيام الكنعانيين، ومصر. العرب هم الذين واجهوا أوربا.
نحن 22 دولة، ومع الأسف الشديد لا تربطنا أية رابطة اقتصادية أو سياسية ما عدا هذه اللغة. سمعت مرة برنامجاً من جيبوتي، وجدت أن المتحدثين كانوا يتكلمون العربية، في كل مكان من بلاد العرب تجد اللغة العربية، لقد توجهوا بطريقة أو بأخرى إلى تحطيم هذا الرابط القوي. ما الذي يحدث عندما تتحول لهجة لبنانية - مثلاً - إلى لغة مستعملة أو محكية؟ تتحول إلى كيان قائم بذاته، على مدى خمسين أو مائة سنة.
الغريب أن الذين يدعون إلى استعمال العامية في محاضراتهم وفي دعواتهم، يستعملون اللغة المشتركة الفصحى. يقولون - مثلاً - إن اللغة العامية هي المعبر الحقيقي عن الناس. هم لا يقدرون على التعبير عما في صدورهم إلا بالفصحى المشتركة.


  • ولكن مقابل هذا النَفَس التفاؤلي الذي تتحدث عنه حول حاضر العربية، هناك نَفَس تشاؤمي. ثمة وجهة نظر تقول إن العربية هي بصورة من الصور بحالة احتضار، وأنه لم يعد هناك مَن يتحدث العربية كلغة فصيحة إلا قلة قليلة جداً. افتح التلفزيونات تجد أنه لم يبق سوى نشرة الأخبار تقدّم بالعربية. وحتى هذه النشرة فيها ألف خطأ نحوي وصرفي. أما مَن يسمّون بالأدباء والشعراء، فإن حظهم من لغتهم وأدبها حظ محدود، لم تعد هناك لغة أدبية عربية رفيعة.
- أولاً بالنسبة للفضائيات، كان المفروض أن تكون هذه الفضائيات عامل توحيد ووحدة، وفي خدمة اللغة العربية. مع الأسف حُوّلت عن أهدافها، لأن الذين يسيّرونها غير مؤمنين بعروبتهم وبلغتهم العربية. ما عدا بعض المحطات المفروض أنها ليست عربية، فرنسا تقدّم باللغة العربية الفصحى، بينما تدعو إلى اللهجة المغربية والإنجليزية والتونسية، وتصرف الملايين.
مشكلة اللغة العربية هي في النحو والقواعد، لا في المفردات، ولا في الألفاظ والمصطلحات. اللغة العبرية كان فيها قواعد، نحو وكسر وجمع، ولكنهم تخلصوا من قواعدهم، سكنوا كل شيء. أنا الآن أتكلم لغة فصحى ولكني لا ألتزم بتحريك أواخر الكلمات. بدلاً من أن أقول: لا ألتزم، يأتي آخر ويقول: شمش ملتزم». هذه عامية. لا ألتزم، ولو غير متحركة في آخرها، عربية فصيحة، ليس من الضرورة أن نُعرب، أي أن نرفع ونكسر ونضم. هذه لغة أدبية خاصة.
عندما أقول إنني متفائل، فمن منطلق أنني أرى أن أعداد الذين يتكلمون اللغة العربية المشتركة يتكاثرون مع الوقت ولا يقلّون.أما الركاكة في الأسلوب، أو في المفردات، فإنك تلاحظها في كل العصور، حتى في العصر الجاهلي كان هناك ركاكة، كان هناك شعر ركيك. سوق عكاظ كانت سوقاً لكبار الشعراء، وكانوا يقولون هذا جيد، وذاك غير جيد.
ولكن وسائل النشر الآن عندنا أكبر، على نطاق أوسع، ولهذا تكون الركاكة أكبر. في الماضي، كانت «الأهرام» تنشر قصائد لأمير الشعراء شوقي في صفحتها الأولى، وليس كل من هبّ ودبّ يستطيع أن يقول شعراً. أنا متفائل لأن عدد المتعلمين في المدارس هو الآن أكثر. وهذه المدارس أعطت على الأقل شيئاً ما للغة المشتركة. قبل ذلك كانت الأميّة تبلغ 98 في المائة في الوطن العربي.
ورب ضارة نافعة، هناك ضرر في استعمال الدارجات من ناحية، ولكن فيها نفعا من ناحية أخرى. الآن المسلسل السوري يفهمه كل العرب من السودان إلى موريتانيا إلى الخليج. من 50 سنة كان من الصعب أن يُفهم هكذا مسلسل. مسلسل باللهجة الخليجية يُفهم الآن، وكذلك بالمغربية. لكن يجب أن تتشذب هذه الدارجة. لست ضد استعمال الدارجات. من غير المعقول أن أطلب من عامل في مقهى أن يتكلم الفصحى، إنما اللهجات يجب أن ترقّى شيئاً فشيئاً إلى ما سُمّي منذ مدة اللغة الثالثة وهي غير ملتزمة بالإعراب. ولكنها لا تهبط حتى تصبح لغة غير مفهومة.


  • في العصور العباسية، استفادت العربية من العلوم اليونانية الطارئة على الحياة الثقافية العربية، كالمنطق مثلاً. ألا ترى أن العربية المعاصرة بحاجة إلى مثل هذه الاستفادة من علوم الغربيين؟ بل وإلى انتفاضة على طريق التحديث والتطوير؟ وما دور مجامع اللغة العربية في هذه الانتفاضة؟
- هذا سؤال في منتهى الأهمية، حضرت اجتماعات مجمع القاهرة أخيراً. مجمع القاهرة هو الآن أكبر المجامع العربية ومن أقدمها. مجمع دمشق أقدم مجمع القاهرة احتفل بمرور 75 سنة على إنشائه (أنشئ سنة 1932)، وكان هناك لجان للمصطلحات: مصطلحات الأدب، مصطلحات الجيولوجيا، الجغرافيا والكيمياء. لاحظت أمراً جيداً هو التساهل في استعمال الكلمات الأجنبية بدل تعريبها. وهذا هو المنهج الذي اتبعه العرب عندما قالوا «فلسفة». وهي كلمة يونانية، واشتقوا منها كلمات: فلسف يفلسف فلسفة.. وقالوا «كيمياء» من كلمة يونانية. و«جغرافيا» وهي يونانية أيضاً. وقد استعملوا في بداية الترجمات «روطوريقا» ثم قالوا «الخطابة»، واستعملوا «البولوثيقا»، وهي السياسة فيما بعد. واستعملوا «أرغماثيقا» ثم وجدوا الرياضيات، وظلت كلمة «استطيقا»، أي علم الجمال.
نحن منفتحون، وقد لاحظت أن المجامع العربية، وعلى رأسها المجمع المصري، ومنها المجمع الليبي، منفتحة تماماً على اللغات، لكن هناك فرقاً هائلاً، بين أن ننفتح، وبين أن نُبتلع. مثلاً عندما نجد كلمة قابلة لأن تُترجم مثل «تلفون»، نقول «هاتف». أقول أهتف لك. وتهاتفني.. لكن «تلفزيون» مثلاً، لأنها كلمة مركبة «تلي/فزيون»، من الصعب ترجمتها.
ولكن ليس هناك مانع من أن أقول «تلفز» أو: تلفز يتلفز تلفزة، أو برنامج متلفز. لكن عندما آتي إلى كلمة «فاكس»، من الصعب أن تشتق منها فعلاً. نحن نستعمل كلمة «ناسوخ»، على وزن فاعول، ونوسخ ينوسخ نوسخة. والورقة التي تخرج هي نسيخة. وفرق ما بين الناسوخ والناسخة، أو «الكوبيتر» التي تنسخ، الحاسوب هو الكمبيوتر. والآلة الحاسبة، للحساب.
اللغة العربية في منتهى الدقة في تعبيراتها، وهي لغة قديرة جداً، كل ما في الأمر أن أبناءها فقدوا إيمانهم بها، وأنا أستاذ جامعي منذ سنة 1962، الطلبة يخطئون في اللغة، فاسألهم: لماذا تخطئون؟ يجيبون: «يا أستاذ أنا مش متخصص عربي». أقول لهم: يا أبنائي! العربية ليست تخصصاً، إنها لغتكم القومية.
مشاكل اللغة العربية ليست من الصعوبة التي يتصورون، أكثر لغة منفتحة هي اللغة العربية. أنا شخصياً باعتباري رئيساً لمجمع اللغة العربية تأتيني استشارات، وعندي لجان أعتمد عليها، ونحن متساهلون جداً، لأننا لا نريد تعقيد حياة الناس. لست من أولئك المتزمتين الذين يحاولون أن يتكلموا بلغة الشنفري.
أنا وزملائي، نؤمن بأن هذا المجمع بالذات، يجب أن يكون ملتصقاً بالحياة. وقد نظمنا ندوة في المجمع حول اللهجة الدارجة في ليبيا، ولهجة البدو، حتى نخرج الفصيح والدخيل حتى نغربل.


  • إذن أنت تعتبر أن مرحلة «الشاطر والمشطور وما بينهما الكافح» قد عبرت وانتهى أمرها في مسيرة مجامع اللغة العربية؟
- هذه نكتة قيلت وليست حقيقة. هي ليست حقيقة. هي سمّيت «شطيرة». أولاً «شاطر ومشطور وما بينهما كافح»، «كافح» كلمة فارسية لا عربية. هذا يذكّرني بما فعله أحد المجامع عندما أراد أن يترجم «بسكويت»، ترجمها «خشكمان»، والخشكمان باللغة الفارسية تعني الخبز الخشن، وطبعاً هذه نكتة.
إنما هي اسمها «شطيرة»، ولكن دعني أسألك: أيهما أفضل «شطيرة» أم «سندوتش»؟ لماذا سمّيت ساندويتش؟ شخص كان اسمه إيرلو ساندويتش، وهناك جزيرة صغيرة في جنوب بريطانيا، هذا الشخص كان «الباشا» لهذه الجزيرة. توالى يلعب القمار يوماً أو يومين، وكان يجوع، ثم يأخذ الخبز يشطره ثم يضع فيه اللحم ويقضمه وهو يلعب، ومن هنا جاءت التسمية. كلمة «شطيرة» أحلى، وهناك «الفطيرة».
المجامع العربية لا تجد - مع الأسف الشديد - مَن يسندها. عند الفرنسيين، ومنذ عهد شابان دلماس صدر قرار يمنع استعمال أي كلمة أجنبية «والمقصود إنجليزية» إذا لم تقررها الأكاديمية الفرنسية، أو مجمع اللغة الفرنسية، والقرار يتضمن عقاباً. الفرنسيون خائفون جداً من طغيان اللغة الإنجليزية. نحن نرحب بالإنجليزية والفرنسية، نتعلمها لعلم، لكن تظل لنا لغتنا القومية نحافظ بها على كياننا. ليس معقولاً أن أُقتلع بهذا الشكل، وإلا الذين تعلموا في إيطاليا يتكلمون الإيطالية، والذين تعلموا في فرنسا يتكلمون الفرنسية. هذه مأساة.


