زعماء الشعب ينصبون محمد علي والياً علي مصر

كان محمد بك الألفي قائد المماليك هو المنافس القوي لمحمد علي علي الساحة السياسية ، ولكن النزاعات الداخلية بين المماليك وفرت عليه أن يدخل في نزاع مباشر مع محمد بك الألفي. فقد قرر البرديسي، منافس محمد بك الألفي علي زعامة المماليك، قرر اعتقال الألفي. و لكن الألفي هرب غلي الصعيد و أخذ يسعي في تكوين جماعة تناصره. و انفرد البرديسي بأمور الحكم في القاهرة.

في تلك الأثناء عانت مصر من نقص مياه النيل فتأثر الإنتاج الزراعي بشدة و انخفض الدخل العام، فقام البرديسي بفرض ضرائب كثيرة علي الشعب، الأمر الذي أدي إلي قيام هيجان و ثورة ضد البرديسي في مارس 1804 م.

وجد محمد علي فرصته ليكسب قيادات الشعب في صفه ، فأعلن انضمامه لزعماء الشعب من العلماء و المشايخ و نزل بجنده إلي الشوارع و اختلط بالأهالي الساخطين و تعهد للعلماء بأن يبذل قصاري جهده لرفع الضريبة عن الناس، كما أوصي جنوده بأن يحترموا الشعب.

و بذلك كسب محمد علي تأييد الشعب بكل طوائفه ، فانتهز هذه الفرصة و هاجم بقواته المماليك في القاهرة ففروا جميعاً إلي الصعيد. و بذلك حصل فراغ سياسي في القاهرة.

لمواجهة هذا الفراغ السياسي أقترح محمد علي اطلاق سراح خسرو باشا و تعيينه والياً علي مصر. و بذلك ارتفع محمد علي في أعين الشعب و ظهر بمظهر غير الطامع في الحكم.
و لكن فرق الأتراك الإنكشارية رفضوا اقتراح تعيين خسرو ، فأقترح محمد علي خورشيد باشا الذي كان حاكماً للأسكندرية. و بالفعل تم تعيين خورشد باشا.

لم يكن خورشد باشا بالغر الساذج ، فلم يأمن لموقف محمد علي ، و أرسل إلي السلطان العثماني يطلب منه إرسال فرق عسكرية لتدعيم سلطة الدولة ، فأرسل له السلطان فرقاً عرفت بالدلاة فأخذوا يعيثون في الأرض فساداً و أثاروا سخط الناس.

كما طلب خورشد باشا من السلطان العثماني استدعاء فرق الألبان بقيادة محمد علي إلي استانبول ، فرفض محمد علي تنفيذ أمر السلطان كما رفض تنفيذ مرسوم السلطان بتعيينه والياً علي جدة .و احتمي محمد علي بزعماء الشعب و منهم السيد عمر مكرم و الشيخ عبد الرحمن الشرقاوي و السيد أحمد المحروقي.

اجتمع زعماء الشعب من العلماء و نقباء الطوائف بدار الحكمة في 13 مايو 1805م و قرروا عزل خورشد باشا و تعيين محمد علي والياً بدلاً منه ، و اخذوا علي محمد علي العهود و المواثيق أن يسير بالعدل و ألا يبرم أمراً إلا بمشورتهم.

و كانت هذه أول مرة في تاريخ مصر الحديث التي يعزل فيها الوالي بإرادة الشعب و يعين آخر بإرادة الشعب و أن يكون اختياره بمعرفة زعماء الشعب.

فلما أُعلن نبأ انتخاب محمد علي ، قصدت الجماهير إلي القلعة ، و نادت بسقوط خورشيد باشا ، الوالي التركي لما أقترفته فرق الدلاة من فساد و جرائم. و طلبوا إليه النزول من القلعة و مغادرة البلاد. و لكنه أبي و قال للزعماء أنه " معين والياً علي مصر بالخط الشريف – أي بأمر السلطان – و لا يأتمر بأمر الفلاحين".

فتزعم عمر مكرم المواجهة و حاصرت جموع الشعب القلعة لمدة شهرين تقريباً منعوا خلالها عن الوالي و جنوده المؤن و الذخيرة ، و تبادل الفريقان الضرب بالمدافع حتي جاء رسول السلطان في11 ربيع ثاني 1220 هج 9 يوليو 1805 بالموافقة علي تولية محمد علي القطر المصري.