mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 57
| موضوع: محمد عبد الوعاب...كلية الآداب قصة ليلة حمراء الأربعاء 01 أبريل 2015, 10:30 pm | |
| محمد عبد الوعاب...كلية الآداب قصة ليلة حمراء لَفِظَتهُ الحَيَاة عَلَى رَصِيفِ العُزلَة الكَامِلَة دُون أهلٍ يَلجَأ إلَيهِم عَقِب فُقدَانَه زَوجَتُه كَمَا أنَّه لَيسَ لَدَيه أولاد. لَم يُرَحِّب بِه أَحَدٌ لِلعَمَل لِكِبَّر سِنِه فَلاقَى مَصَاعِب شَظَفِ العَيشِ وَضِيقِ الحَيَاة. لأوَّل مَرَّة عُرِضَ عَلَيه العَمَل كَحَارِسٍ في مَخزَنٍ أهلِيٍّ بِرَاتِبٍ مَقبُول. في نِهَايَة أوَّل شَهرٍ استَلَم رَاتِبَه فَكَان يَومَاً مُمَيَزَاً في حَيَاتِه، أحَسَّ بِشُعُورٍ غَرِيبٍ يَتَمَلَكَه وَهُو يُمسِك بِنُقُودٍ أعَاد عَدَّهَا وَحِسَابَهَا لِمَرَّاتٍ عَدِيدَة.انزَلَقَت قَدَمَاه تَجُوبُ شَوَارِع المَدِينَة وَكَأنَّه يَمتَلِك الحَيَاة بَين قَبضَتِه، هَاهُو ذَا سَيُحَقِقُ كُلَّ مَا حَلُمَ بِه فَليَأكُّل مَا لَذَّ وَطَابَّ. رَغبَتُه الجَامِحَة بِأنْ يُطِلَّ عَلَى حَيَاةٍ جَمِيلَةٍ قَد حُرِمَ مِنهَا، سَيُمَزِّق خُيُوطَاً كَانَت تُكَبِّل رَغَبَاتَه السَجِينَة لِسَنَوَاتٍ طَوِيلَة يُغَالِب مِيُول نَفسَه مُضطَّرَاً فَغَدَت حَيَاتُه لَيَالٍ لَيلاءٍ طِوَالٍ.جَعَلَته الأقدَارُ جَسَدَاً نَحِيلاً بِعُيُونٍ غَائِرَة خَلفِ نَظَارَاتٍ طِبِيَّة سَمِيكَّة مُكتَحِلَة بِأشبَاحِ الكَآبَة وَالشَقَاء، تَتَلَوَّى تَحتُه قَوَائِمٌ وَاهِنَةٌ تَتَهَاوَّى اضطِرَابَاً مِن حَملِه. قَرَرَ الانقِلابُ عَلَى وَاقِعِه المَرِيرِ وَليَخرُج مِن طَائِلَةِ شُقُوقِ الرُوتِين الضَيِّقَة وَيُطِلُّ عَلَى أعتَابِ حَيَاةٍ حَلُمَ بِهَا كَثِيرَاً بَعدَمَا أصبَح مِن أصحَابِ الدَخلِ الشَهرِي.تَمَوَّجَت حَول مَسَامِعَه أصوَاتُ مُوسِيقَى تَنبَعِث مِن مَلهَىٍ لَيلِيٍ فَلَم تُقَاوِّم نَفسُه عُذُوبَّة الألحَانِ فَتَسَابَقَت خُطُوَاتُه إلى أعمَاقِ المَلهَى أصبَح بَين الجُمُوع الفَرِحَة وَالأجسَادِ الطَرِيَّة اللَّدِنَّة التِي تَهتَزُّ مُتَنَاغِمَةً مُنسَجِمَةً مَع إيقَاعِ الطُبُول وَنَغَمَات المُوسِيقَى الصَاخِبَة، وَالنُفُوسُ اللاهِيَة مَشدُودَةٌ مَع أصَابِع الطَبَّالِين التِي تَتَرَاقَص عَلَى الدُفُوفِ وَالمَزَامِير.