  • هناكَ مَن يرى أن العرب اليوم بحاجة إلى ما يسمّونه «مشروع لغوي»؟
- ماذا يعنون بـ«مشروع لغوي»؟ أنا لا أفهم هذا المصطلح. كان هناك «تأصيل لغة عربية»، وهناك الآن هيئة تنشأ اسمها «هيئة معجم تاريخ اللغة العربية»، يعيدون اللفظة إلى أوائلها الأولى. طبعاً كل اللغات لديها تاريخها. «مشروع لغوي»، أفهم ببساطة مطلقة، ومن دون تعقيد: قرار سياسي باستعمال اللغة العربية المشتركة أو الفصحى، في أي قطر من الأقطار العربية.
نحن نلجأ إلى العدو لكي نضرب مثلاً. اللغة العبرية ماتت منذ ألفي سنة، ثم أحيوها. والآن كل شيء بهذه اللغة. الكيان الصهيوني بالعبرية. فكيف يقال عن لغة حية عظيمة اسمها العربية، إنها غير قادرة؟ يصيبني نوع من التعجب والاستغراب. هل اللغة اليابانية عجزت، أو الصينية؟ المجر سكانها 10 ملايين نسمة، ويأتيها 51 مليون سائح سنويا، وليس هناك كلمة غير مجرية على ألسنة القوم وعلى أقلامهم. وهي لغة منبتّة في جميع اللغات الهندو/أوربية. تصوّر أنهم لا يكتبون عبارة «رستوران» وهي كلمة دولية، يكتبون «أتاريم»! ولا يكتبون «تاباك»، وهي كلمة عالمية، يكتبون «زوهان»، أو «دخان» بالمجرية! وهكذا.
مشكلتنا نحن أننا نُعامل كأمة، يُنظر إلينا كأمة عربية واحدة، في حين أننا في واقع الأمر لسنا أمة واحدة، بل أمم.
نُعامل كأمة في الخارج، ولكننا لسنا كذلك. نحن دول متناحرة، وليست متعاونة. في حين أننا في الحقيقة أمة واحدة. قبل قليل دخل علينا شابان من موريتانيا وتحدّثا معنا. هل وجدت أنهما من أمة غير الأمة العربية؟ هل وجدت فرقاً بيننا وبينهم؟!


  • أعرف أن لكم نظرية في مسألة اللغة العربية وكيف تطورت، وفي تأثيرها في اللغة اللاتينية على سبيل المثال، وفي مسألة تقسيم اللغات أيضاً؟
- علماء اللغات خدعونا فقسّموا اللغات إلى مجموعات: مجموعة سامية، مجموعة حامية، مجموعة آرية. من المضحك أنهم عندما وجدوا الهنود الحمر يتكلمون لغة مختلفة، قالوا: ما هذه اللغة لا هي سامية، ولا هي حامية ولا هي آرية؟ البعض أفتى أن هؤلاء أولاد الشيطان يتكلمون لغة الشياطين، وحلّل قتلهم بابا روما.
هذه الأكذوبة عبارة عن تقسيم توراتي. نوح - عليه السلام - كان عنده ثلاثة أولاد: سام وحام ويافث. طبعاً هذا التقسيم عنصري. السود في مصر، وإفريقيا حامية، والعرب والبابليون ساميون. الأوربيون والصين والبقية كلهم ولم يكونوا يعرفون الصينية صُنّفوا كآريين.
هذه النظرية غير علمية على الإطلاق، المهم هو التقسيم الجغرافي. ليس معقولاً أن تكون مصر التي تتوسط الوطن العربي مجتثة. أنا كتبت «آلهة مصر العربية»، ثم كتبت «العرب والهيروغليفية». رأيي أن ما يسمّى الحامية والسامية قد أُدمجتا في كتلة واحدة يسمونها الحامية السامية، أنا أسمّيها العروبية. «العروبية» تضم مجموعة اللغات القديمة: بابلية في العراق، كنعانية في بلاد الشام، «يسمّونها فينيقية في الساحل الشامي»، والسبئية والمصرية والنوبية القديمة.. إلى آخره. هذه عبارة عن مجموعة من اللهجات تفرّعت عن لغة واحدة اسمها اللغة العروبية، بما فيها اللغة العربية، عربية الجزيرة. ثم هناك «لُهيجات». نأخذ المصرية القديمة، يسمّونها خطأ بالهيروغليفية، هذه لهجة لا أكثر، بحسب الزمان أو المكان، لهجة الصعيد ولهجة الدلتا ولهجة الألف قبل الميلاد.
الشيء نفسه وقع في جزيرة العرب. هناك لهجات قبائل، وهناك لهجات كُتل. السبئية سمّيت الحميرية بعد ذلك، هي عبارة عن لهجة من العروبية. والعربية العدنانية هي لهجة أخرى، وهي التي نتحدثها الآن. وهناك طبعاً قبائل متفرّعة: هذه تميم، وهذه غطفان، وهذه عبس.
الذي مكّن العربية من أن تسود هو ظهور الإسلام والقرآن الكريم. فسادت هذه اللهجة على اللهجات الأخرى. كانت الآرامية مستعملة، عوامل سياسية، وعوامل دينية غلّبت اللهجة العربية - نسبة إلى الحجازية - على بقية اللهجات: المصرية، القبطية، الآرامية، النبطية، البربرية.
تماماً كما حصل باللغة الإنجليزية، كانت سكتلندا عندها لغة، وإيرلندا عندها لغة، وويلز عندها لغة، والإنجليز محصورون في الركن الجنوبي من بريطانيا. ثم تغلبوا على الآخرين، فأرسوا لغتهم.
إن العربية التي نتحدثها الآن هي عبارة عن لهجة من اللهجات لا أكثر ولا أقل. لكن كلمة «العرب» لم تكن مستعملة في الشعر الجاهلي على الإطلاق. كلمة عرب كمجموعة ثقافية، أو قومية، عرقية، لم تكن معروفة، كانوا قبائل. هذه هذيل، هذه تميم، وهذه عبس، إلى آخره. كلمة عرب استُعملت بمعنى البدو، من مادة «عَرَبْ» بمعنى ظَهَر في القرن الثامن قبل الميلاد في النصوص البابلية أو الأكادية. لكن لم تتبلور كفكرة قومية إلا بظهور الإسلام. عندما توحّدت هذه القبائل المتناحرة ضد القوتين العظميين في ذلك العصر: فارس وبيزنطة، واكتسحت العالم كما هو معروف، وأصبح «العربي» هو مَن جاء من الجزيرة.
أنا أسمّي كلمة العرب، المضريين، أو العدنانيين، كما شئت، ولكن هذا لا يمنع عروبة الآخرين. ابن منظور في مادة كَنع في «اللسان» نقلاً عن خليل بن أحمد الفراهيدي، في كتاب العين، يقول: «بنو كنعان قوم كانوا يتكلمون لغة «تضارع العربية»، أي تشبهها، والنقوش الكنعانية لم تكتشف إلا في سنة 1926، في القرن الماضي. أي الآن. وعندما تقرأ هذه النقوش تجد أنها لغة عربية فصيحة. كذلك الأمر في نقوش إبلة، في سورية. 3030 لوحة، تقرؤها في لغة عربية فصيحة، ماذا يعني هذا؟ يعني أنه كان هناك مجموعة لهجات. لنأخذ - مثلاً - الأكادية في العراق. هناك آشورية، هناك بابلية، هناك أكادية، سمّها ما شئت، لهجة الجنوب في العراق، لهجة الشمال، لهجة الوسط.
عندما أقول «العروبية» استعمل مصطلحاً بديلاً من الحامية السامية أو بديلاً من الحامية أو السامية. وأقول إن هذه الكتلة الممتدة من الخليج إلى المحيط هي كتلة واحدة، كانت منذ القديم كتلة واحدة بما فيها الحضارة المصرية القديمة التي ثبتت عروبتها الآن بلا أي نقاش فيها. والكنعانية والنوبية إلى آخره، كانت كتلة واحدة.
[/size]

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Untitled
على فهمى خشيم

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Untitled
جهاد فاضل
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: ظاهرة الاستشراق   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالخميس 24 يونيو 2010, 9:29 pm

