mohammed_hmmad Admin
عدد المساهمات : 15166 نقاط : 25305 تاريخ الميلاد : 22/05/1966 تاريخ التسجيل : 17/04/2009 العمر : 57
| موضوع: محمد عبد العال ... كلية الآداب - مأساة أب الإثنين 19 يناير 2015, 5:27 am | |
| كَمْ هِي مُوجِعَةٌ عَودَتُه, سَيَعُودُ مُرغَمَاً مَشيَاً عَلَى جِرَاحِ الأيَامِ التِي أذَلَتهُ يَحْمِّل آهَاتَهُ وَصَدَى زَفَرَاتَهُ يَحرِق كُلَّ مَا بَقِّيَ لَدَيهِ مِن أمَل, نَادِمَاً عَلَى حَيَاتِهِ التِي تَبَذَرَتْ هَبَاءَاً بِتَربِيَةِ أبنَاءٍ جَاحِدُون, يَتَرَنَّح مِن وَخزِ تِلكَ النِصَالِ الصَدِئَّةِ التِي تَجزِل أودَاجَه بِدُون رَحْمَّة.احتَقَرَت السِنُون إنسَانِيَتَه وَتَنَكَّرَت لِكُلِّ مَا بَذَلَه مِن إسعَاد عَائِلَةٍ كَان يُعِيلُهَا دَهرَاً, بَعد رَحِيل زَوجَتُه الطَيِّبَة التِي تَرَكَتُه بِفَكَّي مَهَاوِي الرَدَى التِي قَضَمَت كُلَّ تَطَلُعَاتِهِ لِحَيَاةٍ أفضَّل وَأصبَح فَرِيسَةً لِلبُؤس وَالْمَذَلَّة التِي تَلَقَاهَا مِن زَوجَات أبنَائِه يُمقِتنَه لا لشيء إلا لِكِبَّر سِنهِ وَلازدِيَادِ طَلَبَاتِه هَذَا الْمَصِير الأسوَد الذِي يَتَرَبَّص بِه فَمَنْ يُوقِفُ نَزِيفَ ذَاكِرَتَه الْمُثقَلَة بِالجِرَاح.تَزَوَّج امرَأةً مُسِنَّة تُقَارِب عُمُرُه لِيَهرَب إلى أعمَاقِ الْهَاوِيَة لِكَونِهَا لا تَتَعَاطَف إلا مَع نُقُودِه التِي ادخَرَهَا لِنِهَايَة العُمْر, نَقَلَته حَيَاتَه الجَدِيدَة إلى رَاحَة البَال الْمُؤَقَتَة التِي لَم تَدُم سِوَى سَنَتَين فَقَط حَتَى أُصِيبَ بِمَرَضٍ خَبِيثٍ مِمَّا حَدَا بِهَذِه العَجُوز الشَمطَاء أنْ تُلقِي بِأسْمَالِه إلى الشَارِع غَير مُكتَرِثَة بِمَا يُوَاجِهُه مِن انكِسَارٍ وَضَيَاعٍ مَحتُوم, لَم يَبخَّل عَلَيهَا يَومَاً بِكُلِّ مَا كَان يَملِكُه إلى أنْ أنفَّق مَا تَبَقَّى عَلَى عِلاجٍ لا أمَل مِنه لِلشِفَاء, مَارَسَت ذَكَائَهَا الشَيطَانِي لِخَلق الْمَزِيد مِن الألَم لَه وَلَم تَزرَع يَومَاً فَرحَةً وَاحِدَةً في قَلبِه.عَادَ بَائِسَاً يَبحَث بِزَوَايَا ذَاكِرَتِه عَن وَطَنٍ مَهجُورٍ عَن شَبَحٍ أو بَقَايَا خَيَالٍ لِعَائِلَةٍ كَان يَرعَاهَا يَومَاً, عَاد يَطمَح أنْ تُغَيِّر مَا في قُلُوبِهِم مِن قَسوَة لإيوَائِه لِمَا تَبَقَّى مِن عُمُرِه مُستَعطِفَاً بِكُلِّ إذلالٍ لِكِبرِيَائِه، وَاجَهَه نَفسُ الْمَصِير مِن الصُدُودِ وَاللامُبَالاةِ وَهَكَذَا تَنَصَّل الأبنَاء مِن وَاجِبٍ مُقَدَّسٍ لِرِعَايَة أبٍ مَرِيضٍ يُحتَضَر بَعد أنْ حَشَرَته الحَيَاة بِشَقٍ ضَيِّق لَيسَ سِوَى الْمَوت أو الْخُنُوع وَالذُلِّ عَلَى طَرَفَي نَقِيضٍ لا ثَالِثٍ لَهُمَا في مُعَادَلَةٍ غَير مُنصِفَةٍ لِتَقرِير مَصِيرِه النِهَائِي فَأختَار الْمَوت الْمُرِيح مِن حَيَاةٍ مُقرِفَه مَع قُلُوبٍ لا تُطِيقُه.تَحَرَرَت إرَادَتَه مِن قُيُودِهَا فَهَاج كَالْمَجنُون يَتَسَكَّع بِشَوَارِع وَأزِقَّة الْمَدِينَة بِآخِر أيَامِه الْمُمتَلِئَّة بِالقَهر وَالدُمُوع, يَقضِي مُعظَم أوقَاتَه بِأبوَاب الْمَقَاهِي وَالْمَحَال التُجُارِيَة يَعطِّف عَلَيه مَنْ عَرَفَه, اختَرَقَت قَلبَه الأحزَان وَصَدِئَت ذَاكِرَتِه فَغَدَت أضعَّف مِن أنْ تَحمِّل بَين طَيَاتِهَا تَارِيخٍ يَتَمَنَّى أنْ يَنسَاه إلى الأبَد لَقَد فَقَد كُلَّ شَئٍ إلا نَبَضَات قَلبَه التِي تَتَوَقَّف في أي لَحظَة وَأصبَح رَفِيقٍ غَير مُؤنِس لِلحَيوَانَات السَائِبَة حَيث يُزَاحِمُهَا عَلَى مَرَابِضِهَا فَوق الأزبَال وَفي ظِلال الْهَيَاكِل الْخَرِبَة الْمَهجُورَة.بَعد أربَعَة أيَام مِن اختِفَائِه عَن عُيُون مَنْ تَعَاطَفُوا مَعَه وُجِدَّت جُثَتَه بِإحدَى الْخَرَائِب بِأطرَاف الْمَدِينَة مُتَوَسِدَاً نَعلَيه. كُنتُ مِمَّن حَضَر مَجلِّس عَزَائِه الفَخم الذِي أُقِيم بِأُبَهَةٍ وَعَظَمَة لا مَثِيل لَهَا وَكَثرَة الْمُعَزِين مِن أعيَان البَلَد وَوُجَهَاء الْمَدِينَة، جَلَستُ مَذهُولاً مِن مُفَارَقَات القَدَر وَعَينَيَ تَختَرِق نِقَاب النِفَاق وَالرِيَاء وَالكَذِب في عُيُون أبنَائِه الذِين يَتَظَاهَرُون بِالْحُزن العَمِيق, استَقَرَّت عَينَيَ عَلَى قِطعَة سَودَاء كَبِيرَة تُنعِى رَحِيلَه بِأَفخَم الكَلِمَات وَأعمَّق الْمَعَانِي لِلفَقِيد الْمغَفُور لَه وَالِد كُلٌّ مِن فِلانٍ وَفِلان وَفِلان. | |
|