جَلَسَ بِزَاوِيَةِ المَلهَى وَالأضوَاءُ الخَافِتَةُ تُخفِّي عُيُوبَ الزَمَن المُلتَصِقَّة بِهَيئَتِهِ. يَدَاه المُقتَرِنَتَان تُصَفِّق إعجَابَّاً لإلتِوَاءَاتِ أجسَادٍ رَشِيقَةٍ كَالأفَاعِي وَشَفَتَاه تُعَانِقَان بِمَوَدَّةٍ سِيجَارَةٍ رَخِيصَة قَد اعتَاد عَلَيهَا، تَنبَعِّث مِنهُ سُحُبٌّ خَانِقَةٌ يَرسِمُهَا حَلَقَاتٍ بِكَبِدِ القَاعَّة وَكَأنَّه يُحَمِّلُهَا هُمُومَ أحشَائِه المَوجُوعَة.اقتَرَبَت مِنهُ إحدَى الرَاقِصَات فَغَمَزَتهُ بِطَرفِ عَينِهَا السَاحِرِ المَكحُولِ، وَكلَّمَتهُ بِهَمَسَاتٍ شَيطَانِيَة أيقَظَت فِيهِ مَضَاجِعَاً مَيِّتَّةً وَتَمَكَّنَت مِن أحَاسِيسِهِ كَلِمَاتٌ لَيسَت كَالكَلِمَاتِ التِي اعتَادَّ عَلَى سِمَاعِهَا طِيلَة العُمر.أمسَكَت بِأطرَافِ أصَابِعِه الغَلِيظَةِ الخَشِنَة بِتَوَدُّدٍ وَتَؤدَّة فَأحرَقَت بَدَنَه بِدِفءِّ أصَابِعِهَا النَاعِمَةِ، فَازدَادَت ضَرَبَاتُ قَلبَه وَتَحَرَكَّت مَشَاعِرُهُ الجَائِعَة. يَستَمتِّع بِأعذَبِّ وَأرَقِّ الكَلِمَاتِ التِي تَنزَلِقُ مِن شَفَتَيهَا في غَنَجٍ، فَاستَنهَضَت فِيه رَغَبَاتٌ مَكبُوتَّة وَأُمنِيَاتٌ مُقَيَّدَة.دَعَتهُ لِمُرَاقَصَتِهَا وَرَائِحَتُه النَتِّنَة تَنبَعِث مِن أسمَالِه البَالِيَةِ تُزكِّمُ أُنُوفَ الحَاضِرِين حَتَى هَمَسَت بِأُذُنِه أنْ يُنَادِي لَهُم بِوَجبَةِ عَشَاءٍ فَاخِرَة مَع نَبِيذٍ غَير مَغشُوشٍ وَأكَدَّت عَلَى أنْ يَكُون غَير مَغشُوش. جَلَسَا يَستَمتِعَان بِالأكلِ حَتَى استَدرَجَتهُ لارتِشَافِ النَبِيذَ مَعَهَا فَوَافَق وَالخَوفُ يَتَلاعَبُّ بِأطرَافِ إرَادَتِه. أَخَذَت الخَمرَّة مَآخِذَهَا بِلُبِّهِ كَذَلِك قَد مَكَّنَت بِسِحرِ نَشوَتِهَا مِن الجَسَدِ الذَابِّل فَأَحَسَّ بِخَدَرٍ يَسرِي بِأطرَافِه، فَثَقُلَّ لِسَانُهُ وَأصبَح يَلُوكُ الكَلامَ بِصُعُوبَةٍ بَالِغَة، وَبَدَأ يَهذِي بِكَلامٍ مُضطَّرِب.