ظاهرة الاستشراق.. مساحات رمادية وأخرى بيضاء

الاستشراق هو علم الشرق أو العلم الشرقي. وكلمة «مستشرق» بالمعنى العام تطلق على كل عالم غربي يشتغل بدراسة الشرق كله : أقصاه ووسطه وأدناه، في لغاته وآدابه وحضارته وأديانه. أما المعنى الخاص لمفهوم الاستشراق، الذي يعني الدراسات الغربية المتعلقة بالشرق الإسلامي في لغاته وآدابه وتاريخه وعقائده وتشريعاته وحضارته بوجه عام.
وهذا المعنى هو الذي ينصرف إليه الذهن في عالمنا العربي الإسلامي، عندما يطلق لفظ استشرق ومستشرق، وهو الشائع أيضا في كتابات المستشرقين المعنيين. وعلى الرغم من أن الاستشراق يمتد بجزوره عند البعض إلى ما يقرب من ألف عام مضت، فإن مفهوم «مستشرق» Orientalis لم يظهر في أوربا إلا في نهاية القرن الثامن عشر، وأدرج مفهوم «الاستشراق» Orientalism في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام1838م.
قدم الاستشراق التقليدي في مجال الآداب والتاريخ والآثار والعلوم الإنسانية والاجتماعية بعض الدراسات المهمة والمتعمقة، خاصة تلك المتعلقة بالحضارة العربية الإسلامية. فقد ظهرت كتابات كثيرة متعددة على يد «سليفستر ساس»، و«نولدكه» و«إدوارد وليم لن» و«كارل بروكلمان» و«جولدسيهر» و«جوستاف لوبون» وغيرهم.
إن الجهد الواضح الذي قام به المستشرقون لدراسة تاريخ الحضارة العربية الإسلامية يحمل قيمة كبرى، وإن كانت تشوبه الأهداف الاستعمارية كما يقول «إدوارد سعيد ومكسيم رودنسون Maxime Rodinson»، فقد اهتم عدد من المستشرقين اهتماما حقيقيا بالحضارة الشرقية الإسلامية، وحاولوا أن يتعاملوا معها بموضوعية، وقد نجح عدد قليل منهم في هذا المجال. إن الهدف العلمي كان الدافع الأساس في هذه العملية، لكن وجدت الدول الأوربية في المعلومات والدراسات اللغوية والأنثروبولوجية والفقهية والفلسفية والأدبية والتاريخ الواقعي لبلاد الشرق مساعدا قويا لها في بسط هيمنتها على هذه البلاد ونهب خيراتها طوال أكثر من قرن.
وكما كان المستشرقون أجيالا وموجات، فهم كذلك أنماط بشرية شتى، حسب البواعث التي حركتهم والآفاق التي يسعون إليها، فهناك الاستشراق الأكاديمي في خدمة برنامج سياسي لدولة محددة. في هذا الشكل يتقن الدارس لغة المجتمع المدروس، وقد يؤلف كتبا لتعليم لغته أو يترجم بعض آثاره الأدبية القيمة، ولهذا التيار ممثلوه في كل بلد يتصّور أن له مصالح في الفضاء العربي الإسلامي.
استشراق الرحالة
وهناك تيار استشراقي آخر يمثله بعض الأدباء والرحالة الذين لم يكونوا في الأصل يعملون في مؤسسة أكاديمية، ولم يصاحبوا أو يستكشفوا لحساب جيش غاز أو شركة مناجم. يبحث هؤلاء في الأصل عن الفرار من عالم يخنقهم ويتصورون أنهم في عصر الثورة الصناعية والعقلانية الخانقة سيجدون في الشرق العربي الإسلامي ما يفتقدونه في مجتمعاتهم، ويبحثون عن الغرائب والطرائف والعجائب في بلاد الشرق بين ذخائره وآثاره. ولكن مهما اختلفت التيارات وتباينت الشخصيات فإن قاسما مشتركا يجمع بين آثار كل (المستشرقين) وهي مساهمتهم في نحت ملامح الشرق وفق مخيلتهم بما تحتويه هذه المخيلة من رغبات ومخاوف.
لذلك حفلت الكتابات (العلمية) الاستشراقية بالصور النمطية عن الإنسان الشرقي كما يتوقعه الغرب أو كما يريده أن يكون. وهناك للاستشراق اتجاهان مختلفان فيما يتعلق بالأهداف والمواقف إزاء الإسلام من خلال ضباب كثيف من الخرافات والأساطير الشعبية. أما الاتجاه الثاني فقد كان نسبيا بالمقارنة إلى الاتجاه الأول أقرب إلى الموضوعية والعلمية. ونظر إلى الإسلام بوصفه مهد العلوم الطبيعية والطب والفلسفة.
وعلى الرغم من سيطرة الاتجاهات التنصيرية على الاستشراق في القرن 17، فإن نهاية القرن شهدت من ناحية أخرى اتجاها آخر مختلفا استمر في القرن 18، حيث نظر إلى الإسلام نظرة موضوعية محايدة، فيها شيء من التعاطف مع الإسلام. وقد شجع على ذلك ظهور النزعة العقلية الجديدة التي بدأت تسود أوربا آنذاك، والتي كانت في عمومها مخالفة للكنيسة.
نموذج رائد للمستشرقين
شهد القرن الثامن عشر نموذجا آخر رائدا في عالم الاستشراق الألماني ممثلا في «يوهان.ج. راسيكه» J.J.Reiske (1716 - 1774) الذي كان واحدا من عباقرة علماء اللغة العربية في عصره، وإليه يرجع الفضل في إيجاد مكان بارز للدراسات العربية في ألمانيا. ولكن عصره ومعاصريه تجاهلوه وحاربه رجال اللاهوت متهمينه بالزندقة، ولعل ذلك يرجع إلى موقفه الإيجابي من الإسلام.
لكن هذه الأمثلة من المحاولات الجادة في التعرف على الإسلام عن قرب وبلا أحكام سابقة لم تستطع أن ترسخ في الفكر الأوربي تيارا عاما. ولم تستطع بالتالي أن تقضي على الصورة المشوهة عن الإسلام في أذهان الأوربيين بصفة عامة، تلك الصورة التي رسختها القرون الوسطى في الأذهان ولا تزال آثارها عالقة بالعقول حتى اليوم.
ولا شك أنه مع الاتصال المباشر الذي حدث في القرن التاسع عشر بين فرنسا وبلدان العالم العربي انطلاقا من حملة نابليون على مصر، واحتلال فرنسا للجزائر عام 1832م ولتونس عام1881م ثم وجودها في المغرب والشام فيما بعد. فقد نجح قنصل فرنسا في مصر «أسلان دي شرفيل»، وحده في أن يجمع 1500 مخطوطة، وكذلك فعل «شارل شيفر» من خلال موقعه في السفارة الفرنسية في استنبول، فأهدى للمكتبة الوطنية بباريس مجموعة كاملة من المخطوطات العربية والفارسية والتركية لاتزال تحمل اسمه حتى الآن. وفي الربع الأخير من القرن 19 بلغ عدد المخطوطات العربية في مكتبة باريس الوطنية وحدها ثلاثة آلاف وخمسمائة مخطوط، وقد تضاعف هذا الرقم أضعافا كثيرة، صنفت تصنيفا جيدا، وحفظت بأحدث الوسائل العلمية.
وقد واكب عمليات الجمع والتصنيف والحفظ دراسات علمية للمستشرقين الفرنسيين عن علوم المخطوطات العربية من أشهرها كتاب بلاشير وسوفاجييه Reyles pour edition et Traduction de Texes «قواعد تحقيق المخطوطات العربية وترجمتها». ولقد أثمر هذا الاستعداد العلمي المكثف على امتداد هذه القرون كثيرا من الدراسات المفيدة حول الشرق العربي وتراثه كتبها مستشرقون بالفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية أو الروسية وغيرها من اللغات الحية، وإن تلون بعضها أحيانا بجانب من سوء النية أو نقصان الأداة، ولكنها في مجملها، تشكل رصيدا ضروريا لا يمكن أن يتجاهله الباحثون.
وقد ساعدهم على تطبيق منهجهم العلمي في دراسة وتحقيق مخطوطات التراث العربي الإسلامي أخذهم بأمهات اللغات - سامية كانت أو آرية - فدرسوا الكلدانية والآشورية والآرامية والسريانية والعبرية والعربية والحبشية والأرمنية والفارسية والتركية وسائر لغات الشرق الأقصى، وصنفوا في قواعد كل منها وفقهها ومعاجمها ولهجاتها وتاريخها، وقارنوا بينها، وحددوا صلاتها باللغات الأخرى واللغات الآرامية، وحللوا الكتابات الهيروغليفية والمسمارية والفينيقية والنبطية وغيرها، فأدى ذلك إلى اكتشافات غيرت وجه التاريخ.
وأشتهر كثير من المستشرقين بكثرة معرفتهم باللغات والتي كانت تربو أحيانا على الثلاثين لغة، هذا فضلا عن سعة ثقافتهم بمختلف هذه اللغات وأصولها مما خولهم تناول التراث الإنساني من لغاته السامية والآرية في الأديان والفنون والآداب والعلوم، فحققوا أصوله وتأثره وتفاعله وتطوره، وأثره من منابعه حتى عصرنا هذا: كتاريخ الفلسفة بأصولها اليونانية والسريانية والعربية والعبرية واللاتينية وسائر اللغات الغربية، وعلم الكلام لدى جميع الشعوب على مر العصور، ومقارنة الفقه الإسلامي بالقوانين الدينية والمدنية العالمية.
وقد تخصص الواحد منهم بلغة أو دين أو علم أو أدب أو فن أو سلالة أو عصر أو أديب: فهذا تخصــــص باللغة وفقــــهها وبلاغـــــتها، وذاك بالتشريع في الإسلام ونشأته وتأثره وتطوره، وثالث بالمواليد الطبيعية عند العرب والجغرافيا والتاريخ، وسواه بالموسيقى العربية ومصادرها وآلاتها ومصنفاتها، وغيرها من الموضوعات المتصلة بالشعر والفلسفة والطب والحكمة.
وقد كان المستشرقون أصحاب جلد على العمل يضرب به المثل، وربما قضى الواحد منهم عمره في تحقيق مخطوط أو تصنيف كتاب أو موسوعة دون كلل أو ملل. فـ«أدموند كاستل» قضى في وضع مجمل معجم اللغات السامية ثماني عشرة سنة، و«إدوارد لين» رحل في سبيل معجمه ثلاث رحلات إلى مصر، وكان يعمل فيه اثنتي عشرة ساعة في اليوم. وأنفق «بارانوف» في تأليف القاموس العربي الروسي عشرين عاما من عمره. و«فلوجيل» جمع مخطوطات فهرست ابن النديم من مكتبات فيينا وباريس ولندن طوال خمس وعشرين سنة. وظل «فايل» ست عشرة سنة في تصنيف كتابه«تاريخ الخلفاء»، و«هامر - بورجشتال» ست سنوات في تاريخ الآداب العربية، و«يد كورناي» عشر سنوات في تحقيق وترجمة مروج الذهب للمسعودي. ونيفت آثار كثير من المستشرقين على المئات من الكتب والأبحاث من أمثال : إدوارد براون، وأسين بالاثيوس، وبروكلمان، وكراتشكوفيسكي، وسارتون، وماسينيون.
مرحلة ما بين الحربين
وقد شهدت المرحلة فيما بين الحربين العالميتين نشاطا كبيرا وواسعا للحركة الاستشراقية، فوجدنا «كانتيتو» وهو من أبرز دارسي اللهجات العربية من المستعربين في النصف الأول من القرن العشـــرين، يعد رائدا في الجغرافية اللغوية العربية وأطالسها وكتابه«لهجة عرب تدمر» الذي أصدره في جزأين ضمن منشورات المعهد الـفــــرنسي عام1934، كما نشر كتاب«بعض لهجات بدو العرب في الشرق» بالجزائرعام 1937م وتوالت مؤلفاته في الظهور في باريس والعالم العربي.
كما وجدنا لـ«هنري فليش» مؤلفات في ذات الاتجاه مثل «مدخل إلى اللغات السامية » بباريس عام 1974م.
وقد اهتم الاستشراق الفرنسي بمجال الدراسات الجغرافية العربية التي أهملها المصنفون للدراسات الأدبية العربية، فكتب«أندريه ميكيل» دراسته الشهيرة عن«الجغرافية البشرية للعالم الإسلامي حتى القرن الحادي عشر الميلادي»، وكانت قد سبقته دراسات وتحقيقات لكتب العجائب والغرائب في التراث الجغرافي العربي.
وعلى الرغم من هذا المجهود العلمي الضخم والذي قام به كثير من المستشرقين لأسباب وأغراض متعددة منها البحث الموضوعي واستجلاء حقيقة الشرق والإسلام وتراثه، إلا أنه ونظرا لما يمثله الشرق الأوسط من أهمية كبرى بسبب موقعه الجغرافي السياسي (الجيوبولتيك Geopoltical) مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية تكثف من وجودها وهيمنتها على الأماكن التي كانت تهيمن عليها بريطانيا وفرنسا في السابق.
ولذلك عملت أمريكا على تأسيس المراكز العلمية للدراسات الإقليمية خاصة التي تهتم بمنطقة الشرق الأوسط.
بعبارة أخرى، ما تم تأسيسه هو نوع جديد من الاستشراق لا ينحصر على الدراسات التقليدية أو الكلاسيكية للمستشرقين، بل تساهم فيه أيضا العلوم الاجتماعية والسياسية مستخدمة مفاهيم جديدة متطورة، أو مطورة لتصورات قديمة في شكل جديد. ولعل التحول التدريجي من الاستشراق القديم إلى الاستشراق الجديد يفسر الحجم المتزايد من الدراسات والمؤلفات الأكاديمية التي تحمل عنوان (الاستشراق الجديد) New Orientalism، والاستشراق الأمريكي American Orienatalism . وقد كانت هناك تمهيدات لهذا النوع من الاستشراق ظهر جليا عندما كتب «برنارد لويس» مقالا في الخمسينيات من القرن المنصرم عن «الشيوعية والإسلام » في فترة التحرر من الاستعمار وسيادة المد الشيوعي.
وفي الاستشراق الأمريكي وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي سعى إلى خلق نمط جديد من الاستشراق يتوخى استبدال القانون الدولي بقانون يفترض الهيمنة الأمريكية المطلقة، وصارت أمريكا القوة الوحيدة المهيمنة على العالم، وطرحت النظام العالمي الجديد، ثم نظام العولمة، وهو نظام تتلاشى فيه الخصوصيات والصراعات، وتتوحد فيه المعايير. ومن هنا - وبالرغم من فشل هذا النظام - تم خلق نظام اقتصادي يعتمد على ثورة التقنية بغرض فرض منظومة قيمية على العالم تتعلق بالثقافة والسياسة والاجتماع.
بعد أحداث سبتمبر
وبعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م وأحداثه يظهر المنهج الاستشراقي الجديد في التركيز الشديد، ليس على الشرق، بل على الإسلام، وليس على الاستشراق (التقليدي) بل على «الإسلاموية» Islamism وما يرتبط بها من تيارات توصف بالأصولية والتوجهات الإرهابية، وغيرها من نعوت سلبية. ولذلك ظهرت كتب ودراسات غربية وأمريكية تحمل عناوين مثل «التهديد الإسلامي» و«الإرهاب الإسلامي»، و«الحرب في عقول المسلمين» و«الإمبريالية الإسلامية» ونشطت الوسائل والقنوات الفضائية والإنترنت التي ركزت كل جهودها على الجهاد الإسلامي، بحيث أصبح الإسلام يعني نهاية الحضارة وأنه نسق ديني معاد للإنسانية، ومعاد للسامية، ومعاد للمرأة، ومعاد للعقلانية، ومعاد للديمقراطية أو على حد تعبير «جورج بوش الابن» «إسلام فاشيستي».
ومن هنا فليس غريبا أن معظم أشكال التنظير العلمي والتفسيرات الأكاديمية حول الإرهاب ظهرت في أمريكا، وهذا التنظير لا يخلو من اتهام الإسلام والعرب، ولذلك أصبحت «الحرب على الإرهاب» وكأنها تعني الحرب على الدول الإسلامية خاصة تلك التي تدعو إلى مواجهة النفوذ الأمريكي وسيطرته على المنطقة كأفغانستان وإيران. هذا فضلا عن دخول الإسلام السياسي في مواجهة مع أصحاب نظريات الحداثة التي تحاول تحجيمه وإظهاره على أنه غير متسق مع توجهاتها.
من هنا يتبين لنا ـ وبعد هذا التاريخ الضخم والحافل ـ أن البحث في أصول الخطاب الاستشراقي وفروعه أمر محفوف بالمخاطر نظرا لتعقيدات هذا الخطاب وتشابكاته المختلفة الضاربة جذورها في التاريخ، ولإمكان السقوط في التغريبية Looccidentalisme أي الاستشراق المعكوس والإثنولوجية اللغوية، أي أنه معرفة مكونة عن العالم العربي الإسلامي في مختلف أشكال التفكير والتعبير العربي الإسلامي، أي أنه خطاب الآخر Discours de la Loautre الذي يوجهه الغرب إلينا بوصفنا غيرية له.
------------------------------------
أأجـمع صحبتي سحر ارتحالا
ولم أشعـر ببين منـك هـالا
ولم أر مثـل هالـة في معـد
تشبـه حسنهـا ألاّ الهـلالا
ألا أبلغ بنـي جشم بن بكـر
وتغلـب كلها نبـأ جـلالا
بأن الـماجد البطل ابن عمرو
غداة نطاع قد صدق القتـالا
كـتيبتـه مـلملمـة رداح
إذا يرمونـها تنبـي النبـالا
جزى الله الأغـر يزيد خيـرا
ولقـاه الـمسـرة والجمـالا
بمأخذه ابن كلثـوم بن سعـد
يزيـد الخيـر نازلـه نـزالا
بـجمع من بني قـران صيـد
يـجيلون الطعـان إذا أجـالا
يزيـد يقـدم الشقـراء حتـى
يروي صدرها الأسـل النهـالا
عمرو بن كلثوم
مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Untitled
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: قصائد مُهْمَلَةٌ   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالسبت 26 يونيو 2010, 6:20 pm

قصائد مُهْمَلَةٌ
مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Media_94146_TMB




(1)
حين تأخّرَ طِفْليَ
عن جرسِ المدرسةِ
أعادَ الساعةَ
ومضى
يتسكّعُ مَزْهواً
(2)
ديكٌ
أذّن في روما
فاستمعَ الناسُ إليهِ
وصلّوا
أوَ ليسَ هو الديكَ الروميّ؟!
(3)
وقالت أمي
تُشبه لأبيكَ كثيراً
لكنْ
لمْ تُفصِحْ
في أيّ الأشياء
وَبَكَتْ
فتساقطَ مِنْ عينيَّ
محضُ سؤال!!!
(4)
في الجَنّةِ
حُورٌ عينٌ
لرجالِ الجَنّةِ
ماذا لنساءِ الجَنَّةِ
في الجَنَّةِ...؟!
(5)
وَهَبْ
أنَّ سيدةً في الطريقِ
أشارتْ إليكَ
لِتَتْبَعَهَا
هَل تُصدّقُها؟
أمْ تكذّبُ نَفْسَكَ؟
هَبْ أنَّ سوسنةً
نبتَتْ
فوقَ حرفِ السريرِ
وأنّ بارقةً لَمَعَتْ
فوقَ كأسِ عذابِكَ،
هل...
إنّه الشِّعرُ
يا صاحبي!!
(6)
في الليلِ اقتلعَ الأعصارُ القاتلُ
كلّ صَفوفَ خيامِ قبيلتنا
إلا صفّ خيامي
...
إذ أنّى لا أملكُ
صفّ خيام
أو فسطاطاً
أو حتى
خيمة!!
(7)
دوما
كانت كلُّ
سلالي فارغةً
واليوم امتلأتْ
يا فرحةَ وجعي
بالمُرّ وبالحنظَلِ
وبكمياتٍ لا بأسَ بِها
منْ لوعاتٍ
وَعذابٍ ساحِرْ
(Cool
أُطفئُ سيجارةَ تبغٍ
ألقِيها تحتَ سريري
وأهشّ هواء الغرفةِ
وأخبّئ صوراً ما
تحت المرتبة
حين بيمر خيالُ أبي الميّت
منذ ثلاثين وداعا!!
(9)
مُرتحلا من قوسِهِ
إلى بقايا قوسْ
يُرتب الألوانَ،
حين اجتاحها
شعاعُ شمسْ
وحينما تبعْثَرَت ألوانُهُ،
.. تناولَ الفأسَ
وتنبحَّ الرأسْ
يا سيداتي
آنساتي
سادتي.. وسادةَ الفَرَحْ
تعاونوا.. واكتتبوا
واتحدوا
لتنقذوا
قوسَ
قُزَحْ!!
(10)
الصيادُ الطفلُ
ألقى بالشبكةِ والصيدِ
وراح يسائلُ
ولماذا ستموت السمكةُ
إنْ خَرَجتْ من ماءٍ؟
ولماذا جدي مات غريقا
في النهرِ؟
عاد الصيادَ الطفلُ بلا سَمَكٍ
والشبكة فاضت وامتلأت
بالأسئلةِ الصعبةِ!.

-------------------------------
* شاعر من مصر.