لَم يَترُك شَارِدَةً أو وَارِدَةً إلا وَتَطَّرَّق لَهَا بِحَرَكَاتٍ بَهلَوَانِيَةٍ تُثِيرُ السُخرِيَة طَالَت كَلِمَاتُه السِيَاسَة وَالفَنَّ وَالحُبَّ وَحَيَاتَهُ الخَاصَّةِ ثُمَّ أَحَسَّ أنَّ الحُشُودَ أَصغَت لَهُ فَازدَادَّ تَبَاهِيَاً بِنَفسِهِ وَتَخَيَّل أنَّه خَطِيبٌ مُفَوَّه، أَخَذَ يُذَكِّرُهُم بِسَلبِيَاتِ المُجتَمَعِ وَيُشِير إلى جِرَاحٍ عَمِيقَةٍ وَخَفِيَّةٍ ـ يَخَافُ الآخَرُون مِن الإشَارَةِ إلَيهَا ـ بَينَمَا جَسَدُهُ يَرتَجِّفُ ضَعفَّاً تَسنُدُهُ صَدِيقَتُهُ الرَاقِصَة.أَحَسَّ أنَّ الأرضَ كَادَت أنْ تَمِيدَ بِه أو أنَّهَا تَمُوجُ تَحتَ قَدَمَيهِ وَأَصَابَه صُدَاعٌ حَادٌ فَلَم يَتَمَاسَك نَفسُه فَأسنَدَتهُ عَلَى جَسَدِهَا فَتَقَيَّأ عَلَى مَلابِسِهَا وَأجزَاءِ جَسَدِهَا المَكشُوفَة فَامتَعَضَت مِنهُ وَوَبَّخَتهُ بِغَلِيظِ الكَلامِ مُشمَئِّزَةً مِن تَصَرُفَاتَهُ.تَرَكَتهُ بَعد أنْ حَقَقَّت مَا تُرِيد وَدَعَت النَادِل لِحَسمِ حِسَابِه فَأَخَذَ كُلَّ مَا مَعَهُ وَلَم يَترُك ذَلِكَ اللَئِيمُ لَهُ شَيئَاً. شَعرَهُ الأشعَث يُزِيدُ مِن مَنظَرِهِ بُؤسَّاً وَعَينَيهِ الحَمرَاوَين كَعَينَي قِطٍ شَرِس يَبحَث بَين الوُجُوهِ الجَمِيلَة عَن فَرِيسَةٍ لإشبَاعِ غَرَائِزِه المَكبُوتَّةِ حَيثُ يَتَفَّحَّص الأجسَادَ اللامِعَةَ شِبه العَارِيَةِ تَحتِ الأضوَاءِ الخَافِتَةِ.ازدَادَت آلامُ رَأسَهُ وَخَارَت قُوَاهُ ثُمَّ سَقَطَّ عَلَى وَجهِهِ وَمَا هِي إلا لَحظَاتٍ حَتَى أُلقِّيَ بِه إلى قَارِعَةِ الطَرِيقِ مَكبُوبَّاً عَلَى طِوَارِ الرَصِيفِ فَوقَ بِركَةٍ مِن المَاءِ الآسِن. أَنِينُه يَستَصرِّخُ الضَمَائِر وَيَستَعطِّفُ القُلُوب.مِسكِينٌ أَرَادَ اللَعِبَّ مَع الأبَالِسَةِ فَهَجَعَ إلى مُستَنقَّعِ الضَيَاعِ وَالنَدَمِ. في اليَومِ اللاحِق جَلَس قُربَّ المَخزَنِ الذِي يَحرُسُهُ مَلُومَاً تُحرِقُهُ آهَاتُ النَدَمِ عَلَى مَا أنفَقَهُ في لَيلَةٍ وَاحِدَةٍ فَبَقَى يُعَانِي مِن وَطأةِ الجُوعِ وَالحَاجَةِ طِيلَةُ شَهرٍ كَامِلٍ يَنتَظِر مُرَتَبَهُ القَادِم، وَلَرُبَّمَا يَخُوضَ غِمَارِ مُغَامَرَةٍ أُخرَى.http://www.book-juice.com/%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%AD%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%A1/
| |
|