عزت الطيري*
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: حلم الحب   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالسبت 26 يونيو 2010, 6:57 pm

حلم الحب
مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Media_94123_TMB
في الحلم
ستسرح أصابعي في شعرك
الأبنوسي
وسيهتف لنا الجنود
والفقراء
سيرموننا بأكاليل الزهور
وندف الثلج
سيطلقون الحمائم ترفّ لنا
في عراء الحلم اللازوردي
وسنمر بين صفين من السيوف
المتقابلة
صوب المروج اللامتناهية!
وفي الحلم
ستكونين زوجتي
وسيهطل المطر على بيتنا
في الشتاء
وستتبلل المناشف التي، منذ برهة،
نشرتها على الحبال، فتخرجين للمّها
واتبعك
فيفاجئنا الليل بنجومه
فلا نعود حتى الصباح!
في الحلم
سيبارك بيتنا العراف العجوز
وسيتنبأ لطفلنا أنه سيكون شاعراً
فتغضبين :
أستكون امرأة سواي تُكتب لها
القصائد الجميلة؟
فآخذك إلى جواري
ونسير معا على الشاطئ
يلفحنا رذاذ الماء المالح
والريح الباردة
وعندما نعود في المساء
تكونين قد نسيت أن ثمة في العالم
امرأة غيرك!
وفي الحلم
ستسيرين على شاطئ المحيط
حزينة
وربما ضائعة
وأنا أتبعك
وتتبعنا الشمس الغاربة
حتى لحظة التحام السماء
بالأرض
حيث هناك نكون واحداً!
في الحلم
لن أحلم أني أكتب إليك
دائماً
وإنكِ،
دائماً ..
لا تردين !.

-----------------------------
شاعر من العراق.

باسل عبدالله*
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: البحث عن هوية   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالسبت 26 يونيو 2010, 7:42 pm

البحث عن هوية..
مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Media_94012_TMB
العبارة الشائعة في الخطاب الثقافي المعاصر عن أن العالم أصبح قرية كبيرة، تشير إلى أننا نعيش الآن في «عالم منكمش» - إن صح التعبير - ليس بفعل أي تغيرات مناخية أو ظواهر كونية وإنما نتيجة للتقدم الهائل والرائع في تكنولويا الاتصال بمختلف أشكالها وخصائصها النوعية ابتداء من وسائل النقل الحديثة والسريعة التي يسّرت الحراك السكاني والاحتكاك الفيزيقي بين البشر وتبادل السلع والخدمات، وحتى وسائل الإعلام المتنوعة والكمبيوتر والإنترنت، التي سهّلت الحراك الفكري والاحتكاك الثقافي والاجتماعي وتبادل المعلومات والأفكار، وحققت بذلك، وبأعلى درجات الوضوح والفاعلية معنى وأبعاد وأهداف العولمة Globalisation ووصول تأثيراتها ونتائجها إلى أصغر الوحدات الاجتماعية، بل وإلى جميع الأفراد في كل أنحاء كوكب الأرض Globe.
فقد أفلحت تيارات العولمة في فرض نفسها على كل مظاهر الحياة اليومية، بشكل أو بآخر، وتغيير الكثير من أنماط السلوك والقيم والأخلاقيات المتوارثة وفرض أفكار وقيم جديدة مستوردة من المجتمعات والثقافات المهيمنة وخلقت بذلك شكلا جديدا من الاستعمار الفكري الذي يتخفى تحت شعار التقدم وتحقيق التقارب بين الشعوب والثقافات. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا هنا هو : هل قضى ذلك «الانكماش» وتلك التغييرات الجذرية التي طالت كل شيء على الهويات الفردية والاجتماعية والثقافية؟ وأعتقد أن الإجابة ستكون «نعم». فلقد أدت كثافة الاتصالات وتبادل التـأثيرات الاجتماعية والثقافية إلى تقليص واختزال مفهومي الزمان والمكان وكان لذلك آثار واضحة في التغيرات التي طرأت على شخصية الفرد ونظرته إلى نفسه وإلى الآخرين وإعادة تشكيل العلاقات الإنسانية على أسس ومبادئ جديدة تكشف وتعبر عن تراجع الفوارق المميزة للأفراد والجماعات وشحوب مقومات الهويات الخاصة، وأصبح الإنسان المعاصر يواجه الآن، وعلى جميع المستويات وشتى المجالات، مشكلة البحث عن هوية في عالم تختلط فيه النظم والقيم واللغات والثقافات وتتعرض فيه الخصائص والمقومات المتمايزة لعوامل ومؤثرات تحاول أن تحل التشابه والتماثل والتجانس محل الاختلاف والتباين والتغاير الذي عهدته الإنسانية خلال تاريخها الطويل ، وهو مايستتبع نشوب صراعات صريحة أو مستترة بين قوى التغيير التي تحملها تيارات العولمة وقوى المحافظة على كل ماهو تقليدي ومألوف.
إن أبسط مظاهر هذه التعقيدات والصراعات وشحوب الهويات هي التي تنشأ عن الهجرات البشرية الواسعة التي تعتبر أحد متطلبات ونتائج العولمة، وما يرتبط بتلك التحركات والهجرات من تغييرات في التركيب السكاني والبناء الاجتماعي والثقافي في المجتمعات التي تتعرض لتلك الهجرات الواسعة. فالأغلب هو أن يحمل هؤلاء المهاجرون أو النازحون معهم التقاليد وأساليب الحياة وأنماط القيم السائدة في مواطن إقامتهم الأصلية، وكثيرا ماتتعارض هذه الأساليب والأنماط السلوكية والأخلاقية مع ماهو سائد في المجتمعات الجديدة بحيث يصعب تقبّلها والتكيف معها تماما، وإن كان يتحتم عليهم مسايرتها حتى تستقيم حياتهم اليومية، وذلك في الوقت الذي تعمل وسائل الإعلام والاتصال الحديثة والمتطورة على الإبقاء على العلاقات التقليدية بين هؤلاء المهاجرين ومجتمعاتهم وأوطانهم الأصلية، مما أدى إلى قيام نوع من الازدواجية في مشاعر الانتماء والتوزع العاطفي بين مجتمع الأصل ومجتمع الإقامة الجديدة وإلى اضطراب الشخصية التي أصبح من الصعب فهمها والتعامل معها ومعرفة اتجاهاتها ومطالبها ونظرتها إلى الأمور وتقييمها للأشياء في ضوء الأوضاع الجديدة وحدها أو بالرجوع إلى ثقافة المجتمع الأصلي وحدها.، وإنما يتطلب الأمر العودة إلى الثقافتين والمجتمعين معا، بل وقد يتطلبان الرجوع إلى مجتمعات وثقافات أخرى عاش فيها هؤلاء المهاجرون من قبل وتأثروا بأساليب العيش فيها مما زاد من تعقد شخصياتهم وارتباك علاقاتهم بالآخرين.
أسلوبان متعارضان
وهنا يجد هؤلاء المهاجرون أنفسهم أمام أسلوبين متعارضين للحياة. فهناك من ناحية الممارسات اليومية والعلاقات الاجتماعية الواقعية التي تقوم بالفعل بين الأفراد في المجتمع الجديد أو المجتمع «المضيف» - حسب التعبير الذي يحب بعض الكتاب في الخارج استخدامه، للتدليل على الرفض المبدئي الصريح لفكرة قبول واستيعاب الوافدين. وهو، على أية حال، أسلوب حياة يحاول التوافق والتلاؤم مع القواعد السلوكية والقيم المتعارف عليها في ذلك المجتمع الجديد، أي أنه أسلوب أو طريقة للوجود فحسب Way Of Being ولذا فهو يتعارض مع ما يمكن أن نطلق عليه أسلوب الانتماء Way Of Belonging الذي يشير إلى الروابط بالمجتمع الأم عن طريق التمسك بقيمه حتى وإن لم يلتزم بها في كل تصرفاته اليومية وكذلك - وربما كان هذا هو الأهم والأكثر دلالة عن طريق الذاكرة والحنين بل والخيال في بعض الأحيان. ولكن الأغلب أن هذه الازدواجية الناشئة عن الانتقال الواسع المدى لاتستمر إلا مع الجيل الأول الذي مر بالتجربة وحمل معه ذكريات الماضي، ثم لا تلبث أن تختفي تدريجيا في الجيل أو الأجيال التالية، ولذا يطلق عليها بعض المفكرين تعبير «ظاهرة الجيل الواحد» أو «الظاهرة وحيدة الجيل» لأنها تضعف حتى تزول في الأجيال التالية، التي لاتعرف شيئا كثيرا عن ثقافة وأساليب الحياة ونمط التفكير ومنظومة القيم في المجتمع الذي خرجت منه تلك الهجرات. ومن هنا كنا نجد من الناس من يعيشون بطريقة دائمة أي (يوجدون) في غير موطنهم الأصلي وقد يحملون تبعا لذلك أكثر من جنسية أو هوية (واقعية) ولكنهم يرتبطون عاطفيا بذلك الموطن الأصلي. وبذلك يحملون في وقت واحد هوية الإقامة أو (الوجود)، وهوية الانتماء على أساس العواطف والنزعات والميول السيكولوجية التي تظل موجهة في الأغلب نحو الوطن الأم. فالشخص في هذه الحالة يكون موزعا بين هويتين متعارضتين يصعب التوفيق بينهما. وعلى أية حال فإن التغيرات التي تحدث في الهوية الأساسية إنما تتم ببطء شديد حتى وإن لم يتعمد الفرد أو المجتمع مقاومة التغير اعتزازا بالمقومات الأصلية التي صاغت شخصيته وتميز كيانه الواضح المستقل.
ولكن إذا كان الحراك الفيزيقي للبشر عبر الحدود الإقليمية يمثل أبسط وأقدم صورة للعولمة ويترتب عليه كل هذا الانقسام في هوية الفرد والمجتمع، فإن الحراك الفكري الذي يتم الآن عن طريق وسائل الإعلام الحديثة وأساليب الاتصال الرقمي تقوم بهذه المهمة ذاتها ولكن على نطاق أوسع وبكفاءة أعلى بكثير من النقلة المكانية، وإن لم يترتب على ذلك أي صراع أو عداء أو صدام فيزيقي على مايحدث في حالة الحراك السكاني والهجرات البشرية. فالحراك يتم هنا عن طريق وسائل الاتصال الحديثة دون أن يضطر الإنسان للانتقال بجسمه أو أن يبرح مكانه، فهو حراك غير مجسد تلعب فيه التكنولوجيات الإلكترونية والرقمية الدور الأساسي في تحقيق عولمة طليقة أو متحررة من القيود والحواجز المادية، ومن كل القواعد والقوانين التي قد تفرضها الحكومات على حرية الانتقال والنزوح والإقامة. فالاحتكاك عن طريق التكنولوجيات الرقمية اتصال فكري مجرد، يتم عن بعد وبين أطراف يجهلون كل شيء عن بعضهم بعضا، ولكن آثاره على الهوية أبعد وأعمق بكثير وأشد خطورة على الرغم من أنه يحدث بطريقة ناعمة تكاد تكون غير محسوسة قلما تدعو إلى العداء والمقاومة العلنية الصريحة.
الاحتكاك التكنولوجي والهوية
وقد تغلغلت هذه التكنولوجيات الرقمية الجديدة في حياة البشر بطريقة غير مسبوقة، بحيث تتجاوز تأثيراتها كل التأثيرات التي فرضتها تكنولوجيات الإعلام والاتصال القديمة من طباعة وإذاعة وتلفزيون وغيرها ولكنها حوّلت البشر في الوقت ذاته إلى كائنات سلبية إلى حد كبير تكاد تقنع باستقبال واستيعاب وتمثُل كل ما تبثه تلك التكنـولوجيات وتستسلم لها وتخضع تماما لتأثيراتها في تغيير أنماط التفكير والسلوك والعادات والتقاليد وتكاد تفرض أنماطا ثابتة وموحّدة على شعوب العالم كافة وهو مايثير المخاوف لدى الكثيرين عن احتمالات ضياع شخصياتهم وهوياتهم الاجتماعية والثقافية. ويبدو أن هذا هو ما سيكون عليه الحال بشكل أوسع بالنسبة للأجيال القادمة التي تنشأ منذ البداية في العصر الرقمي. فحياة الأطفال الآن يتولى الكمبيوتر والإنترنت تشكيلها بطريقة مستترة ولكنها فعالة ومؤثرة إلى أبعد الحدود.
ولكن على الرغم من اتساع مجالات المعرفة وتنوعها فإن التفكير يظل حبيس أو سجين تلك الشاشة الصغيرة المحدودة المساحة التي تفتح له كل آفاق العالم الواسعة المتنوعة. وهذه مفارقة لاتخلو من طرافة، إذ بينما يجد الإنسان نفسه مشدودا لتلك المساحة الصغيرة ومقيدا إلى المكان والزمان المحدودين بحدود تلك المساحة ومرتبطا بالفضاء المعلوماتي الافتراضي بعيدا عن السياق العالمي الواسع الواقعي إذا بنفس تلك المساحة الصغيرة المحدودة تنقل إليه صورة من ذلك العالم الواقعي من ناحية وتفرض من الناحية الأخرى تغييرات جذرية إيجابية وسلبية على شخصيته وتفقده جانبا كبيرا من هويته الأصلية التي يجاهد للمحافظة عليها. فهو إذن يستمرئ الارتكان إلى تلك المساحة ويرتبط بها أشد الارتباط في الوقت الذي تتولى هي هدم جانب كبير من ملامح شخصيته ومقومات كيانه ووجوده الأصيل.
وبقول آخر فإن الإنسان يحصر نفسه أمام الشاشة بدلا من أن ينطلق لكسب المعرفة عن طريق تجارب الحياة، وبذلك أصبحت هويته مهددة بفعل التكنولوجيا التي أبدعها الإنسان نفسه، فإذا بها تؤدي إلى اغترابه عن العالم الذي يعيش فيه. وفي الحياة الواقعية مايعزز هذه النظرة. ففي اليابان على سبيل المثال توجد فئة من الناس يطلق عليهم اسم هيكيكومو Hikikomo ويقدر عددهم بأكثر من مليون نسمة انقطعوا تماما عن الاتصال بالحياة الخارجية والتعامل معها، وارتبطوا كلية بشاشة الكمبيوتر التي تشكل عقولهم وتفكيرهم وتفرض القيود عليهم وتؤدي إلى ضمور خلايا أمخاخهم - على ما تقول سوزان جرينفيلد Susan Greenfield في كتابها «البحث عن هوية في القرن الحادي والعشرين : The Quest For «Identity In The 21st Century».
وهم الصدق
ومنذ سنوات قليلة تكلم عالم الاجتماع الفرنسي ان بودريار عما يسميه «وهم الصدق» وضرب مثلا لذلك بشخص يحبس نفسه في حجرته وقد أغلق الأبواب والنوافذ، وجلس يركز بصره وكل حواسه وانتباهه على مايبثه التليفزيون من صور وإعلانات، فيؤلف في ذهنه صورة عن العالم الخارجي مما يراه على الشاشة، بحيث تحل هذه الصورة محل العالم الحقيقي، أو حقيقة العالم التي كان يمكن له أن يدركها عن طريق الخروج من تلك العزلة التي فرضها على نفسه، وعن طريق الاحتكاك بالآخرين. وهذه هي خطورة إدمان الاعتماد على وسائل الاتصال والمعرفة الرقمية الحديثة، التي توفر قدرا هائلا من المعلومات وتؤدي في الوقت ذاته إلى حدوث انفصام في الشخصية وشحوب الهوية.
وتميز سوزان جرينفيلد وهي أستاذة بجامعة أكسفورد - في كتابها بين ثلاثة أنواع أو أنماط من الهوية، يتعلق أولها بالأشخاص الذين يعتقدون أنهم «مهمون» بالنسبة للآخرين، وهم يتصفون بالقدرة على التفكير والعمل. يقابلهم على الجانب الآخر الذين يدركون أنهم «لاشيء» بالنسبة للحياة، ولذا فهم يتصفون بالسلبية واللامبالاة وعدم الاهتمام بشيء، كما أنه ليس لديهم القدرة ولا الرغبة في التفكير والعمل، بينما يرى أصحاب النمط الثالث من الهوية أنهم لايختلفون في شيء عن غيرهم من أفراد المجتمع، فهم أشبه بأي شخص آخر وأن قدراتهم وإمكاناتهم تنحصر في العمل دون التفكير والتأمل وأن عقولهم جامدة ومصبوبة في قوالب صلبة ومحكمة بحيث تمنعها من الانطلاق.
وتخضع هذه الأنماط الثلاثة للهوية لتأثير التكنولوجيات الرقمية التي تتدخل بطرق مختلفة ودرجات متفاوتة في تشكيلها. فعقل الطفل الصغير بعد الولادة يكون مجرد جهاز استقبال سلبي يتلقى كل الأحاسيس والمؤثرات ثم يبدأ تدريجيا في تنظيمها وتكوين ارتباطات بينها، مما يجعله في آخر الأمر يصل إلى المفاهيم والتصورات والأفكار التي تكوّن شخصيته الخاصة التي يتعامل بها مع الناس، وتحدد له سلوكه ونظرته إلى العالم وموقعه من الوجود كله. لكن المستجدات والمتغيرات التكنولوجية تتدخل بشكل واضح في تغيير الأوضاع التقليدية مما يؤدي إلى ظهور الاختلافات في تكوين الشخصية وتراجع معالم الهوية الثابتة المستقرة التي يفتقدها الكثيرون في العالم المعاصر.
إن البحث عن هوية جديدة في هذا العالم المتغير يفرض على الإنسان الاشتباك في صراعات عنيفة مع ألأفكار والسلوكيات والقيم الجديدة، التي يصطدم بها سواء في المجتمع الجديد الذي قد يهاجر إليه أو المعلومات المتدفقة التي تنهال عليه من وسائل الإعلام والاتصال الرقمي، وكلها تفرض عليه ارتياد عوالم غريبة ومجهولة لديه ويضطر معها إلى أن يتلمس طريقه وسط عالم مليء بالمتناقضات.
وليس من شك في أن الميزة الأساسية التي ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات الحية هي القدرة على التكيف مع الأوضاع المتغيرة حتى لاتحدث فجوة في حياته وتعامله مع الواقع الجديد. فالعقل الإنساني سريع الإدراك لما يحدث من تغيرات وتقلبات يتعين مواجهتها والتأقلم معها بالسرعة المطلوبة. وربما كان أهم تغير في سلوك الإنسان نتيجة لاستخدام أساليب الاتصال والمعرفة الرقمية هي سرعة الفعل ورد الفعل والتجاوب مع هذه الوسائل. وعلى الرغم من أهمية هذا التفاعل فإن له كما ذكرنا - تأثيراته السلبية على الذاكرة والخيال واحتمال أن يفقد الإنسان السياق والمحتوى نظرا لاختلاط الواقع الحقيقي بما يراه أو يقرأه على الشاشة.
وأيا ما يكون الأمر، فسواء أكان الاتصال بين الشعوب والثقافات والبشر يتم عن طريق الاحتكاك المباشر، الناجم عن الحراك الفيزيقي للسكان، أم عن طريق الاحتكاك الفكري من خلال وسائل الإعلام والتكنولوجيات الرقمية فالمحصلة النهائية هي حدوث تغييرات جذرية في الهويات ليس بمعنى ضياع واختفاء الهويات الأصلية تماما، فهذا أمر يصعب إن لم يكن من المستحيل حدوثه وإنما بمعنى ظهور هويات أخرى مهجّنة هي مزيج من عناصر أساسية وعناصر جديدة طارئة. فالإنسان المعاصر إنسان مهجّن إلى حد كبير وله هوية شاحبة أو باهتة وغير مستقرة، وهذا يصدق على أنماط الهوية الثلاثة، التي تحدثت عنها سوزان جرينفيلد وإن يكن بدرجات متفاوتة. وأداة التهجين هي وسائل الانتقال والاتصال الفيزيقي والفكري على السواء. والإنسان المعاصر يشعر بفداحة الأزمة التي يحياها ويحاول ان يجد لنفسه طريقا نحو هوية متميزة وثابتة ومستقرة، ولكن يبدو أن اتجاهات العولمة تمنع من ذلك.
ولعل التعبير الشائع الذي يتردد بكثرة في الخطاب الثقافي العربي عن التراث والمعاصرة يكشف عن حيرة الإنسان العربي في البحث عن هوية واضحة ومستقرة، بقدر مايكشف عن عملية التهجين التي تعتبر سمة العصر إلى حد كبير.

أحمد أبوزيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
mohammed_hmmad
Admin
Admin
mohammed_hmmad


ذكر عدد المساهمات : 15166
نقاط : 25305
تاريخ الميلاد : 22/05/1966
تاريخ التسجيل : 17/04/2009
العمر : 57

مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Empty
مُساهمةموضوع: الفجوات السوداء في فضاء الإنترنت!..الإنترنت العربي   مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Emptyالسبت 26 يونيو 2010, 9:38 pm



الفجوات السوداء في فضاء الإنترنت!..

الإنترنت العربي



مع الزيادة المطردة لاستخدام الحاسبات الآلية وأجهزة الكمبيوتر على المستوى العربي، أصبحنا نسمع كثيرا عن مصطلح «الرقابة على الإنترنت»، والذي يعني حظر السلطات الحكومية أو الرقابية بث مواقع بعينها، أو حجبها، لأسباب سياسية أو دينية أو أخلاقية، أو لغيرها من الأسباب.



بالرغم من أن المجتمعات العربية بشكل عام تعاني فكرة الرقابة، كواحدة من التناقضات التي تتعارض مع مفاهيم حرية التعبير المنصوص عليها في الغالبية العظمى من الدساتير المعمول بها في أغلب الدول العربية، فإن فكرة الرقابة على الإنترنت تأخذ شكلا أكثر تناقضا على اعتبار أن فكرة شبكة الإنترنت في جوهرها هي فكرة إتاحة المعلومات والاتصال بين البشر في أرجاء العالم بعيدا عن حدود الجغرافيا والزمن. بالإضافة إلى أن قدرة المتخصصين في تكنولوجيا الاتصالات لديهم الكثير من البرامج التي يمكن بها أن يخترقوا الحظر المفروض على اي موقع، مما يجعل السؤال الأجدى بالطرح والأكثر واقعية هو: هل هناك بالفعل جدوى من الرقابة في عصر الفضاءات المفتوحة وشبكة الإنترنت، وفي زمن يتقدم فيه البشر، في الغرب طبعا، في تحقيق طفرات في الخروج لفضاءات جديدة في الكون اللانهائي في محاولة مستمرة ودءوبة لكشف ما يحدث في المجرة التي يعد كوكبنا، بالنسبة إليها، مجرد نقطة صغيرة جدا في محيط من التيه اللانهائي؟



الثقوب السوداء



في الصفحة الخاصة بالرقابة على الإنترنت في موقع الموسوعة الإلكترونية «ويكيبديا» يمكن أن نرى في زاوية الصفحة خارطة للعالم وهي ملونة بعدد من الألوان، وفقا لمدى الرقابة المفروضة على وسائطها الإعلامية، خصوصا على شبكة الإنترنت، ومن الوهلة الأولى يمكن ملاحظة بقعتين سوداوين في الخارطة، إحداهما تظلل موقع الصين، وعدداً آخر من دول آسيا مثل كوريا الجنوبية وفيتنام وبعض دول الاتحاد السوفييتي السابق، وغيرها، والأخرى تظلل موقع المنطقة العربية باستثناء المغرب العربي «لأنه ما زال تحت الإحصاء والدراسة»، والتعليق المصاحب للمناطق السوداء على الخارطة هو «الفجوات السوداء» أو الثقوب السوداء.



ووفقا لتصنيف منظمة «مراسلون بلا حدود»، وهي منظمة مدنية أهلية مركزها باريس، يتم تصنيف الدول الأكثر عداء للإنترنت سنويا، ووفقا لآخر إحصاءات هذه المنظمة الدولية فإن الدول الأكثر عداء للإنترنت، من حيث قوة الرقابة التي تتعرض لها الشبكة بالمنع والفلترة ،يبلغ عددها 12 دولة هي بورما والصين وكوبا وكوريا الشمالية وإيران ومصر والسعودية وسورية وتونس وأوزباكستان وفيتنام وتركمستان.



وهذا التصنيف يتم بناء على عدد من الاعتبارات، وهي اعتبارات لا تتوقف فقط على أن الحكومات في هذه الدول تقوم على منع بعض المواقع، وبينها مواقع سياسية أو إباحية أو طائفية أو غيرها من المواقع التي يمثل وجودها تعارضا مع سياسات أخلاقية أو سياسية أو دينية، بل يتم التصنيف أيضاً على مدى ما يتعرض له مستخدمو الإنترنت من مضايقات، أو أذى معنوي أو جسدي، مثلا، وهو ما يتعارض مع حقوق حرية الرأي والتعبير، أو للرقابة على بياناتهم الشخصية في حالة استعمال الإنترنت من أماكن عامة مثل مقاهي الإنترنت، كما هو الأمر في مصر مثلا، وسوى ذلك من سبل التضييق على حرية استخدام شبكة المعلومات الدولية.



شد وجذب



بعيدا عن هذه التفاصيل، فما يهمني هنا توضيح أن الرقابة على الإنترنت هي جزء من فكرة الرقابة بشكل عام، والتي اتخذت على مدار التاريخ أشكالا عدة بدأت بفكرة إحراق الكتب، وسجن الكتاب، أو نفيهم خارج حدود بلادهم، أو إشاعة نوع من الوصاية الدينية على المجتمع من خلال مؤسسات الدولة الدينية وسوى ذلك، وهو تاريخ طويل اتخذ شكلا بشعا في فترات تاريخية محددة انتشرت خلالها الأفكار الديكتاتورية وكانت الوصاية على الأفكار ومنع تداولها إحدى وسائل تلك الديكتاتوريات التي اعتمدت كثيرا على الدين ممثلا في سلطات مطلقة منحت لرجال الدين في الكنيسة، ما أدى إلى سيادة مرحلة مظلمة من تاريخ البشرية عرفت فيها محاكم التفتيش.



لكن الرقابة على الإنترنت تتخذ شكلا مختلفا عن الرقابة التقليدية بسبب اختلاف التكنولوجيا التي يتم بمقتضاها بث المعلومات، من جهة، وبسبب بث الشبكات من خلال شركات دولية تتعارض قوانينها مع القوانين المقيدة للحريات، وهو ما يتسبب اليوم، على سبيل المثال، في جدل واسع بين اتفاقية شركة جوجل مع الصين بسبب إصرار الأخيرة على فرض برنامج رقابي على الأجهزة التي سوف يستعملها مستخدمو الكمبيوتر، مما أدى في النهاية إلى فض الاتفاق بين الجهتين، ومراجعة الصين لموقفها بسبب الضغوط الدولية الكبيرة التي تتعرض لها.



فهناك اليوم العديد من الوسائل التي يتم بمقتضاها استخدام السلطات في إحدى الدول برامج الفلترة الخاصة بحجب مواقع معينة تصل إلى الآلاف في الصين، وفي بعض الدول العربية، إلا أن الشركات العاملة في مجال الإنترنت عندما تتلقى شكاوى من الأجانب المقيمين في إحدى الدول (الصين من أكثر تلك الدول) بعدم قدرتهم على الدخول إلى موقع الشركة أو غيرها، فإنها تقدم لهم، مقابلاً مادياً أو من دون، برامج تتيح لهم فك الحصار الرقابي المفروض على الموقع. والمعروف باسم «Proxy Server».



وهو ما يعني أن هناك ما يشبه حركة تفاعل مستمرة بين وسائل حجب المواقع ووسائل فك شفراتها، وهو الصراع المتوقع أن يأخذ شكلا دوليا أكبر، في إطار الجدل الواسع اليوم في الصحافة العالمية حول صرامة الرقابة في الصين، في مقابل الشركات المنتجة لتكنولوجيا المعلومات في الولايات المتحدة، والتي تملك حقوق ملكية هذه التقنيات بكل ما يستتبع ذلك.



كما أن الكثير من المحترفين في مجال الإنترنت يبتكرون يوميا مواقع إلكترونية مهمتها تجاوز الحجب عبر استضافة المواقع المحجوبة على شبكات لا تخضع للرقابة حتى يتم اكتشافها، وهكذا.



يشير الدكتور عبدالله الكندي أستاذ الإعلام بجامعة السلطان قابوس، في بحث ألقاه في ندوة مجلة العربي التي عقدت في مارس الماضي في الكويت تحت عنوان «الثقافة العربية في ظل وسائط الاتصال الحديثة» إلى أن هناك العديد من المتغيرات السياسية التي تجعل فعل الرقابة يتجه للانحسار في ظل الوسائط الإعلامية الحديثة، خصوصا الإنترنت، إذ لم يعد مصطلح الرقابة يثير المخاوف والحساسيات التي كان يثيرها فترة وسائل الإعلام التقليدية، كما أن الكثير من مستخدمي الإنترنت يتلذذ بتحدي الرقابة والتغلب عليها.



هذه الفكرة عن الرقابة لا تأتي من فراغ بل تؤكده العديد من التغييرات السياسية التي فرضتها الوسائط الحديثة وهذه التغييرات هي:





  • تعزيز حضور القوى، والاتجاهات، والأصوات المعارضة للتوجهات الحكومية والرسمية.




  • حث، وتشجيع الجماهير على تقديم آرائهم، وتصوراتهم النقدية للممارسات الحكومية الرسمية في الدول العربية، وتوفير منابر جماهيرية للآراء، والتوجهات المعارضة.




  • دعم توفير المعلومات، والتقارير التي كانت الحكومات العربية تتحكم في نشرها، وتوفيرها عن القضايا، والمواقف السياسية الداخلية منها والخارجية. «منظمات دولية ومؤسسات مجتمع مدني محلية».




  • رفع الحصانة التقليدية عن الحكومات، والرموز السياسية فيها.




وردا على ما تتجه إليه بعض الحكومات العربية اليوم من بحث لتقنين المجتمع الافتراضي يرى أن هناك مشكلتين تواجهان تقنين المجتمع الافتراضي:



الأولى: تتعلق بعدم عملية تنظيم الإنترنت بشكل قانوني من منظور السيادة الوطنية، على اعتبار أن الكثير من مصادر العمليات والمعلومات يقع خارج الدولة ومن ثم خارج نطاق السيادة.



أما المشكلة الثانية: فتتمثل في أن تنظيم الإنترنت من جانب دولة واحدة سوف يدفع إلى وجود قوانين وأحكام متضاربة بشأن عمليات متشابهة.



وهو ما يعني أن الرقابة على الإنترنت مهما بدت اليوم محكمة، أو فاعلة، فإن طبيعة الوسائط الجديدة ومرونتها وسيولتها وطابعها العولمي سيؤدي إلى انحسارها بشكل من الأشكال، وتخفيف قبضتها، ليس لأن العقليات المحافظة التي تطالب بالوصاية على العقول سوف تندثر، بل لأن فكرة الرقابة نفسها ستصبح عبثية ومكلفة مقارنة بالنتائج المترتبة على تخفيف حدتها.



بين الدوجما والعقلانية
ثقافة الحوار العربي الافتراضي ما زالت تحبو


تتيح المنتديات الإلكترونية والمدونات والمواقع الاجتماعية مراقبة ظاهرة كيفية التخاطب الجماعي بين الأفراد عبرالوسيط الجديد الذي يسمح بنوع من النقاشات الافتراضية التي يمكن منها تحليل مدى تمتع الأفراد في المجتمعات العربية بثقافة الحوار والقدرة على تبادل الآراء والحجج والإقناع أم العكس.



ولاشك أن مثل هذه الوسائط الجديدة قد فتحت بابا واسعا لحرية الرأي والحوار في العديد من القضايا التي تخص أفراد المجتمع العربي من الأدب والثقافة إلى السياسة والدين والأخلاق فيما يتعلق بكل مجال من هذه المجالات من تفصيلات تتراوح درجة حساسيتها وفقا لطبيعتها.



يمكن القول إنه لم يعد هناك موضوع منغلق على النقاش، تقريبا، من الحرية الجنسية إلى التغيير في الحكومات والدعوة للحرية، ومن نقد مظاهر الفساد في الثقافة والسياسة والمجتمع، إلى السجال حول حرية الاعتقاد. ومن نقد برامج الفضائيات إلى التعليق على الأحداث السياسية والثقافية المختلفة وسوى ذلك.



لكن، وبالرغم من ذلك، فالواضح تماما أن المجتمعات العربية التي تمت تربيتها على الانغلاق الفكري، وسيادة الرؤية الواحدة، وعلى الرقابة، والتزمت والتشدد في قشور الأمور وتوافهها، والانحياز للشكل على حساب المضمون، قد أثرت في الذهنية العربية فأصبحت فاقدة للقدرة على الحوار، لا تمتلك أساسياته، فغالبا يأخذ الحوار شكلا عصبيا، لا يمتلك أطرافه القدرة على تبادل وجهات النظر، وسرعان ما يتحول للشخصانية، وقد ينتهي بالسب أو النيل الشخصي من طرف تجاه آخر، أو ممارسة ألوان من الاتهامات التي تتخذ طابعا عنصريا، وفي أفضل الأحوال، فقد ينتهي الحوار قبل أن يبدأ أو يتخذ شكلا من أشكال المزاح.



وقد يكون من البديهي أن أطراف الحوار من المتشددين والمتعصبين أصحاب الأفكار المنغلقة، والرؤية الواحدة الذين لا يقبلون خلافا في الرأي هم نموذج لهذا النوع من الحوار، الذي يصلح لأن نطلق عليه «حوار الطرشان»، لكن الواقع أن هذا النوع من الحوار ليس مقصورا على تلك الفئة فقط، بل يمتد حتى للعديد من الفئات الأخرى من الشباب، بل والبعض من المثقفين وغيرهم من أصحاب الرؤى الليبرالية.



وهناك العديد من الأمثلة لهذا النوع من الحوار الذي اتخذ طابعا من الهجوم الحاد مثلا بين الكثيرين عقب مباراة مصر والجزائر، وكذلك في العديد من القضايا ذات الطابع السياسي، بين المؤيدين للحكومة والمعارضين لها، في هذا البلد العربي أو ذاك.



كما ظهرت مئات التعليقات التي أعقبتها مشادات حوارية عقب ظهور الدكتور محمد البرادعي على شاشة التليفزيون المصري لأول مرة، بعد إعلانه عن احتمالية ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة المصرية في دورتها المقبلة، بين مؤيد ومعارض، وكذلك حول زيادة أسعار السلع المفاجيء الذي شهدته إحدى دول منطقة الخليج العربي قبل شهرين. كما ارتفعت حدة النقاش والاتهامات المتبادلة بين العديد من الأطراف من الكتاب والمثقفين والمهتمين بالأدب عقب إعلان القائمتين الطويلة والقصيرة لجائزة البوكر العربية في دورتها الماضية، وأيضا ترتفع حدة الاتهامات المتبادلة ما بين طرف يتهم الآخر بالخروج من الدين والتحلل، وبين طرف يسم آخر بالتخلف والخروج عن الدين الذي يعطي للعقل أولوية أولى في الكثير من النقاشات التي تعرضت للحجاب والنقاب، وكذلك في النقاشات التي تعرضت لظاهرة التحرش الجنسي في عدد من الدول العربية في الفترة الأخيرة، وغير ذلك عشرات القضايا والأمثلة المشابهة.



ولا يتوقف أمر «حوارات الطرشان» هذه على المنتديات والمواقع الاجتماعية وبينها «فيس بوك» مثلا، بل يمتد للتعليقات التي تسمح بها الكثير من المواقع الإلكترونية الخاصة ببعض الصحف العربية، أو ببعض المواقع الإخبارية الإلكترونية.



فحين نقرأ التعليقات يتبين لنا أننا إزاء موقعة حربية كلامية يتبادل أطرافها الاتهامات بالعمالة أو التحجر الفكري، وبالفساد، والجهل، ودون أن يملك الشخص أية بينة أو معلومات، فكلها اتهامات مرسلة، بالغة العنف والحدة، لا يكاد أي من أصحابها يمتلك أي فكرة عقلانية يبرر بها اتهاماته وأفكاره.



الرقابة غيبت فلسفة الحوار



والحقيقة أننا لا يمكن أن نفصل بين الظاهرتين باعتبارهما سببا ونتيجة، وهما ظاهرة الرقابة والمنع والمصادرة من جهة، وظاهرة انعدام لغة الحوار وتدني مستواه، من جهة أخرى في المجتمعات العربية وغياب معنى وقيمة الحوار وفلسفته بشكل عام.



فالرقابة، كفكرة ومفهوم عام، هي في جوهرها تعني عدم القدرة على الحوار، وتأكيد فاضح على أن الطريقة الوحيدة لأصحاب فلسفة الرقابة، هي فلسفة الإلغاء الثنائية «إذا لم تكن معي فأنت ضدي» وأن الاختلاف في الرأي لا يواجه إلا بنفي الرأي الآخر، واعتباره ليس موجودا وذلك بحجبه ومصادرته ومنعه وحرقه لو اقتضى الأمر.



وفكرة الرقابة ومحاكم التفتيش على مستوى التاريخ واكبت وباستمرار فترات التسلط والديكتاتوريات في أوربا في العصور الوسطى، وفي عصور الانحدار العربي، وفي العصر الحديث.



وعندما تتسيد الرقابة مجتمعا من المجتمعات فإن أفراده يفقدون القدرة على التعبير عن آرائهم،إما بسبب طول فترة خشيتهم من التعبير عن آرائهم، وبسبب غياب ثقافة الحوار التي تفترض أن العقول البشرية أنداد لا يتفوق أحدها على الآخر إلا بقوة منطقه ونزاهته العلمية، ومدى براعته في عرض أفكاره، والتي تستلزم أن يكون واسع الاطلاع على موضوع حواره، أو القضية التي تثير اهتمامه، وهي الفضائل التي أصبحت شبه منعدمة اليوم في ثقافتنا العربية.



وبالرغم مما تكشفه ثقافة «حوار الطرشان» السائدة اليوم في الصحافة والإعلام وصولا لوسيط الإنترنت، على المستوى العربي، فالمؤكد أن الفضيلة الموجودة هي فكرة الحوار نفسها، حتى لو بدت اليوم عاجزة ،إما مقعدة، أو كسيحة بسبب غياب أدوات الحوار من قبول للآخر، وقبول فكرة الاختلاف وسيادة قيم التسامح كقيمة إنسانية، حتى على مستوى الأديان.



فقبل ما يزيد على 800 عام نادى الفيلسوف العربي الأندلسي ابن رشد، في وقت عرفت الحضارة العربية بسمعة طيبة في أرجاء العالم، بفضل انتشار العلوم والفلسفة بين علماء العالم ما معناه أن الذي يطعن في أحد الأديان ليثني على دين آخر يكون كمن يطعن على جميع المبادئ الدينية المشتركة، كما أشار المفكر العربي فرح أنطون في كتابه الشهير «ابن رشد وفلسفته» وهو كتاب بالغ الأهمية لأنه يتضمن مجموعة من المقالات التي كتبها فرح أنطون في مطلع القرن الماضي (نشر الكتاب في الإسكندرية لأول مرة عام 1903)، في مجلة الجامعة التي كان يصدرها آنذاك، واختلف مع ما جاء فيها الشيخ المستنير محمد عبده، وهو من هو، فرد على فرح أنطون ودار بينهما حوار من أرقى ما يكون من حيث تقبل كل منهما لفكر الآخر، والرد عليه بالمعرفة والمنطق والحجة في دلالة واضحة على مرحلة مهمة من مراحل النهضة التي شهدتها المنطقة العربية والتي تسببت في سيادة المفاهيم الليبرالية طوال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وما حققه العرب من نهضة واكبت حركات التحرر، وحتى عادت الأفكار الظلامية إلى الواجهة مرة أخرى بعد هزيمة 1967 وانتشارها في العالم العربي حتى تسببت اليوم في وجود إكليشهات أوربية وأمريكية تربط الظلامية والتخلف والإرهاب باسم المسلمين أو العرب. وهو ما سيظل ملتصقا بالعرب إن لم يستعيدوا فضيلة الحوار والتسامح وقبول الاختلاف والعودة للعلوم والفكر الإنساني والديمقراطية.



ابراهيم فرغلى



مقتطفات من مجلة العربى .. العدد  السبت 1 مايو 2010  18/5/1431هـ / العدد 618 Untitled

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مقتطفات من مجلة العربى .. العدد السبت 1 مايو 2010 18/5/1431هـ / العدد 618
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
elwardianschool :: المكتبة :: قرأت لك...!-
انتقل الى: